Sunday, December 28, 2008

مسرحية ورقة التوت

ورقة التوت


مسرحية في فصل واحد

تأليف

أحمد الصالح

حزيران 1987
بغداد

المسرحية الفائزة بجائزة ( أفضل نص مسرحي ) في مهرجان منتدى المسرح السابع \ بغداد 1991























الشخصيات


د. وائل \أستاذ جامعي في الخامسة و الثلاثين

وداد \ طالبة جامعية في الثانية و العشرين




























" يملك النص الكثير من صنعة المسرحية، فكرة و حواراً ذكيا ًومفارقة و حبكة و نماذج ينهض الحوار المحتدم ببنائها من الداخل، بناء فيه الكثير من المتعة الحسية الذهنية التي يسعى الى تحقيقها المسرح بعامة ، ثم في النص تعرية لوجوه الزيف و الخديعة و الكذب ، تمنح النص قيمة أخلاقية ، تعليمية مطلوبة " .

محمد مبارك
بغداد \ 1991






" ان أحمد الصالح قد أدرك جيدا ً أهمية الصنعة المسرحية في " ورقة التوت " حيث أنشأ مبنى من التساؤلات تتمحور حول الفكرة الأساسية للمسرحية " الخطيئة " فقد أستطاع التعرض لها بجرأة عبر بنية منطقية يقظة ..
فورقة التوت كدالة قابلة للـتأويل اعتمدها المؤلف كرمز أساس منطلقا ً من كونها ستار الخطيئة منذ الرجل الأول والمرأة الأولى حيث سرعان ما يتحول هذا الرمز الى عامل مساعد في الفرشة الدرامية ..
انها لعبة شيطانية حقا ً أدخلنا اليها المؤلف، مثيراً فينا تساؤلا ً كبيرا ًفي ماهية أبعاد هذه الخطيئة ، و هل هناك حدود للخطيئة ؟
لقد حاول الصالح أن يضع سؤالا مستترا ً أستتار الخطيئة ذاتها ، وهو، هل هناك ما يبررالخطيئة؟
ان الولوج الى العوالم السرية يشير الى ان في داخل كل منا انسان وشيطان، وأن كل منهما يجد مبرارته في العوالم السرية للأنسان مهما كان ".

يوسف رشيد
بغداد \ 1991

















( منذ اللحظة الأولى لدخول أول متفرج ، نرى د. وائل في الصالة بوصفه أحد رجال التشريفات .

فهو يستقبل الجمهور و يقودهم الى مقاعدهم، يرحب بهم و يستجيب الى أستفساراتهم دون أية غرابة

في الموضوع ، فهو منهم و ليس من فاصل يفصله عنهم .

الستارة مرفوعة عن صالون بيت يشي بالرفاه و النعمة، توزعت قطع الأثاث على نحو ينم عن ذوق

عصري فهناك عدة لوحات على الجدران و في أحد الجوانب مكتبه مليئة بالكتب و التحف ..

انه بيت د . وائل الأستاذ الجامعي.
و عند أكتمال دخول المتفرجين الى صالة العرض ، ينسحب رجال التشريفات ، عدا وائل )



وائل :أهلا أهلا بكم آنساتي سيداتي سادتي ..

أهلا و مرحبا بكم في بيتي المتواضع هذا ، الذي هو بيتكم ، أشكركم من صميم قلبي لأنكم
كلفتم أنفسكم مشقة القدوم من بيوتكم .. من أحياء المدينة .. و من ضواحيها البعيدة .. لتضيفوا
عندي الليلة في بيتي ..

لا لتشربوا الشاي أو القهوة بالطبع ، فأنكم لا تهتمون بهذه السفاسف و لا ينطلي عليكم هذا
النفاق الأجتماعي ، أنما جئتم لتشاهدوا حكايتي ، و أنا فرح بهذا ، صدقوني .. لست ممن
يخفون الحقائق حتى لو كانت تلك الحقائق أسرار بيوت ، قد يحرص البعض على أخفائها و
كتمانها خشية أن يعرف بها الآخرون، فتسجل نقاط ضعف ضده ، لأنها أسرار !!

أما أنا.. فلا .. لست حريصا على أخفاء أي شيء .. لقد عودت نفسي على العمل بوضوح و
تحت الضوء .. و ..

( يرن جرس الهاتف )

و ربما يخالفني أحدكم الرأي فيما أعتقد .. فله رأيه .. و لي رأييي ..

( يستمر جرس الهاتف بالرنين )

عذراً أصدقائي .. أعتقد أن من الواجب أن أجيب على الهاتف ..

( و بعد أن يرفع سماعة الهاتف )

دكتور وائل.. أهلا ..أهلا ..أهلا سرى ، يعني بعض المشاغل ، لا شيء مهم ..الحمد لله بخير
أشكرك .. آسف جداً يا سرى .. لأني مرتبط بموعد مهم و سأخرج بعد قليل .. صدقيني كنت
على وشك أن أخرج عندما رن جرس الهاتف ..

في وقت لاحق .. أنا سأتصل بك .. شكراً سرى ...

على ماذا ؟!

لأنك أتصلت بي يا سرى ..

مع السلامة حبيبتي.

( يغلق الهاتف .. و يتوجه الى المتفرجين )

انها سرى خطيبتي .. مسكينة .. تُحبني .. تُحبني كثيراً ..

اني أسمع أحدكم يتسائل ، لماذا كذبت عليها أذن و قلت لها أني سأخرج بعد قليل !

ماذا أفعل يا أخي ..

ليس من سبيل للتعامل مع النساء غير الكذب .. ثم أني الآن بانتظار فتاتي !

( يخاطب أحد المتفرجين )

و لماذا أنت منزعج هكذا؟! سرى خطيبتي ، و أنا التي كذبت عليها ، فمالك أنت !!

( يرن جرس الباب فيما وائل مستمر في مخاطبة الشخص المعني في الصالة )

ثم اذا كان هذا الأمر يخدش حياءك .. بأمكانك أن تخرج يا أخي ..

( و لا أحد يجيب طبعا )

لماذا أنت صامت ..؟!

( الجرس مستمر بالرنين )

أوه .. دعك في مكانك .. عن أذنكم ..

( يفتح الباب .. و تدخل وداد، لا يبدو عليها الثراء، لكنها تجيد مواكبة الموضة ليس في زيها

فقط، انما في طريقة كلامها و مشيتها و في كل شيء.. و يصح وصفها بالفتاة المغناجة

اللامبالية لكن هذا الى حين ! )

وائل : أهلا وداد ..

( يحاول اخفاء غضبه الذي قد يفيده لأن يدعي انشغاله بامر هام أمام وداد .. ان هذا جزء

من خطته في أصطياد الفريسة !!)
وداد : أوه .. هلو دكتور .. في الموعد بالضبط .. اكزاكتلي .

وائل : ( بلا مبالاة ) نعم .. هذا شيء حسن .

( من الآن .. قد يغمز وائل الجمهور بشيء ما أو يلمح لهم بأنه يشعر بوجودهم ، لكنه

يبدأ ينسحب عنهم تدريجيا ليعيش حكايته متقمصا دوره بالكامل .. أما وداد فانها لا ترى
الجمهور لكنها تشعر بوجودهم في ضميرها ، في جملة القيم التي يحملها كل منا في
رأسه و التي قد لا تمت لمشاعره بصلة )
وداد : دكتور .. أرجو أن لا أثقل عليك .. الحقيقة دكتور .. اني دائما محرجة بحضورك..

وائل : لا وداد .. لا داعي للحرج .. تفضلي ..

وداد : أوه دكتور .. ثانكيو .. و الله يا دكتور .. لو لم تكن رغبتك في هذه الدعوة ..صدقني لما قدمت

الى بيتك يوما ..

أوه .. اني خجولة جدا دكتور .

وائل : رغبتي !!؟

وداد لم تكن رغبتي ..انها رغبتك !

وداد : أوه ما هذا دكتور .. ألم تكن أنت الذي طلب اللقاء .. هل نسيت ما قلته لي البارحة في حديقة

الكلية .. في تلك الزاوية البعيدة عندما أختلينا الى بعضنا !!

وائل : صحيح أنا الذي طلب لقاءك .. لكني قرات الرغبة في عينيك يا وداد ..

لا تحاولي أخفاء الحقيقة .. أنك لأكثر من مرة توحين الي بهذه الفكرة .. و لا أخفي عليك ..

كنت أحذر منك .. أنت بالذات .. و لأكثر من مرة حاولت الهرب من اللقاء بك ..

لكن ثقتي بنفسي و الحاحك الخفي، دفعاني لأستجيب لك وأبادر الى دعوتك على كوب قهوة

في بيتي .

وداد : ما هذا يا دكتور ؟!

كأنك تحملني مسؤولية خطأ ما .. حسن .. ألم يكن بأمكانك دعوتي في مكان عام ؟! مثل تلك

المرة في كازينو ..

وائل : كازينو وداد !!؟

طيب .. فكرّت في ذلك و قلت في نفسي، لتكن الكازينو ملتقانا مرة أخرى .. لكنك لم

تشجعيني على أن أطرح هذه الفكرة ..

صحيح أني لم أفاتحك بذلك .. لكني قرأته في عينيك .. رجل مثلي لا يخطىء في قراءة لغة

العيون ..

على أية حال وداد .. بودي أن تعرفي .. اني رجل مؤمن بحسم قضاياي المعلقة حتى لو جعلني

ذلك في مواجهة الموقف الصعب .. هذه طريقتي في التعامل مع الناس و مع الأشياء .

وداد : هذا واضح دكتور .. لكن صدقني .. لو كانت رغبتي بالفعل .. كنت أنا التي بادرت و ...
وائل : ( يقاطعها ) لا وداد .. أنك لا تصرحين بمثل هذه الأمور .. أنك أمراة ، و الرجل دائما هو

المسؤول عن المبادرة حتى لو كانت بصدد دعوة على كوب قهوة .. أنك تعرفين هذا جيدا ..

على أية حا.......

وداد : ( تقاطعه ) أعرف ؟!!

أنا لا أعرف شيئا دكتور .. صدقّني !

وائل : الله ما أجملك يا قطتي البيضاء .. دعك من هذا الآن ..

تعرفين أولا تعرفين .. ليس هذا بمهم الآن .. كيف تشربين القهوة .. حلوة أم مرة ؟

وداد : حلوة ..

وائل : غريب .. يبدو أننا غير متوافقين بالمرّة .

وداد : أنت تشربها مرّة ؟!

وائل : المرة ألذ ّ .. تعلمين ؟! لو كان لدي حنظل لغليته معها .

وداد : أنك تمزح دكتور !!

وائل : انها الحقيقة .

وداد : ما خاب ظني ..

أنك حقا رجل تعيس يستحق العطف و الحنان ..

تصور ! مع أن هذا لا يبدو عليك ؟!

وائل : ( بنبرة حزينة مدّعية ) ماذا أفعل ؟ هذا قدري و للرب حكمته .. لكني مؤمن بالله .. و لن أشكو

أمري لأحد ..

وداد : حتى لو كنت أنا ؟!

وائل : ( بأبتسامة خبيثة ) قلت لأحد .. و لم أقل لأحداهن !

( ثم يذهب ليجلب كوبي القهوة بينما تنشغل وداد بتملي المكان و التعرف عليه .. هنا نكتشف
أن ما ظهرت به علينا لأول وهلة ليس شخصيتها الحقيقية .. فهي قد لبست شخصية أخرى

للتعامل مع وائل .. فها هي تبدو عميقة التفكير شديدة الأنتباه و جادة في التعامل مع الأشياء ..

تفتح آلة التسجيل فتنبعث منها موسيقى رومانسية تصلح للقاء حُب بين رجل وامرأة .. بعد

فترة يعود وائل و يقدم كوب القهوة لها )

وائل :تفضلي .. القهوة الحلوة .. للحلوة وداد .

وداد : ( تعود الى شخصيتها المزيفة ) أوه .. ثانكيو دكتور .. هذا أطراء جميل منك .

وائل : ماذا ؟! أطراء !؟

هذا ليس أطراء وداد .. أنت حقيقة حلوة .

وداد : ( بعد رشفة من الكوب ) هه .. لم أسمع هذا منك من قبل ..

وائل : لم أكن جريئا بما فيه الكفاية .. و أنت تعرفين جو الكلية و علاقة الأستاذ بالتلميذة لا يسمح

بهذا.

وداد : لكن هذا يخالف الحقيقة !

وائل : أية حقيقة ؟!

وداد : دكتور ما هذا ؟! أنسيت ؟!

وائل : نسيت ماذا ؟!

وداد : أنك دائما تقول لنا ، الصراحة و الصدق أفضل سبيل للتعامل مع الناس و الأشياء و في كل

وقت ..

وائل : ما علاقة هذا بما نحن فيه ؟!

وداد : أنك تعرف اني حلوة .. فينبغي أن تقول لي ، انك حلوة ، حتى لو كان ذلك في الصف و أمام

الطلبة !

وائل : هكذا بهذه البساطة !!

وداد : وكيف لا دكتور ! أنك دائما تقول لنا ان للأنسان وجها ً واحدا ً.. و لسانا ً واحدا ً ..

وائل : ( يقاطعها ) المسألة لا تتحمل هذا التأويل .. أنها بسيطة جداً ، فلا تعقديها ..

وداد : بالعكس دكتور .. أنت تعرف كم أنا عفوية و بسيطة .. أنا الذي في قلبي على لساني ..

وائل : حقا !!

وداد : لا تهزأ بي دكتور ..

كن صريحا معي .

وائل : صريح حول ماذا ؟!

وداد : ألم تقل لي أنني حلوة ؟!

وائل : نعم قلت هذا !

وداد : أذن لماذا لا تصارحني ؟

وداد : ماذا تريدين ان تقولي بحق السماء !

وداد : أريد ان أعرف لماذا تكرهني ؟

وائل : ( مذهولا ) أنا !!

وداد : نعم أنت .. و دائما تهرب مني .. كلما أسالك في الصف أو أفاتحك بموضوع .. تسخر مني ..

ثم تنظر ألي بلا مبالاة مقيته .. مع أنك أحيانا تغمزني بشيء ما ..

و ها أنت اليوم تصرح لي بحبك و تقول لي ، أنك حلوة يا وداد .

وائل : أنا صرحت بحبي !!

وداد : نعم صرحت بحبك .. و الا ما معنى أن تقول لي ، انت حلوة .. و تقولها لي هنا في بيتك و مع

هذه الموسيقى .. و ها نحن الأثنين على أنفراد .. ماذا يريد الحب أكثر من هذا ؟!

وائل : ( مع نفسه ) و الآن ماذا ستقول يا وائل ..!!

( ثم يخاطب وداد بهدوء ) وداد ما هذا الذي تقولين .. أولا ً .. أنا لم أقل أني أحبك .. و ...

وداد : ( تقاطعه ) أذن أنت تكرهني يا وائل ( و تتصنع البكاء ) لماذا تكرهني ؟! ها !! لماذا !!

وائل : و لا أكرهك وداد .. أنا لم أقل شيئا من هذا .. كل ما في الأمر اني لا أنظر للمسألة من نفس

الزاوية التي تنظرين منها .. اني لا أجد حتى الآن علاقة بيننا تستدعي هكذا تعامل ..

وداد : ( وهي تدعي الأنفعال ) لا ترى علاقة ؟!

ما هذا يا دكتور .. لا ترى علاقة و تدعوني الى بيتك .. و تضرب موعد محدد و تؤكد على

أن آتي لوحدي .. هذا ما قلته بالضبط لي ، أمس في تلك الزاوية البعيدة .. أم أنك نسيت ...

و الآن تقول ليس من علاقة ؟! ( و يتضح حبثها )

يا لك من مغفلة يا وداد .. بماذا تبررين وجودك هنا ..

( و تجهش ببكاء خفيف )

وائل : وداد .. لا تحاولي محاصرتي بأمر ، هو في الواقع حصل برغبتك و ليس برغبتي .

وداد : للمرة الثانية ، تناقض كلامك الذي قلته لنا في الصف .

وائل : ماذا ؟! كيف ؟!

وداد : دكتور ألم تدعني الى هنا بنفسك ؟

وائل : نعم ..

وداد : وجئتُ أنا بالموعد ؟

وائل : نعم ؟

وداد : خلص ..

وائل : ما الذي خلص .. أي مأزق هذا يا ألهي .

وداد : ليس لله شأن فيما نحن فيه دكتور ..

ان الذي بيننا يعني شيئا آخر .. شيء غير علاقة الأستاذ بالتلميذة .. أليس كذلك ؟!

وائل : تقصدين ..أن هناك علاقة حب بيننا مثلا ؟!

وداد : ( تغير لهجتها ) هذا من جانبك ..

أما أنا .. فاني لم أفكر بهذا الموضوع أطلاقا .

وائل : وداد لا تلعبي بمشاعري .. ففي كل الأحوال أنا ما زلت أستاذك .

وداد : ( تدعي الغفلة مرة اخرى ) أنا دكتور !!!!

بالعكس أنا الذي في قلبي على لساني .. و أنت تعرف كم أنا عفوية و بسيطة !

وائل : كل هذا .. و .. عفوية و بسيطة .. اني أدرك الآن ما كنت غافلا عنه بالأمس .. لم لم أنتبه لك

طيلة كل تلك الفترة ..

غريب .. مع أن من طبيعتي الأنتباه الى الأذكياء و الأهتمام بهم ..

صحيح كنت أخشاك لهاجس ما في نفسي ، لكني لم أكن أتوقع أنك بهذا المستوى من الفطّنة .

وداد : ها أنت ترى كم ظلمتني يا دكتور .

وائل : ( يجاريها في اللعب ) عسى الله أن يمنحني الفرصة في القريب العاجل لرفع الحيف عنك يا

وداد ..

أني أعاهدك سيكون ذلك في المستقبل القريب ان شاء الله .

وداد : و كيف يا دكتور ؟!

وائل : سوف أهتم بك .. أهتماما خاصا ً.. و ستجدين نفسك تنالين أعلى الدرجات بين زملائك الطلبة .

وداد : ( وهي تعني ما تقول ) مقابل ماذا يا دكتور ؟!

وائل : نعم ؟؟!!

عفوا ً وداد .. أرجو أن لا يصل الأمر الى هذا الحد .. نحن ما زلنا أستاذ و تلميذته ..

أرجوك لا تدفعي الأمور بالأتجاه الذي يعجبك .

وداد : يعجبني دكتور وائل ؟!

وائل : طبعا ..انك تحاولين أن ..

( ثم يغير مجرى الحديث)


وداد .. يبدو أنك قد خبرت الحياة جيدا ً ( وبلغة الأساتذة )

لكن كثيراً من الأمور قد أختلطت عليك ..

انك أحيانا ً لا تعرفين بالضبط في أية مسألة تتكلمين .

وداد : ( بضحكة داعرة ) أهوه ...

لقد سمعت هذا كثيرا ً .. كثيرا ً جدا ً يا دكتور .

( يرن جرس بالهاتف فينهض وائل مسرعاً للخروج من هذا المأزق .. و يجيب على الهاتف و

هو يحاول أن لا تسمعه وداد )

وائل: ( على الهاتف ) نعم .. ( ثم بصوت خفيض ) أهلا سرى .. نعم .. هائنذا على وشك الخروج ..

أمر طاريء .. ما هو ؟!

وجدت قطة صغيرة في غرفة نومي .. كلا تحت السرير .. حتى الآن لم أستطع الأمساك بها ..

سأخرج حال الأمساك بها .. لم يبق الا القليل .. لو تعلمين ؟؟

لقد أخذت تلهث من التعب ..

صوتي خفيض ؟

أتعبتني مطاردة القطة يا عزيزيتي .. حسنا ً.. مع السلامة .

وداد : خطيبتك أليس كذلك ؟
وائل : كيف عرفت ؟!

وداد : لا شيء ..حدسي كان يقول لي ذلك ..ثم أنك كلّمتها بصوت لا أكاد أسمعه ..اذن هي خطيبتك .

وائل : الحقيقة أني في أشد الأسف وداد .

وداد : و لماذا الأسف ؟ هل حصل مكروه ؟

وائل : حصل أمر طاريء .. و ينبغي علي أن أخرج حالا ً .

وداد : مع هذا .. لا داعي للأسف دكتور .. نكمل حديثنا و أنا التي سأذهب ..

وائل : نكمل حديثنا !!؟؟

وداد : نعم حديثنا دكتور .. انك معتاد على حسم قضاياك العالقة !! أم انك نسيت؟! .

وائل : أي حديث وداد ؟!

وداد : الذي من أجله دعوتني الى بيتك .

وائل : وداد .. أنا اشكرك شكرا ً جزيلا ً لأنك لبيت دعوتي و سأكون ممتنا ً لو أتحت لي الفرصة

لزيارتك في بيتك .. مع أني لم أكن أحسب أن زيارتك ستكون على هذا النحو ..

كان بودي أن تتمتعي بوقتك هنا في ضيافتي لوقت أطول .. لكن ماذا أفعل .. أنت ترين الهاتف

.. و خطيبتي ...

وداد : على رسلك دكتور .. لن تنطلي علي هذه الخدعة .

وائل : أرجوك وداد .

وداد : بأي صفة ؟!

وداد : بصفة الحبيبة .. أنكر هذا أيضا ً !

وائل : أسمعيني جيدا ً وداد ..

وداد : نعم حبيبي ..
وائل : بلا حبيبي .. بلا بطيخ .. لقد كنت مخطئا ً عندما دعوتك الى البيت .. كنت أحسب أن

بأستطاعتي ...

وداد : ( تقاطعه ) و هل تظن أن الأمر بهذه السهولة دكتور .

وائل : أكاد أُُجن ..

أي أمر هو الذي بهذه السهولة يا وداد ؟!

وداد : من حقك أن تغضب ...

( الى نفسها ) ما كان عليك أن تكوني قاسية الى هذا الحد يا وداد ..

( بعد فترة)

دكتور تسمح لي بسؤال ..

وائل : ( بعد أن هدأت فورة غضبه ).. تفضلي .

وداد : هل يكفيك مرتبك في الجامعة ؟

وائل : كلا طبعا ً ..

وداد : لديك عملا ً آخر ؟

وائل : لابد من هذا ..

وداد : ماذا تعمل ؟

وائل : ماذا .. هل هو تحقيق ؟

وداد : كلا .. فقط أردت أن أعر ف .. هه .. ماذا تعمل ؟!

وائل : يعني .. أعمال حرة ..

وداد : كعملي مثلا ً ؟!

وائل : ( ساخرا ً فهو يعرف بالضبط ماذا تعمل! ) لم يبق الا هذا !

وائل : دعينا من هذا وداد !!

وداد : لماذا يا وائل !! لماذا !!؟؟

الطريق الذي قادك الى التجارة في السوق السوداء هو نفس الطريق الذي قادني الى التجارة السوداء التي أتعاطاها ..

نحن الأثنين نتعامل في الأسواق الحرام .

نبيع ضمائر و نشتري ذمم .. و نحن نعرف ذلك جيدا..

لماذا لا تعترف أنت بذلك ..

وائل : اني أمارس عملا ً شريفا ..

وداد : أين ؟؟!!

في الكلية أم في السوق السوداء .

وائل : لن يجديك هذا نفعا ً .. لن أبرئك .. و لن يبرئك جميع الناس ..

لماذا جئت الي يا عزيزتي اذا كان شعور التوبة يلح عليك هكذا ؟!

لست انا بالكاهن يا وداد !

وداد : لم تُخطيء .. انك أنت نفسك بحاجة الى كاهن يبرئك من الخطيئة .

وائل : وداد .. انتهى كل شيء .. و أرجوك تفضلي .

وداد : ( تعود الى غفلتها المتصنعة ).

ماهذا يا دكتور .. تزعل مني .. لقد جئت كما طلبت و قد هيأت كل مستلزمات الدعوة .. أنظر

.. ( تفتح حقيبتها و تستل منها كاسيت فديو ).

وائل : ماهذا ؟!

وداد : كاسيت فديو !! ماذا ؟! أول مرة تراه .. مع أن جهاز الفديو هاهو أمامي !!

وائل : أقصد ماذا به .. أي فلم فيه ؟

وداد : أوه دكتور .. لا تتعجل الأمور .. ستعرف كل شيء .. فقط أمنحني فرصة لأكمل كلامي ..

وائل : ( بانزعاج ) تفضلي ..

وداد : اي .. و كم تربح في الشهر ؟

وائل : مرة أخرى !

وائل : و كيف لا دكتور .. اني منذ الآن يجب أن أعرف عنك كل شيء .. دخلك .. مصادره .. لماذا أخترت السوق السوداء دون غيرها من الأسواق ..

وائل : ( لكي ينهي الحديث ) لأن الربح فيها أوفر .. ها ؟ هل أرتحت ألآن ؟!

وداد : و هل يصح ذلك ؟!.. أستاذ جامعي يعمل في السوق السوداء !!!!

وداد : أنا لم أقل عيب .. لكن ما السبب ؟!

وائل : ( بتهكم ) نفس السبب الذي يدعوك الى للعمل يا آنسة وداد .

وداد : عظيم .. هذا ما أردته بالضبط .

وائل : ما العظيم في ما قلته ؟!

وداد : لم يبق الا القليل و تكتمل سهرتنا.. والقليل الذي بقي هو أهم ما في سهرتنا ..عندك مشروب ؟؟

وائل : طبعا ً عندي يا قرين العين ..ماذا تشربين..ويسكي .. شمبانيا .. براندي أم أنك تفضلين البيرة ؟

وداد : لابد من الجرأة في مثل هذه الأمور .

وائل : هه ؟!..

وداد : ماذا تشربين يا وداد .. ماذا تشربين ؟!

( بعد لحظة ) .. عصير .

وائل : عصير ؟؟!!

وداد : أجل عصير ! ألا يوجد عصير ؟!

وائل : لا طبعا ً .. يوجد ..

طيب .. عصير .. عصير .. ( يذهب ليجلب العصير بينما تضع وداد كاسيت الفديو في الجهاز

و تهيئه للتشغيل دون أن تفتح الزر.. و بعد لحظات يعود وائل حاملا كأسي عصير ).

وائل : تفضلي هذا العصير ... لنرَ ماذا بعد ذلك .

ودادا : ها ماذا قلت ؟!

وائل : لاشيء .. لاشيء .

وداد : أنت أيضا ً تشرب العصير .. انك جريء مثلي ..

وائل : ليس من اللياقة أن أشرب شيئا ً آخر و أنت تشربين العصير .

وداد : تتكلم عن اللياقة دكتور .. هذا جميل منك .. الحقيقة أنك دائما تغريني بكلامك .. حتى أنك

تشجعني على قبول الفكرة التي تلحُّ عليّ .

وائل : ماذا تريدين بالضبط ؟!

وداد : أريد حسم القضية المعلقة بيننا .

وائل : ليس هناك من قضية غير تلك التي في دماغك و من صنع خيالك و أواهامك ..

وداد : أوهامي دكتور وائل التي تسخر منها الآن .. أنت مسؤول عنها ..

لم تكن لدي أوهام قبل أن أعرفك .. أنت الذي زرعها في رأسي .. من أحاديثك أنت

..محاضراتك في الشرف و الفضيلة والمثل العليا .. من هذا كله بنيت أوهامي .. بنيتها وهما ً

فوق وهم .. من محاضراتك أنت .. عشت أياما ً بلياليها في صراع مرير مع نفسي .. صراع

أسود .. لم أكن أعرف الحزن .. و لم تتسلل الكآبة يوما الى نفسي ... لكن مذ عرفتك وجدت

نفسي في بحر من الهوس و القلق و الضياع .. فتاة عارية مثل كلبة سائبة في شوارع التيه ..

و كان لابد من التحدي ..كان لابد لي أن اتحدى نفسي.. فأبتدأت بها .. و لأني جُبلت من طين

السواقي النظيفة ،وجدت في نفسي ثمة أملاً للخلاص .. شجرة الأمل هذه أزهرت في روحي
.. كان لابد لي من التشبث بها .. ليس لشيء ..فقط لأعيش .. أليس من حقي أن أعيش ؟!

و أخذت أنتشل خطاياي من قاع روحي .. الواحدة تلو الأخرى ..

كان لابد لي أن أنظف روحي أولا .. فأنا الى يوم قريب كنت أحسب نفسي أني الخاطئة

الوحيدة على وجه الأرض .. أما اليوم ، فلقد تغير الأمر كثيراً يا وائل .. اليوم هدّمت

أوهامي و مسحت عذاباتي .. وجئتك كأمنا حواء .. أمرأة مثل ماء .. هل أنا أمرأة من ماء

؟! ( تنتحب )

وائل : ( يحاول تهدئتها ) وداد .. أرجوك يا وداد .. يا عيني .. الحياة ليست كلاما ً و حسب .. ان ما

أقوله في الصف يا عزيزتي ليس بالضرورة يمثل سلوكي في الحياة ..

وداد : ( بحرقة ) لماذا ؟؟ لماذا ؟؟ ( باكية ).

وائل : لأن ذاك الكلام مكرّس لكم ما دمتم طلبة ..

وداد : ( ساخرة ) و بعد التخرج ؟!

وائل : ستعلمكم الحياة كلاما ً آخر ..

هكذا هي الحياة .. أنا مثلك يا عزيزيتي عندما كنت طالبا ً .. كنت أسمع نفس الكلام الذي

تسمعينه مني الآن ، من أستاذي .. و بعد أن تخرجت و أدرت كرسيي من الجنوب الى الشمال

.. من طالب الى أستاذ .. كان لابد لي من الأستمرار بنفس اللعبة التي لعبها أستاذي من قبل و

لعبها من قبله استاذه .. و ستعلبها بعدنا أجيال و أجيال الى يوم يبعثون .. هكذا هي الحياة يا

آنسة وداد ...

اننا ببساطة حفاة نمشي على هشيم من البلور و الشاطر فينا من لا يجرح قديمه ..

وداد : لكن هشيم البلور ذاك .. هو أنسانيتنا ..هو ضميرنا الذي هوينا عليه بفؤوس الرخص و الأنانية

فأحلناه الى هشيما ً .. هو درّة وجودنا و حقيقتنا الخالدة التي نباهي بها الكائنات .. لماذا اذن

بعنا أنفسنا للّذة العابرة ؟؟

لماذا ؟؟ أجبني ؟؟

يا ألهي .. من ذا الذي سيقود قدمي لأدوس بهما هشيم البلورهذا .. فلعلي أطّهر روحي

بنزيف الدم .. مَن ؟؟

وائل : يا لله .. دعك من هذا يا وداد .. دعك من هذا الآن .. خذي الأمور على سجيتها يا وداد .. كوني

سهلة و بسيطة و متسامحة .. أنني أنا أستاذك أسمعي كلامي و خذيه عبرة مني ..

وداد : أي كلام هذا .. كلام الصف أم كلام الحياة ..؟!

وائل : ( ضاحكا ) يا لك من لماحة ذكية .. أختاري أنت ما شئت يا قطتي البيضاء الحزينة .. فقط

دعينا نعيش لحظتنا ..

وداد : تفضل يا دكتور .. تكلم .. أنا منذ زمن أحلم بهذه اللحظة ..

الله . أنا و انت في صالون بيتك الجميل ..

متقابلان هكذا ..مثلما نحن الآن تماما .. نشرب عصير البرتقال رشفة رشفة .. و موسيقى

تنبض من الجدران .. و جو يوحي بالشاعرية .. و كلام مثل العسل .. الله .. الله ..

و الذي بيننا اعظم من ان يقال .. الله ما أجمله .

وائل : وداد .. لا تبتعدي عن الموضوع ..

وداد : أنا فيه يا دكتور .. صدقني و الله أكاد أغرق فيه .. انك لا تتصور كم أنا معجبة بك .. و كم

بنيت أحلاما وردية من أجلك .. حتى أني عندما ألمحك من بعيد .. تكاد الدنيا لا تلّمني ..

فأروح أسبح في عالم الأحلام .. كل يوم تجدني أرسم حلما ً يختلف عن الآخر .. مرة أنا و

أنت في أرض فسيحة خضراء .. و مرة في ساحل البحر عند الغروب .. و مرة في السماء عند

أنبلاج الفجر أنا و أنت نطير مثل حمامتين ..و مرة هنا في صالون بيتك هذا .. مثلما كنت أحلم

تماما .. هل أنا في حلم الآن !!

وائل : يبدو أنك منتبهة جيدا لمحاضراتي !

وداد : تصور ! .. و مع هذا أنال أعلى الدرجات في دروسك .

وائل : ( و قد أدرك ما تعني ) وداد .. تنالين أعلى الدرجات لآن أجوبتك في الأمتحانات صحيحة .

وداد : لا يا وائل أنك تكذب .. ليست هذه الحقيقة .

وائل : ( بتحدي ) و ما هي الحقيقة.. آنسة وداد؟! .

وداد : الحقيقة أنك تستدرجني لمصديتك .. مثلما أستدرجت غيري ..تغريني بالنجاح من جهة و تصد

عني كلما كلمتك من جهة أخرى .. انك باسلوبك هذا يا دكتور تروض أشرس النمور .

وائل : أنت التي جئت بقدميك الى البيت .. كان بامكانك أن ترفضي .

وداد : طبعا .. من السهل جدا أن أرفض .. لكن رفضي سوف لن يغير اتجاه كرسيي من الجنوب الى

الشمال .. ستبقى أنت في كرسي الأستاذ و سأبقى أنا في كرسي التلميذ .. التلميذ الذي عليه

أن يسمع و يسمع فقط .. و الا سوف لن يجد كرسيا على الأطلاق .. كرسي الأستاذية يا

أستاذ .. جبروت .. جبروت لا يقل شأنا عن جبروت المال أو الجاه أو السلطة .. جبروت

مصنوع ببراعة من كلمات منمقة و معارف زاخرة و عوينات و حقيبة و قليل من الخبث

يكفي ..لا تعجب .. هذا بعض من أحاديثك الينا .. أم أنك تريد أن أكمل كل أحاديثك .. حسن

.. بأمكاني أن أجرد لك كم من الفتيات و الفتيان كانوا ضحية كرسي الشمال الذي تربعت

عليه كأنك سلطان زمانك .

وائل : ( غاضباً ) يكفي .. الى هنا يكفي .. و تفضلي .. مع السلامة .

وداد : ( تعود الى لهجتها المتصنعة ) حبيبي وائل .. ما هذا .. تغضب مرة أخرى .. يا عيني عليك

عندما تغضب .. كانك طفل صغير .. يا عيني .. لا تدري كم أحب الرجل عندما يصير طفلاً

.. بخاصة .. عندما يكون الطفل دكتورا ً و أستاذاً جامعياً .

وائل : ( بغضب مكتوم ) وداد .. أرجوك لا تتجاوزي حدودك .. أعتبري كل شيء بيننا قد أنتهى ..

أذهبي ..

وداد : ليس هذا في صالحك .. أما اذا ما عرفت أن حديث البارحة في تلك الزاوية البعيدة .. كله قد تم

تسجيله على هذا الشريط ( تستل شريطا ً صوتيا ً من حقيبتها ) فأنك سوف لن تغضب بعد

الآن ..

( و تستمر وداد بلهجتها الباردة فيما يدهش وائل لما يرى غير مصدق )

أما اذا غلبك انفعالك و بقيت هكذا غاضباً .. فأنك ستضطرني الى أن أسلُم الشريط الى من

يرغب بسماعه .. ها .. دكتور ؟! سكّت !! ليس في صالحك أن أخرج من بيتك و أنا غاضبة

.. أحذر ..

وائل : ( و هو لا يدري ماذا يقول ) وداد أنت لس طبيعية .. لس طبيعية أبدا ً.

وداد : ربما .. و الا ماذا تقول .. لكن بحق السماء يا وائل .. ماهو الطبيعي .. و ما هو اللاطبيعي ..؟!

علماء النفس لم يحسموا هذه المسألة حتى الآن ..( تغير لهجتها و تعود وداد المتصنعة اللعوب)

لكن ألا ترى أن هذا متعب لنا دكتور .. دعنا بالمهم .. أنت دعوتني الى هنا لماذا .؟! ها !؟

وائل : ( مذهولا ً )ها ..!! وداد أعتبري الدعوة منتهية .. و أذا سمحت .. هات الشريط .؟

وداد : دكتور وائل .. دعنا بالمهم أقول لك .. صدقني أنا لا أضمر لك السوء .. بالعكس .. أني أحبك

.. و أريد لك كل الخير .. لكني أجد من الضروري أن نجد حلاً لمشكلتنا ..

وائل : و ماهي المشكلة بنظرك وداد ؟

وداد : المشكلة ببساطة .. أنك أستاذي .. ثري و رجل فاضل .. لكنك ترفل بالخطيئة .. وأنا تلميذتك

الفقيرة البائسة أرفل بالخطيئة أيضا .. , ..

وائل : ( يقاطعها ) كم تطلبين ؟

وداد : المسألة ليست على هذا النحو .. أنا لا أشحذ منك دكتور .. أسمعني جيداً .. لقد جئت الى هنا

لأنقذك من ورطة كبيرة أنت فيها .

وائل : ورطة ؟! أية ورطة ؟!

وداد : أنا يا دكتور .. أنا أكبر ورطة بالنسبة أليك .. يكفي أن تعرف أنك غير مخّير .. أنك الآن في

قبضة يدي ، فكيف ستفلّت منها ..

أسمع يا وائل .. كلانا مخطئان .. و رغم أنك ما زلت فوق .. و أنا مازلت تحت .. لكن

الخطيئة هي أيضا ساحة للقاء .. بل هي أنسب ساحة للقائنا .

وائل : من قال هذا ؟ من قال هذا ؟

وداد : أنت الذي قلته .. ألم تقل أن الفضيلة أنسب ساحة للقاء الأفاضل ..

أعكس المعادلة .. ستجدني غير مخطئة .. ما هذا يا دكتور .. أنت أستاذي .. و ما أنا ألا طفلة

صغيرة في مدرسة الخطيئة التي أنت عميدها ..

( بجد مشوب بالسخرية ) دعني يا أستاذي الجليل .. دعني أنهل من علومك .. و أني أتذرع

الى الشيطان أن يطيل في عمرك ..فماذا عسانا أن نفعل نحن تلامذتك الصغار بدونك .. ماذا

عسانا أن نلقى في دروب الدنيا و متاهاتها دون بركاتك .. انك يا أستاذي العزيز .. شجرة

الخطيئة الوارفة الظلال .. فدعنا نحن الصغار المساكين نتفيأ بظلك .. لكن قل لي .. ما

الخطيئة ؟؟

( و تغير لهجتها الى الجد ) هل الخطيئة أن تنتقل وداد من بيت الى بيت و من رصيف الى

رصيف و من رجل الى رجل .. أم أن ينتقل وائل من أمراة الى أخرى ..؟

هل الخطيئة أن يتاجر أستاذ جامعي في السوق السوداء ..؟!

قل لي .. هل اللذة العابرة خطيئة !؟.. كم كم المتزوجين خاطئين .. و كم من العزاب

خاطئين؟! .. كم من الأساتذة خاطئين .. و كم من الطلبة خاطئين .. كم من الشيوخ .. كم من

الشباب .. من النساء .. كم منهم خاطيء ؟!!.. كم ..؟!

قُل لي ما الخطيئة يا أستاذ .. قُل ؟؟

( و بعد فترة صمت مشحون بالتوتر ) أنت نفسك لا تعرف ما الخطيئة .

وائل : ( بعد تأمل عميق ) نعم أنا نفسي لا أعرف ..

وداد : و أذن .. بأي حق أعتليت كرسي القضاة .. و صرت تتحكم في مصائرنا ؟؟ .. من أباح لك هذا

الحق في أن تكون فيصلاً بين الصح و بين الخطأ ؟؟ ..هل هو تفويض من السماء و حق ألهي

آخر ؟؟

أنك يا سيدي الحكم و اللاعب في ملعب الخطيئة .. و لن أخطيء أن قلت .. أنت الخطيئة بكل

عنفوانها الباذح ..

وائل : اني أجزم .. أنك قد صرعت الكثيرين قبلي .. و ها أنت تحاولين أن تلعبي اللعبة نفسها معي ..

لكن هيهات .. وائل ليس كغيره من الرجال .. قولي لي .. كم رجل وقع في مصيدتك ؟

وداد : كثيرون .. و أني أباهي و أفخر بذلك و أنا في حضرتك أستاذي العزيز .. لكن قل لي .. كم فتاة

أصطدت قبلي ؟؟

وائل : كثيرات أيضا يا وداد .. حسناً .. ها نحن نلعب بالورق المكشوف و لنرَ من سيصل خط النهاية

قبل خصمه .

وداد : في مباراتنا هذه ..أعتقد أن الفوز و الخسارة ستكون من نصيبنا نحن الأثنين معا ً.

وائل : و كيف يكون ذلك .. في كل مباراة هناك فائز و هناك خاسر !!

وداد : الا مباراتنا هذه .. فأما أن نفوز كلينا أو نخسر كلينا .. أم أن الأمر قد صعب تفسيره عليك يا

أستاذ ؟!

وائل : أكاد لا أفهمك .. أنك ذكية الى حد لا أستطيع فيه مجاراة ذكائك أنك تلخصين خبث النساء

جميعهن في هذا الراس .

وداد : و خبث الرجال أيضا دكتور وائل ..

أرجو أن لا تنسى محاضراتك المسهبة لنا نحن طلبتك المغفلين ..

هل تذكر ما قلته عن الذكاء و الخبث .. أنا التي سأذكرك به تفصيلا ..

وائل : أرجوك يا آنسة وداد .. الأمر لا يحتمل هذا التعقيد ..

بودي أن أسالك نحن هنا من أجل ماذا ؟؟!!

وداد : حقا من أجل ماذا ؟؟

طبعا بأمكانك أنت، أن تجيب على ذلك بسهولة فأنت صاحب الدعوة ..( و فيما يمتعض وائل)

و لأقل لك .. نحن الأثنين صاحبا الدعوة .. ها أنت ترى أني تنازلت ، نزولاً عند رغبتك و

توافقا ًمع منطقك في اللعب كي لاأجرح كبريائك .. تفضل بأمكانك أن تُجيب ..

وائل : ( مبتسما ً) وداد .. ألا ترين أن الحياة أبسط بكثير مما نحن فيه .. اني أعترف لك أنك لست

كغيرك من القطط المغمضة اللواتي دعوتهن الى هذا البيت .. لكن صدقيني يا آنسة وداد .. أنا

لم أستعمل القوة أو الأكراه يوماً على أحد .. ما زلت أؤمن أن ما من شيء أناله الا ذاك الذي

أستحقه فعلاً ، و هو يأتيني في العادة على صدق نيتي و حسن سجيتي .

وداد : حتى و أن كنت أنا .. هذا الشيء ؟!

وائل : أنت .. أنت ما زلت حتى اللحظة لغز محير لي .. ربما أستحقك و ربما لا ..

وداد : وائل .. أنا أحدى ضحاياك .. أنا أحدى قططك المغمضة لكن هناك فارقاً واحداً بيني و بين

سواي .. هو أني قد فتحت عيني أخيرا ..و رغم ذلك .. ما زلت قطة تموء عند قدميك ..

وائل : على فكرة .. أجمل لك أن تبقي مسدلة الجفنين .

وداد : ( تغمض عينيها ) هكذا ؟!

وائل : و الله .. اني أراك أجمل هكذا .

وداد : ( وهي ما زالت مغمضة العينين ) ها أنت تعزف لحنك المغري على أضعف وتر لدى النساء

.. الجمال ...

وائل : و هل هناك أحلى من أنغام هذا الوتر يا قطتي البيضاء .

وداد : ( تفتح عينيها و هي لم تزل في خدرها اللذيذ ) غاب عن ذهنك يا أستاذي العزيز .. مُذ خلقت

أمنا حواء من ضلع آدم .. كان الجمال سلاحاً قاهرا ًبيد المرأة لو أحسنت أستخدامه ..

وائل : و هل أحسنتِ أستخدامه أنتِ ؟

وداد : بالطبع .. والا كيف أوقعت فرائسي في المصيدة .. أني لا أملك غيره .. ليس لدي المال أو
الجاه أو المنصب أو النسب .. و لا حتى كرسي الأستاذ ..

ها .. ما الذي تبقى لك الآن ؟!

وائل : لا يا وداد .. ما زال الكثير .. الكثير لدي .. لكني و بالحق أقسم .. أني قد أعجبت بمنطقك و

حلاوة لسانك .. أنك تتمتعين بذهن متقد و ببصيرة ثاقبة .

وداد : و ماذا بعد ؟

وائل : و بجمال أخاذ ..

وداد : لا يا وائل .. ورقة الجمال أحترقت .. أنظر ها هي .. ورقة فاسدة لا روح فيها ..

وائل : و ما وراء الجمال و ما بعده .. هل فسد هو أيضاً .!؟

وداد : ماذا تريد أن تقول يا وائل ..؟!

وائل : الذي تريدين أن تقوليه أنت .. الذي نريد أن نقوله .. نحن الأثنين معا ً.. الذي منذ ساعة ندور

حوله ..

نحن يا وداد مثلما العطاشى .. ندور حول نبع الماء ، لكننا نخشى أن نروي ظمأنا منه خشية

أن نتسمم .. و لماذا نتسمم ؟! نحن لا ندري ان كان نبع مسموماً أم لا .. فقط لأن أحدهم

أخبرنا .. أن هذا النبع مسموم..

ربما أخطأ هذا الأحدهم .. ربما هو عاجز حتى أن يتشهى

الماء !!

وداد : ( وهي لم تزل في خدرها و أئتلاق شهوتها ) و هل تتشهى الماء أنت كما أنا .؟!

وائل: بودي لو أغرق فيه .. الماء يتدفق زلالاً من نبعك. . يا أثرى نبع ..

وداد : ما زال النصر بعيدا عنك يا آدم .. فهناك في يد حواء تفاحات أخر ..

وائل : عن أي تفاح تتكلمين يا وداد و من وجنتيك يفوح أزكى عطر .. و أشهى تفاح ..

وداد : هل حقا ما تقول ؟

وائل : قسما بآدم و حواء .

وداد : وائل !!!...

وائل : عيون وائل ..

وداد : و لكن ليس الآن .

وائل : ولماذا يا معبودتي .. الآن أجمل .

وداد : ليس قبل أن تقسم لي .

وائل : سأقسم لك بشفتي ..

وداد : أريده بقلبك و لسانك .. هل صحيح ما قلته الآن ؟

وائل : طبعا ً صحيح يا حلوتي .. صحيح مئة بالمئة .

وداد : ( بفرح ) صحيح وائل ..

و متى سيكون الزفاف ؟؟

وائل : ( مصعوقا ً) عن أي زفاف تتكلمين ؟

وداد : ( مندهشة ) زفافي أليك !!

وائل : يا الله .. ها نحن نعود الى الحديث السقيم !

وداد : ( ببرود ) هل رأيت .. هذه ورقة أخرى تحترق ..

وائل : ( غاضبا ً) أوراق .. أوراق .. أوراق ..

وداد ماذا دهاك .. هل انت أمراة .. من أين طينة جُبلتِ .. ألست أنثى .. أم أن ثقافتك قد

أطفأت فيك جمرة الأنثى .. وداد لم تطفيء فيّ ثقافتي جمرة الرجل .. فما عساك أنت ؟!

أنت رغم حسن مظهرك و لباقتك .. أجزم .. أنك لست بأنثى .. اني أُحادث رجلا ً منذ ساعة

.. لا ليس برجل .. أنما أحادث عجوزا ً خرقاء لا حياة فيها ..

أسمعي وداد ..أذا بقيت على ما أنت عليه .. فأنا على يقين أنك سوف لن تجدي أسمك على

لسان رجل أبدا ً..

وداد : ( تبكي بأنفعال ) كفى .. كفى .. كفى .. ما الذي تريده مني .. ما الذي تريده أكثر من هذا .. و

ماذا اعطيت أنت .. أنك رجل أناني غشاش .. أنك ..

لا استطيع .. لا استطيع .. ( تقوم لتغادر .. لكنها تتوقف و تعود ثانية )

لكن لا لن أغادر .. يكفي ان أكون هنا بحضور خطيبتك .. أم أنك تجدني مغفلة ..

لا.. لا.. ان احترقت فسوف أحرق العالم معي .. أنا أيضا لي الحق في الحياة ..

وائل : ( ضاحكا ً بتشفي ) يا لبؤسك و شقائك .. أنظروا هاهي حواء ايها السادة .. جاءت اليوم لتثأر

لبنات جنسها من آدم .. ( ساخرا ً) لكني لست آدم !! أنا وائل .. أنا وائل يا وداد .. و هذه

الحلبة ما زالت أمامك .. ربما تخسرين جولة .. لكن النزال ما زال مستمرا ً .. و أنا رجل

شريف ، سوف لن أسمح لأحد المشاهدين أن يتدخل .. و لذا أود أن أطمئنك ، أن خطيبتي

سوف لن تأتي اليوم .

وداد : لم تجافِ الحقيقة يا دكتور .. النزال مازال مستمرا ً.. لكن المشاهدين سيتدخلون هذه المرة ..

وائل : و كيف يكون ذلك و أنا أراهم و اجمين ..صاغرين و قد شنّفوا أسماعهم ..

هناك أحدهم في تلك الزاوية يضحك !! لا أدري لماذا !!

أنظري عيونهم .. أنها تحدق فيك .. أنهم ينتظرون سقوط الضحية .. كي يصفقوا للجلاد ..

وداد : خطيبتك ستأتي يا دكتور .. و ستشهد مهزلة آدم التي ستكون مأساة كبرى لوائل .

وائل : ( ضاحكا ) ها .. ها .. ها .. من حقك أن تقولي هذا .. يا لغفلتك .. أنك لم تسمعي ما جرى

بيني و بينها على الهاتف .

وداد : كنت قد سمعته منذ البارحة .

وائل : ماذا تقولين ؟!

وداد : طبعا .. و كيف لم أسمعه و أنا التي قلته .. ( وائل مندهشا ً )

نعم دكتور وائل .. أنا التي أبلغت خطيبتك بكل شيء .. و هي لم تتصل بك الا بطلب مني ..

لا تعجب .. ما زال النزال مستمرا ً .

وائل : يا الهي .. يا الهي .. ماذا أفعل .. أسمعي .. ان لم تخرجي الآن فسأتصل بالشرطة و سيكون

يومك أسودا ً.

وداد : مهلا دكتور وائل .. ليس من الحكمة أن تستدعي الشرطة لأمراة ضعيفة .. مسكينة مثلي ..

ماذا ستقول لندمائك على طاولتك المسائية .. هه ؟!

أستدعيت لها الشرطة حتى خرجت من البيت .. يا لطفلي المسكين الضعيف .. هل أعيّتك

الحيلة يا وائل .. كيف .. و أنت دون جوان عصرك .. و فحل زمانك .. كيف.. كيف يكون

ذلك ..

وائل : أسكتي .. اسكتي .. شيطان .. أنت شيطان .. أنت لست عجوزا خرقاء فقط .. أنت شيطان

أيضا ً.

وداد : نحن في عصر الكومبيوتر دكتور وائل .. ما هذا التخريف ..؟!

وائل : أسكتي .. ( يهجم عليها لكنها تفلت منه بلباقة و هي تشهر بوجهه الشريط الصوتي مهددة به )

وداد : لن تمسني ..

ليست هذه النسحة الوحيدة منه .. هناك نسختان في البريد .. واحدة لخطيبتك و أخرى لعمادة

الجامعة .. ستصل في الوقت المناسب و هناك من يوصلها ان لم أعد خلال ساعات .. سأجعلك

ترفل بالفضيحة .

وائل : ( واجما ً مندهشا ً .. تمور في داخله أعاصير من الغضب .. لكنه و لكم حاول أن ينطق و لو

بكلمة .. فلم يفلح .. ثم يدفن وجهه في راحتي كفيه و يروح باكيا ً)

وداد : يا عيني .. تبكي .. يا طفلي الصغير المدلل .. يكفي .. يكفي هذا ..

و الآن قل لي .. هل تحبها الى هذا الحد يا أستاذي العزيز ؟

وائل : أجل ..

وداد : و هل تخاف أن تفقدها .. لماذا يكون الخوف قرينا ً للحب ؟!

أجبني يا وائل ؟

أذكر أني قد سألتك ذات السؤال يوما في الصف .. و لكنك سخرت مني .. هل تذكر .. تذكر ما

قلته لي ، لقد قلت لي ساخرا ً: بامكان جميع الناس أن يحبوا.. لكن الخوف حصة الخائفين فقط

يا وداد .. و كأنك تقول لي : أنا اشجع من عنترة يا وداد ..

وائل : كفى .. كفى يا وداد .. كفى برك .. أنا لا أطيقك .. أني اكرهك .. أكرهك .

وداد : لكني أحبك .. أحبك يا وائل .. و سوف لن أتنازل عن حبي لك قدر ما حييت .

وائل : أنك لا تُحبيني أنا .. لا تُحبيني أنا .. أنك تحبين في الدكتور .. الأستاذ الجامعي .. تُحبين في

المنصب و المركز الأجتماعي و الثراء .. تُحبين فيَّ كل ما يغري حواء في هذا الزمان ..

السيارة و الجاه و البيت الفخم ..

لقد سال لعابك كما يسيل لعابكّن في كل زمان ..

و ماذا بعد .. لا شيء .. لا شيء .

وداد : وأنت ماذا تريد من خطيبتك .. الفضيلة و المثل العليا و النبل و النقاء !!!!؟؟

لم تعد تغريني هذه الكلمات الجوفاء الرنانة .. كلمات تصبها في آذاننا كالرصاص المذاب كل

صباح ..

أنك لا تدري كم كان أحساسي رهيبا ً عندما وضعت يدي على حقيقتك .. يوم أكتشفت زيفك و

ريائك .. يومها يا وائل .. و يومها فقط منيت نفسي بالأمل .. و قلت لعل الرب يغفر لي

خطاياي .. و أخذت أبصر بوضوح .. أنا التي كنت أخال نفسي الخاطئة الوحيدة في هذا الكون

.. و كنت أحسبك المثال المنزّل من السماء .. و شوكة الشرف التي طالما و خزت ضميري ..

هل تعلم ماذا أصابني يومها ..

لم تصبني الدهشة كما الناس العاديين .. لا .. لقد أرتجفت و أهتزت جميع أوصالي .. و

تملكتني رعشة كتلك التي تتملك الأنبياء ..

في تلك اللحظة .. غاب الوعي عني .. و أخذتني سنة من النوم .. و لكني لأول مرة لم أحلم

في المنام ..

( ثم في أنتقالة من الجد الى الهزل )

دكتور ما تفسير هذا ؟؟!!

وائل : يا الهي .. أرجوك وداد ( فيما وداد ضاحكة ) ..أرجوك قولي لي ماذا تريدين مني .. هل دفعك

أحدهم الي .. ماذا تريدين مني ؟؟!!

وداد : قل ماذا تريد أنت من خطيبتك .. هل الزواج فقط ؟

أم انك تريد أن تتزوج أملاك ابيها .. مع أني أرجح الأحتمال الثاني .

وائل : لا هذا و لا ذاك .. هل علي أن أتزوج من فتاة فقيرة كي أرضيك .؟!

وداد : و من أنا حتى ترضيني .. أنا فقط أردت أن أتاكد ..

وائل : ( بتصميم ) وداد .. أني أحب خطيبتي و أريد الزواج منها .. و أذا كانت أبنة رجل ثري فليس

في الأمر عيب أو خطأ ..

وداد : ( هازئة ) أبدا ً دكتور وائل .. ما من خطأ في ذلك .. ( و بجد ) لكن العيب فيه عندما تكتشف

أن خطيبتك شريكتي في غزواتي الرجالية ..

وائل : وداد !!

وداد : أجل يا وائل .. ماذا كنت تظن أذن !

ثم أليس من العيب أن تريد هذا الأمر لنفسك بل و تفخر به كل مساء أمام أصحابك .. و تجده

من الكبائر على خطيبتك .. لماذا يا وائل .. ما هذه الأنانية يا عزيزي .

وائل : وداد .. هل صحيح ما تقولين ؟!

وداد : و لدي الدليل القاطع ..

ثم لماذا تندهش .. هذا أمر بديهي .. أنك دائما كنت تقول لنا .. المال مفسد للمدركين .. فكيف

اذا كان بيد المغفلين .. و أعتقد أن خطيبتك مغفلة .. هذا باعترافك أنت .. ألم تقل أنها فاضلة و

نقية و نبيلة .. أليست هذه صفات المغفلين دكتور وائل .. أم أني على خطأ ؟!
انك بالطبع لا تستطيع نكران ذلك .. هذا ما قلته لنا في الصف .. و لا أخفيك سرا ً أن قلت

لك .. أني قد أخذت قولك هذا رأس مالا ً لي في جميع غزواتي ..لا لشيء .. فقط لكي أثبت

لنفسي أني مدركة و ذكية .. و لست مغفلة .

وائل : و بهذه الطريقة تبررين خطيئتك .

وداد : طيب .. أنا بهذا أبرر خطيئتي .. وأنت بماذا تبررها أستاذ ؟؟

وائل : وداد .. كفي عن مناوراتك السخيفة هذه .. أنك تقولين هذا بدافع الغيرة .

وداد : حسنا ..( تستل صورة فوتغرافية من حقيبتها )

صورة واحدة تكفي .. ( الصورة تؤكد كلامها عن خطيبة وائل الذي فتح فاهه مندهشا لما يرى

في الصورة )

وائل : ( مذهولا ً) ما هذا بحق الشيطان !! دائرة تحقيقات أنت أم ماذا ؟!

وداد : ما هذا الأطراء دكتور وائل .. أمر بسيط جداً .. أنها عدّة الشغل .. ألم تستخدم الصور مرة في

غزواتك ..

لا تخفي علي نباهتك .. فأنت أستاذي في جميع الأحوال .

وائل : ( بعد فترة صمت و ذهول يكون للموسيقى أثر بالغ فيها )

وداد .... هل هناك ورقة لم تحترق حتى الآن .. ؟

وداد : لم تبق سوى ورقة التوت يا وائل .. و سنخط على سطورها أنا و أنت ...

نحن الأثنين خاطئين يا وائل .. و نستحق الرجم بالحجارة .. لا المجد كما أردت أن توحي لنا

بمحاضراتك السقيمة ..

لكننا على ما يبدو نستحق الحياة .. أليس كذلك .

وائل : حسنا ماذا تطلبين ؟

وداد : هل هدأت فعلا ؟!
ان هذه المسالة بحاجة الى الهدوء و التروي باتخاذ القرار .

وائل :( غاضبا ً) قولي ماذا عندك ؟!

وداد : أوي .. ما هذا ؟! لقد أفزعتني .. ( ضاحكة .. ثم بجد ) حسنا ً ..

وائل ليس أمامك سوى خيارين لا ثالث لهما .

وائل : ( مستسلما ً) ما هما ؟

وداد : أما أن تطرد من الجامعة .. و تضيع في دروب الندم .. أو ...

تتزوجني ...

وائل : ( لم يفاجئ .. أنما هو مجبر على الخيار الثاني )

أتزوجك .

وداد : ( تهتف ) طوبى للخطيئة .. طوبى لنا .

( يرن جرس الباب )

وداد : خطيبتك .

وائل : التي كانت ...

وداد : و الآن حان وقت الفديو ..

( و بين ترقب و ائل و الجمهور لما سوف يطلع عليهم على شاشة التلفزيون ، وداد تضغط

على زر التشغيل في جهاز الفديو ...

وأذا به فلم كارتون توم و جيري .. يفضل أن تعرض مشاهد ضاحكة من مقالب الفأرة للقط

.. يضحكان بفعل المفاجأة و تضمحل الأضاءة مع ضحكهما المتصاعد فيما يستمر التلفزيون

بالعرض الى حين ......و ينتهي العرض )

- أظلام -
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أحمد الصالح \ بغداد حزيران 1987

ahmad_alsaleh58@yahoo.com



Wednesday, September 24, 2008


الصعود الى الجنة


ترجمة / أحمد الصالح

* رجل يخطط لبناء مصعد فوق الكرة الأرضية بكلفة 10 بليون دولار أمريكي .

* المصعد يستخدم كيبل بطول 62.000 ميل و سيتم تشغيله في سنة 2019 .

واشنطن- كاريل هارتمان
عن جريدة" ذا تنسين" الأمريكية

الرئيس الأمريكي "جورج دبل يو بوش" يرغب بالعودة الى القمر و يرغب أيضاً بأن يخطو الأنسان بقدميه على سطح المريخ للمرة الأولى ..أما العالم " برادلي س . إدوارد " فهو لديه فكرة أخرى، تُعد حقيقة خارج المألوف .
الفكرة ببساطة هي :مصعد يتسلق الفضاء بأرتفاع 62 ألف ميل . و العالم " إدوارد" يعتقد أن فكرته يمكن تحقيقها قبل سنة من العام 2020 الذي افترضه الرئيس "بوش" عام رجوع الأنسان الى القمر ، كما انه يقدر كلفة مشروعه بمبلغ 10 بليون دولار أمريكي ، و هي كلفة متواضعة نسبيا مقارنة بأية تجربة فضائية اخرى . يقول ادوارد : " انها ليست تجربة فيزيائية جديدة ، لا شيء جديد يستدعي اكتشافه ولا شيء يستدعي اختراعه "، و يضيف " اذا حصل تأخير بسبب الميزانية او لأي سبب آخر ، فالمدة المحدودة قد تمدد ، بيد أن ال 15 سنة أنما هي تقدير حقيقي لأنجاز هذا المصعد "
إدوارد ليس شخصاً فقط لديه فكرة ما ، انه رئيس مشروع المصعد الفضائي العائد الى الى جمعية العلماء و الباحثين في " فيرمونت – ولاية فرجينيا " و سبق لوكالة " ناسا " لأبحاث الفضاء أن رصدت له أكثر من 500 الف دولار لدراسة الفكرة ، كما أن الكونغرس قد خصص له 2.5 مليون دولار اضافية ، حيث يقول "روبرت كازنوفا" مدير مشروع الأفكار المتقدمة في وكالة ( ناسا ) إن" ناس كثيرون مبتهجون بالفكرة " .
ادوارد ، يعتقد إن المصعد الفضائي يقدم حلاً أرخص و أأمن من الرحلات الفضائية التي يمكن أستخدامها لحمل رواد الفضاء لأستكشاف الكواكب . فالمصعد يتم تشغيله بواسطة كيبل مصنوع بشكل إنبوبي ، و صفائحه المبرومة مصنوعة من ذرات الكاربون و مادته أقوى عدة مرات من مادة " الستيل " . يبلغ عرض كل صفيحة كاربونية حوالي 3 قدم و سمكها أرق من سمك قطعة من الورق العادي ،كما تبلغ حمولة الكيبل في كل مرة حوالي 13 طن من المعدات. الكيبل سيكون مشدودا الى منصة فوق خط الأستواء على شاطيء الباسفيك في أميركا الجنوبية حيث تكون الرياح هناك هادئة و المناخ جيد بشكل عام و رحلات الطائرات التجارية قليلة . المنصة ستكون متنقلة و لذا فأن الكيبل سيتحرك خارج مدار الأقمار الصناعية ليتلافى الأصطدام بها . " ديفيد براين " كاتب قصص الخيال العلمي و الذي يرتبط بعلاقات قوية بالعلماء الفيزيائيين في جامعة " سان دييغو- كاليفورنيا " يعتقد ان فكرة المشروع قوية ، لكن من المشكوك فيه ان مصعدا مثل هذا هذا سيتم تشغيله في 2019 . " ليس هناك أدنى شك ان أحفادنا سيستعملون المصعد الفضائي روتينيا " هذا ما قاله براين ، و أضاف " بيد ان الأمر قد يستدعي جيلا آخرلجمع التكنلوجيا المطلوبة "
مشروع " إدوارد" إستوجب إقامة ثالث إجتماع موسع حول المصعد المقترح في واشنطن ، و المتكلم الرئيس في هذا الأجتماع على مدى ثلاثة أيام هو " جون مانكنس "مدير قسم تكنلوجيا الأنسان الآلي في وكالة " ناسا " .
منظموا اللقاء قالوا: تمت مناقشة التحديات التكنلوجية و الحلول و الجدوى الأقتصادية لمشروع المصعد المقترح .
إن المصعد الفضائي ليست فكرة جديدة ، فالعالم الروسي " كونستين شيلوكوفسكي " سبق أن وضع تصورا له قبل قرن مضى .
و رواية " آرثر سيز كلارك – و جود الفردوس " التي نشرت سنة 1979 تحدثت عن المصعد الفضائي بأرتفاع 24.000 ميلا ، و قيام مستعمرات دائمة على سطح القمر وعطارد والمريخ.
الجديد حاليا كما يقول إدوارد: " هو إننا نمتلك المعادن و المواد التي تمكننا فعليا من بناءه "
لقد وضع " إدوارد" تصورا لقذف قسم من الكيبل في الفضاء بواسطة صاروخ .
سمي المصعد " بالمتسلق " الذي سيكون متصلا بالكيبل في الفضاء المشدود بين سطح الأرض و حافة الفضاء .
يصف "إدوارد " العملية: " كما لو أن كرة تدور بشكل مغزلي حول سلك يدور حول رأسك حيث أن دوران الأرض يجعل الكيبل مشدودا و متوترا " .
سيعتمد المصعد في تشغيله على طاقة كهربائية ناتجة عن تحويل الضوء الى كهرباء بواسطة خلايا كهروضوئية .
و يقول" ادوارد": إنه على الأرجح يحتاج الى عامين آخرين من التطوير و التحسين على المادة الأساسية للكيبل لغرض إختيار الصلابة المطلوبة ، و بعد ذلك يعتقد إدوارد ان المشروع سيبدأ .
" أما الأعاقة الرئيسية على الأرجح فهي العامل السياسي و التمويل و هما عاملان مترابطان " كما يقول ادوارد .
و يضيف " ان التقنيات ، ليست مشكلة حقيقية بعد الآن ".

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


شرح الصورة:
1) مصعد الى الفردوس
ما يقرب من 90% ال 99% من نفقات الرحلات الفضائية تأتي من صواريخ الدفع ، المصعد الفضائي من الممكن أن يقلص هذه النفقات من خلال نقل الحمولة بدون الأستعانة بالصواريخ .
العالم برادلي يعتقد ان المصعد الفضائي سيتم بناءه خلال 15 سنة و يكلف 10 بليون دولار .

2) الجاذبية الأرضية و قوة الطرد المركزي ضد بعضهما البعض تحفظ المنصة عند حافة الفضاء مشدودة و ساكنة .

3) المرساة تقع غرب الأكوادر فوق منصة نفطية طافية و مجددة لهذا الغرض .

4) 650 طن وزن المنصة السابحة على حافة الفضاء .

5) الحبل : ال 62 الف ميل من الحبل ( أكثر من ربع معدل المسافة بين الأرض و القمر ) مكون من آلاف الأنسجة الكاربونية المدعومة و المترابطة بأشرطة ساندويجية . و الكيبل المطلوب لأنجاز هذا الحبل هو العنصر الأساسي الوحيد غير المتوفر تجاريا .

6) 8 إنج عرضا كبداية .

7) تمتد الى 3 قدم عرضا .
8) أرق من سمك قطعة من الورق.
اذا الحبل تكسر و انقطع لأي سبب فان قطعة الحبل هذه سوف لن تحترق في ( الأوتوموسفير ) بل ستسقط على الأرض مثل سقوط صفحة من جريدة.

9) المتسلقات الأبتدائية تسير بسرعة 124 ميل في الساعة و يمكن أن ترسل 13 طن من الحمولة الصافية الى الفضاء كل ثلاثة أيام .

10) الطاقة الأشعاعية المرسلة .
الضوء الليزري يهدف الى انتاج الكهرباء .
الكثافة الضوئية على اللوح تعادل 10 مرات مثيلتها تلك القادمة من الشمس لكن الطيور و الطائرات تستطيع الطيران خلالها دون أن تتعرض للأذى .
أُُختيرت الأكوادور لأنها نادراً ما تتعرض للبرق أو العواصف الأستوائية .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ahmad_alsaleh58@yahoo.com

Tuesday, August 5, 2008

أمتحان " العراقية " في عراقيتها

دراما التلفزيون

أحمد الصالح
( ورد لي - و العهدة على الراوي - أن أحد الفنانين العراقيين المشهورين، كان قد تباهى مرة أمام مثل المصري" فريد شوقي "عند زيارته الى بغداد مطلع الثمانينيات ، بأن " الرئيس صدام " قد أهداه شخصيا ًسيارة، و هذا دليل- برأي الفنان طبعاً - بأن " رئيسه " يرعى الفنانين بوجه خاص !! فرد "فريد شوقي" على صاحبنا المشهور جدا ً، وعلى الفور : " يا أبني أنا بأقدر أشتري خمس سيارات بأجور فلم واحد بس !!

لعل فنانا ذاك أدرك حجم الخديعة التي كان يعيشها هو وزوملاؤه وقتئذ - أو لعلهم لم يدركوا ذاك حتى اليوم - فعمله وجهده الفني المميز قد ييسرله حياة كريمة و رغيدة من كده و انتاجه دون حاجة للتوسل و التملق لهذا أو لذاك ،مثله مثل كل الفنانين على وجه الأرض ..
فلماذا كان الفنان العراقي دون سواه، يعيش عيشة الزهد و الضيق و تدهورت حياته
المعيشية في التسعينيات خاصة أسوة بحياة أغلب العراقيين.. فما عدا زمرة "الرداحين" و"الزاعقين" و"الكاولية" الذين تربطهم برجال النظام وشائج وثيقة و علاقات يومية مستمرة ، كان الجمع الأكبر من الفنانين ( المسرحيين بخاصة ) يعانون أشد المعاناة من القهر والعوز والفاقة ،ولامبالغة في هذا الوصف ، فقد أضطر البعض منهم لممارسة أعمال لم تخطرعلى بال احد أن يمارسها فنانون معرفون.

خدعة التضامن العربي

و مع التردي المستمر للحالة المعيشية للفنان العراقي و حاجته لتوفير لقمة العيش لأسرته ،أطلَّ عليهم " الأشقاء العرب " بخدعة جديدة و تحت لافتة التضامن والأخوّة.. و ما الى ذلك من عبارات كان النظام يروجها و يثقف الناس بها ، لكنها على الدوام كانت على حساب مصالح العراقيين و لحساب غيرهم من العرب.

و أبتدأ " اللعبة " بعض المنتجين الأردنيين- و تبعهم عرب آخرون حتى اليمنيين - و معظمهم من الفنانيين الذين أكثروا من زياراتهم الى بغداد في مطلع التسعينات للمشاركة في الفعاليات التي كان النظام يقيمها لتبييض وجهه وتبرئته من تهمة الدمار الذي أصاب العراقيين في حروبه المستمرة و تبعاتها. ففي الوقت الذي كان فيه ضيوف النظام يذرفون الدموع الكاذبة على أطفال العراق المرضى والجوعى ، لا يتورعون عن النزول في أرقى الفنادق و يتناولون أدّسم الوجبات على حساب جوع العراقيين و أنينهم و وجعهم .

وعلى هذا المنوال المنافق، طُرحت فكرة " كسر الحصار الثقافي " وإتاحة الفرصة للفنان العراقي للأنطلاق الى الساحة العربية و ما الى ذلك من أكاذيب رخيصة ، فالأثنان ،- الضحية و الجلاد- كانا يعلمان أن العملية برمتّها إستغلال حاجة الفنان العراقي و إستثمار "فرق العملة" بعد التدهور المريع الذي شهدته قيمة الدينار العراقي مقابل العملات الأخرى ، فأضحى من اليسير على المنتج الأردني ( مثلا ً) أن يقوم بإنتاج مسلسل تلفزيوني درامي من عشر حلقات بتكلفة 10 آلاف دينار أردني فقط ( ما يقرب من 1300 دولار أمريكي )، و يعلم العاملون في حقل الإنتاج التلفزيوني كم هي تكلفة متدنية ، و من المؤكد أنها تضمن عائدا ربحيا عاليا ً.

فكيف تم تمرير هذه الخدعة و على حساب من ؟!
إنها على حساب الفنان العراقي بالطبع، و ذلك من خلال الإتفاق معه على أجور محسوبة بالدينار العراقي ( حيث وصلت قيمته في أحد سنوات التسعينات الى ما يعادل 1 \ 4000 من الدينار الأردني ) ..
ثم على حساب تلفزيون الدولة العراقية و الشركات العراقية المالكة للمعدات التي يتم تأجيرها بأبخس الأثمان ، بالإضافة الى فلتان الوضع القانوني في البلاد وضياع الحقوق مما يسّر للمنتج العربي التصوير في أي مكان و في أي زمان مجانا ً أو مقابل رشاوى تافهة لهذا المسؤول الحكومي أو ذاك المسؤول الحزبي .

ترويج بائس

و نشط الأنتاج التلفزيوني على هذا النمط و إستقطب عدداً كبيراً من الفنانين العراقيين الذين تخلى قسم منهم عن الكثيرمن القيم الفنية التي كانوا يتمتعون بها و ينشدونها و شاركوا في مسلسلات أقل ما يقال عنها إنها تافهة شكلا ومضمونا ً ، ومتدنية في الطرح و المعالجة ، و تنطوي على ترويج بائس لقيم البداوة والتخلف و مصنوعة بعجالة " المُستجد " في الإنتاج و الطامح الى الربح السريع على حساب كل شيء .

و رغم المرارة التي حصدها الفنان العراقي من هذا النشاط المخادع و الذي تواطئ على سطحه المنتج العربي وجلاوزة السلطة ،على حساب مصالحه المادية ، فإن طعم المرارة كان أشد عندما تم هدرإعتباره المعنوي أيضا ً.. فما أن تغادر "الأشرطة" الى خارج العراق حتى يتم شطب جميع أسماء العاملين من العراقيين بمن فيهم الممثلون من " تايتل المسلسل " و يتم إستبدالهم باسماء وهمية ، و لسان حال الفنان العراقي يقول:
*( " اللعنة على العوز وعلى كل من كان سبباً في إذلال وهدر كرامة العراقي و هو من أهل غنى"


إن تجارب مرّة من هذا النوع كنا نعتقد أنها ستكون بلا شك دروسا ً ممتازة للعاملين في قطاع التلفزيون في عراق المستقبل ..

العراق الذي كنا ننشده للعراقيين أولاً وأخيراً وما من لغة مع الآخر سوى لغة المصالح التي تضمن حقوق العراقيين قبل الآخرين .!

وها قد سردت عليك يا صاحبي أمنيات كانت تطوف في مخيلتنا و كنا قد نشرناها في الصحف قبل أسقاط نظام صدام يحدونا الأمل أن القادمين الجُدد بما وعدونا به قبل السقوط ، أنهم سيعدّلون "المايلة " وسيعيدون الحق الى نصابه ..

فما الذي حدث؟!

خلال خمس سنوات أُُنفقت من أموال الشعب على " العراقية " عشرات الملايين من الدولارات،..
ترى كم هي المسلسلات الدرامية و البرامج الفنية التي يسرت فرصا ً معقولة للفنانين العراقيين حتى تغنيهم عن التسول في حواري دمشق أو دبي أو القاهرة أوعمّان ؟؟!!

وهل من وسائل عملية و فعلية تم تسييرها للفنانين العراقيين تمنعهم من اللجوء بفعل العوز والحاجة الى الوقوع في شباك " الغير " بدلا ً من أن تكون لهم" الشبكة العراقية" عونا ً و حصنا منيعا ً يحمي مواطنتهم !!؟؟

ومن سيرفع الحيف عن أجيال من الفنانين يُعدّون بالعشرات أولئك الذين أضطروا الى مغادرة بلادهم منذ السبعينيات حتى اليوم ، و ما من وسيلة تعينهم على العيش هم و أُُسرهم في بلاد الغربة، سوى المساعدات التي تتكرم بها دول و مجتمعات أجنبية أنصفتهم بعد أن ظلمتهم دولتهم وجارَعليهم مجتمعهم ؟؟!!

نعم أنا لست من دعاة ولوج الدولة الى ميدان الإنتاج التلفزيوني الفني والإستفراد به حسب مزاج القائمين عليها وهذا حديث آخر سيكون في وقت آخر.. لكن هناك أموال عامة تعود ملكيتها للشعب العراقي قد أُُنفقت فعلا ًعلى مؤسسة تابعة للدولة و قائمة باسم " قناة العراقية "..
و جزء من هذه الأموال كان من المفروض،أن قد تم تخصيصه للأنتاج الدرامي التلفزيوني ..
فما هي عوائد هذا الإنفاق ، و ما حجم إستفادة الفنانين العراقيين منه ؟؟!!

لماذا يعمد الفنان العراقي للعمل في " الشرقية " و " السومرية " و " البغدادية "و " الديار " على سبيل المثال و لماذا يعزف عن العمل في " العراقية " ؟؟!!

تلك الأموال التي تُنفق على رحلات الوفود الأدارية "للشبكة" و"العراقية" الى خارج العراق مع البذخ و الأسراف البائن لأعضاء تلك الوفود و رؤسائها في المطاعم و الفنادق الفخمة
( هناك أشرطة فديو موجودة على موقع (( اليو توب)) لمن يريد الأطلاع على صورة البذخ والأسراف )..

أليس الفنان العراقي أولى بقسم من هذه الأموال، تخصص لأنتاجه الفني بدلا ً من التذرع بضيق اليد و قلة التخصيصات المالية ؟؟!!
أما إذا أدّعت " العراقية " ضرورة المشاركة بوفود في المهرجانات الفنية خارج العراق، فهل المشاركة ،ان توجبت تستدعي هذا العدد الكبير من الإداريين الطفيليين على حساب الفنانين الحقيقيين أصحاب النتاج الفعلي ؟؟!!

و بعد عن ماذا أحدثك أيضا ً ..
عن الأموال المهدورة في شراء الأعمال التلفزيونية المصرية الهابطة و الإصرار على عرضها على شاشة العراقية ؟؟! مسلسلات لا تصلح للعرض في أكثر الفضائيات فقرا ً و سذاجة ..
أما التمشدق بمطلوبية المادة التلفزيونية المصرية على الشاشة العراقية ، فهذه حجة بائسة و مردودة بالمثل البارع الذي قدمته الدراما السورية في السنوات الأخيرة عندما أكتسحت الشاشات العربية و أنهت أسطورة سيادة المادة التلفزيونية المصرية .
و ما حصل هذا الأنجاز الا لأن الأداريين والمنتجين السوريين العاملين في قطاع الإعلام الحكومي و الخاص، أدركوا ولو في وقت متأخر أهمية دعم الإنتاج الفني الوطني و تغليبه على أي نتاج وافد آخر، و بذلك أستطاعوا خلال سنوات قليلة تحقيق هذه القفزة الهائلة في الدراما التلفزيونية و سواها ..

إذن هل تحتاج " قناة العراقية" الى ذكاء خارق للقيام بنفس التجربة وتخصيص هذه الأموال لإنتاج فني عراقي خالص لو كانت حقا ً حريصة على تشجيع الإنتاج الوطني في حقل الدراما التلفزيونية ؟؟!!

قد تتذرع إدارة الشبكة، بأن معظم الفنانين العراقيين قد غادروا البلاد فمن أين ، نأتي بفنانيين عراقيين لينتجوا لنا أعمالا تلفزيونية ..؟!

وإذا تغاضينا عن ، أن للشبكة والقائمين عليها دورا ً ليس بالهين في هجرة الكثيرمن الفنانين الى خارج البلاد بسبب سؤ ادارتها للموارد والمحسوبية والفساد المفزع الذي أبتلت به هذه المؤسسة مثل الكثير من مؤسسات الدولة الأخرى هذه الأيام..
و سوغنا الهجرة لأسباب أخرى، فأن هذه الحجة مردودة على إدارة الشبكة أيضا ، فهي من باب أولى عليها القيام بجهد وطني خالص للسعي الى كسب هؤلاء الفنانين من خلال توفير فرص عمل لهم حتى في المهجر والمنافي و تيسير عودتهم مجددا ً الى بلادهم لتفادي وقوعهم و تسخير جهودهم لصالح أعداء العراق الجديد ، كما تريد منا " العراقية " أن نصدق شعاراتها ..
أليس كذلك ؟؟!!

إن " العراقية " يا صاحبي، كأدارة ترتكب أثما ً بائنا ً بحق الوطن و المواطنين من حيث تدري أو لا تدري ..

لكني أكرر القول بأن في" العراقية " العديد من الشباب الموهوبين قدموا نتاجات فنية بارعة ووطنية مخلصة وفي حقول عديدة ، ولايمكن لمُنصف أن يتغافلهم ويعّز عليهم بكلمة الأشادة بالحق .. لكنهم في جميع الأحوال مواهب و طاقات فردية ليس للأدارة منة عليهم ..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* مقتطف من مقالة لي سبق و أن نشرتها في جريدة المؤتمر- لندن \
بتاريخ 17 \1\2003
أستمر أيها الجنرال

قصة قصيرة\

أحمد الصالح


- هل عرفتني ؟!

- نعم يا سيدي إنك عزرائيل على ما أظن !!

- أتعبتني أيها الجنرال .. يبدو أني لن أرتاح حتى أخطف روحك .

- كما تشاء يا سيدي .. أنا بين يديك .

- مهذب .. عكس ما يشاع عنك !!

- جداًيا سيدي حتى أني لا أرفع صوتي على ضحاياي .. تكفي إشارة من إصبعي .. فتموت الجموع ..

- و لماذا الجموع .. ألا يكفيك واحداً في اليوم .. إثنان .. عشرة ؟!.. لماذا تتعبني ؟!

- ماذا أفعل يا سيدي ؟! هم يريدون الموت !!

- أُقسم لك يا سيدي .. صحيح انني قاتل .. لكني طيب القلب أيضا .. لا أرد طلبا لرعيتي .. إنهم يريدون الجنة يا سيدي .. فهل أبخل عليهم بالخلود و أنا الذي جئت من أجلهم .. هل يعقل هذا ؟؟!!
كلا يا سيدي أرجوك .. لا تشكو من التعب ..
إتعب يا سيدي .. إتعب من أجل هؤلاء المساكين ..
و هل غيرهم أولى بالتعب ؟!!

- حسن .....
استمر أيها الجنرال ...
أستمر .. و أني أستغفر الله من شكواي ..
أستمر أيها الجنرال ....
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشرت في مجلة التضامن – لندن – العدد ( 160 ) في 3\5\1986
جلجلة

من هنا تبدأ الأسئلة
غرفة مقفلة
حائط للسجين
و لك ان تشتهي
طرقا موحلة
أول ينتهي .. بعد كل ذاك الطواف
و آخر لن ينتهي .. مهما أهتديت
أو أرتويت
أو كان ذاك الذي في لحظة قد تغير
قد تحير !!
من هنا تبدأ الجلجلة .


***

سياط الراعي

للراعي الذي أخترته يا خروف أيها الخروف
خمسة سياط
و له خمس أكف
كل كف بخمسة أصابع
أصبع يشير
و أصبع يسعى
و أصبع يهوى
و أصبع يقترف
و أصبع يدين
وأنت رغم كل الذي أعطيته
مديـــــــــــــن !!


أحمد الصالح
1995

Wednesday, July 23, 2008

العراق عسى و لعل !

تجيير المثقف لحساب السياسي

تجيّير المثقف لحساب السياسي
ماجد السامرائي نموذجاً

أحمد الصالح

واحدة من نكبات العراقيين على مدى الخمسين سنة الأخيرة من عمر البلاد هي هجرة مثقفيه الى بلدان المنافي و بأعداد مفزعة تعبر تعبيراً صادقاً عن حجم الخسارة التي منُي بها العراق ، و لازال يخسر ، مادام السياسيون الأنتهازيون الطامحون مستمرون بمشاريعهم التي يمكن وصفها بأكثر الأوصاف لياقة أنها مشاريعا لا وطنية و لا تعنى بشؤون المواطنين لا من قريب و لا من بعيد .

طالعنا السيد ماجد السامرائي بمقالة على ( موقع المجلس الأعلى للثقافة في العراق ) تحدث فيها عن هجرة المثقفين العراقيين الى المنافي و عن نشاطهم الثقافي و الأبداعي و أورد نماذج لنشاطات لعراقيين يعيشون الآن خارج العراق بوصفها نشاطات ( مقاومة ) للأحتلال الأمريكي للعراق..
فمعرض لمنحوتات الفنان الكبير محمد غني حكمت في عمّان أصبح معرضا ( مقاوماً ) للأحتلال، و مسرحية للفنان رائد محسن أصبحت مسرحية ( مقاومة ) للأحتلال ، و هجرة الشاعر و الصحفي و المسرحي و القاص الكبير المرحوم يوسف الصائغ الى سوريا على أُُخريات أيامه باحثٍ عن ملاذٍ آمنٍ يأويه من سخافات السياسة في بلاده – و هو الكاتب لقصيدة جزدان خديجة -، أصبح فعلا ً( مقاوما ) للأحتلال في عُرف السيد ماجد !!!

و مع المقال ( ألصقت ) صورة لمسرحية قُدمت مؤخراً على شارع المتنبي من تأليف الكاتب المبدع و المواظب علي حسين و اخراج الفنان المبدع حيدر منعثر و جسد شخصياتها الفنانون الكبار سامي عبد الحميد و سامي قفطان و شذى سالم و رياض شهيد و آخرون .. مسرحية حكت عن أرهاب نذل دمر الشارع الذي يعد أحد رموز الثقافة في العراق و أودى بحياة عدد من العراقيين الطيبين .

و لعل السيد ماجد يريد أن يقول لنا بنشره لهذه الصورة برفقة مقاله أن هذه المسرحية هي أيضا ( مقاومة ) للأحتلال و القائمين عليها هم أيضا ( مقاومون ) للأحتلال !!!

طيب سوف لن أدخل في مهاترات الأحتلال و المقاومة هذه اللعبة القذرة التي ما زالت قائمة منذ أربع سنوات و راح ضحيتها الآلاف من العراقيين و خسارات مادية بمليارات الدولارات و فرص لتأهيل عراق ديمقراطي جديد على أنقاض أستبداد بغيض عاش مرارته السيد ماجد أيضا في وقت ما ..

انما يهمني التوجه بالسؤال عن أولئك المثقفين الذين هاجروا الى المنافي في عهود سالفة قبل عهد ( الأحتلال ) !؟
ماذا لو يحدثنا السيد ماجد عن هجرة المثقفين و المبدعين في عهد صدام ؟
ماذا لو يحدثنا عن هجرة المبدعين و المثقفين في عهد البكر ؟
ماذا لو يحدثنا عن هجرة المدعين و المثقفين في عهد الأخوة عارف ؟
ماذا لو يحدثنا عن هجرة المثقفين و المبدعين في عهد عبد الكريم قاسم ؟
ماذا لو يحدثنا عن الهجرة المليونية لعراقيين على مدى عقود و هم يبحثون عن ملاذ آمن لهم و لأطفالهم يقيهم شر الحروب القذرة التي تورط بها السياسيين و الحزبيين المتعصبين و الطامحين للحكم على أشلاء جثث أبناء بلدهم ؟!

ماذا لو يحدثنا السيد ماجد عن هجرة أسماء عراقية لامعة في عالم الأبداع و الثقافة و عن زمن هجرتهم و عن أعمالهم هم أيضا في الهجرة ؟!

ماذا عن الجواهري يا سيد ماجد و ماذا عن البياتي و النواب و سعدي و غيرهم من الشعراء ؟!
ماذا عن هجرة غائب طعمة فرمان وفؤاد التكرلي و أبراهيم احمد و سليم مطر و غيرهم من القصاصين و الروائيين ؟!

ماذا عن هجرة خليل شوقي و عوني كرومي و قاسم حول و جواد الأسدي و فيصل الياسري و قاسم محمد و ابراهيم الزبيدي و كاظم الساهر و نصير شمه و غيرهم من الفنانين و الأعلاميين ؟!

ماذا عن هجرة شاكر السماوي و عزيز السماوي و أبو سرحان و كريم العراقي و غيرهم من الشعراء الشعبيين ؟!
ماذا عن هجرة ياسين النصير و حاتم الصكَر و فاضل ثامر و ضياء الشكرجي و فالح عبد الجبار و محمد عبد الجبار الشبوط و عادل عبد المهدي و طالب الشطري و عبد اللطيف الحرز وغيرهم من الكتّاب و النقاد ؟!

ماذا عن هجرة عشرات الأسماء المبدعة من الرسامين و النحاتين و الموسيقيين و الصحفيين وأساتذة الجامعات على مدى الخمسين سنة الماضية و تحديداً في العشرين سنة الأخيرة من عهد النظام السابق ؟!

ترى هل كانت هجرة كل تلك الأسماء المبدعة في عالم الثقافة العراقية بقصد ( مقاومة ) المُحتل الذي يريد السيد ماجد (بشخطة ) مقال واحد، أن يجيّر كل أنجازاتها لصالح خطاب سياسي معروفة مقاصده، وتبعا لذلك علينا أن ننسى كل ذاك الضيم و الحيف و الأستهتار الذي لحق بالثقافة العراقية و المثقفيين العراقيين بسبب الأحتراب بين ( سياسيين وطنيين [جداً ] و عصابيين موتوريين ) جعلوا من السياسة في العراق مجرد ميدان لتناطح الثيران المخصية ، فكان من نتائج صراعهم البائس على السلطة و منافعها أن دمروا بحوافرهم وسحقوا كل شيء جميل و معافى في هذا البلد المنكوب !!

يريد لنا السيد ماجد أن نُحيل سبب هجرة كل أولئك المبدعين الى الأحتلال و الرغبة المُلحة في ( مقاومة) الأحتلال من على الأراضي الأردنية و السورية و القطرية و اليمنية و المصرية و التونسية مثلاً ؟؟!!

ماذا لو يحدثنا السيد ماجد عن الأموال القذرة التي أشترت عدد من أصوات المثقفين العراقيين و جيّرتها لخدمة أجندات مخابرات دول الأقليم تلك الدول التي عمرها ما أرادت خيراً لا بالعراق و لا بأهله ؟!

المثقفون و المبدعون العراقيون الطيبون ما عادت تنطلي عليهم سخافات الأقلام المشتراة لحساب هذا السياسي أو ذاك ، لحساب مخابرات هذه الدولة أو تلك ، فهم يعلمون جيداً أن مشروعهم الثقافي و الأبداعي أسس و يؤسس لثقافة عراقية وطنية أصيلة ترفض تجيير أنجازاتهم لخدمة السياسيين الأنتهازيين البائسين في هذا العهد و كل عهد ، ثقافة خالية من وساخات السياسيين الطامعين بالحكم في هذا العهد و كل عهد .

و أن سكت المبدعون عن فضح الأنتهازيين المتاجرين بانجازاتهم فهم ساكتون على مضض أو خشية من ارهاب يتربص بهم على عتبة باب الدار ..

أما نغمة ( مقاومة ) الأحتلال التي يحلو للبعض الترّنم بها، فستكشف لنا الأيام القادمة عن ( نشازها ) بعد أن يتم ( التصافي ) بين ( المقاوم ) و المحتل على كعكة السلطة و منافعها ، و اعتراف أطراف اللعبة جميعهم ( بحصصٍ لكلٍ منهم ) على طريقة ( التحاصص ) السائدة هذه الأيام ..

و يأمل المبدعون و المثقفون والعراقيون الطيبون جميعهم من قبلهم، أن يأمنوا شر نتائج هذا (التحاصص السياسي ) الذي فتّ بعضدهم و أطاح بأحلامهم على مدى سنين، أحلام في بلاد آمنة عادلة كريمة مع أبناءها !!
لا بلاد طاردة لأبناءها تلاحقهم بالزيف و الرعب و الأكاذيب حتى في منافيهم !!ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

Tuesday, July 22, 2008

في مفهوم العدالة في العراق الجديد

توزيع حصص متساوية من عوائد الثروات الطبيعية ( النفط بخاصة ) على جميع أفراد
الشعب العراقي



أحمد الصالح


بين مجمل المسائل العالقة في العراق الجديد تبرز مسألة التوزيع العادل للثروة الطبيعية على مستحقيها الحقيقيين من أفراد الشعب العراقي بوصفها المسألة الأكثر الحاحا بل تكاد تكون و بلا مواربة هي حجر الزاوية الذي ترتكن اليه جميع المسائل العالقة الأخرى.
فبأي حال من الأحوال لا يمكن فصل المسألة الطائفية عن مسألة التوزيع العادل للثروة كما لا يمكن فصل مسألة الحكم و أستحقاقاته عنها و هكذا دواليك بالنسبة لمسألة العجز الظاهر في واقع الأقتصاد الوطني و مسألة التردي المفجع في الخدمات الأساسية و البنية التحتية للبلاد ومسألة الأمن ومسألة الفساد الأداري و مسألة العلاقات مع دول الجوار ومسألة تنظيم و تسوية العلاقات مع الولايات المتحدة راعية العملية السياسية في العراق الجديد.. و غيرها من المسائل العالقة الكثيرة التي أضحت هموما ثقيلة ما من أحد يعاني منها بقدر معاناة العراقيين أنفسهم الذين هم أصحاب المشكلة برمتها و الأولى بهم قبل غيرهم البحث عن حلول لها و تحمل تبعاتها.

السلطة و ثروة الأفراد

السلطة في العراق هي مصدر ثراء الأفراد بالأمس و اليوم و غدا، وقد تشترك جميع دول الشرق الأوسط مع العراق في هذه المعادلة البسيطة ( السطة = الثروة)، بيد أنه يشار للعراق بأنه البلد الذي يقدم صورة فاضحة و صريحة أكثر من غيره لها، و قراءة سريعة لتأريخ الدولة العراقية الحديثة منذ تأسيسها على يد البريطانيين في العام 1921 حتى اليوم يكشف بما لا يقبل اللبس أن الثراء الفاحش الذي يتمتع به عدد محدود من الأفراد والأسرالعراقية كان مبعثه على الدوام قربهم من السلطة و أستحواذهم على قرار توزيع عوائد الثروة الطبيعية للبلاد ( النفط بخاصة ) بينهم و على أشكال مختلفة، فقد تكون على شكل مرتبات ضخمة أوعقود من الدولة في مقاولات أو مناقصات أو أيفادات اوتسهيلات مصرفية أوغيرها من الأساليب التي يجيدها الوصوليون و الأنتهازيون دوما للأستحواذ على ثروة أبناء البلاد و ترك الفتات المتبقي الذي لا يسد رمق جائع ولا يكسي عريان .. و كل هذه السرقات تتم عادة تحت يافطات ذات طابع مظلل عموما فمرة طابعها ( وطني ) و مرة قومي و مرة طابعها طائفي و مرة طابعها مناطقي و مرة طابعها حزبي .. وهكذا.
فكم هو عدد الأفراد في العراق الذين استطاعوا أن يحققوا ثروات فاحشة تبعا لأختراع تقدموا به مثلا ، أو عمل فريد قاموا به دون غيرهم ، أو مغامرة لأستكشاف ثروات نادرة على طريقة الباحثين عن الذهب في الغرب الأمريكي !؟ لا أحد.
جرد سريع على سبيل المثال لأملاك و عقارات و أراضي و مزارع و مصانع و تجارة و نفوذ مالي يتمتع به فلان من الأمعات،لم يتأتى أليه الا لأنه كان خالا أو أبنا أو أحد أقارب رئيس السلطة أو أحد النافذين فيها في هذا العهد أو أو ذاك ، لا فرق الا بدرجة الأستحواذ و الثروة ، أما فعل السرقة فهو واحد.

و تأسيسا على ما تقدم فأن الصراع على السلطة في العراق كان على الدوام هو صراع بين الأفراد للأستحواذ على ثروة البلاد و توابع هذه الثروة من نفوذ و جاه و ملذات دنيوية يعرفها الأثرياء جيدا.
و من باب أولى فأن تلك القراءة التاريخية لما يسمى بالعهد الوطني في العراق في القرن الفائت تؤكد أن نظم الحكم المتعاقبة على السلطة بمجموعها كانت نظما ظالمة في مسألة توزيع عوائد الثروات الطبيعية ( النفط بخاصة ) على جميع أفراد الشعب العراقي بعدالة و بأنصاف . و بعيدا عن الأجحاف و قريبا من الأمانة الموضوعية فأن درجات ظلم نظم الحكم تلك كانت متباينة من نظام الى آخر، فلا يمكن بأي حال من الأحوال قياس عهد الراحل عبد الكريم قاسم و مشاريعه الجبارة- نسبة للعوائد حينئذ- لخدمة أبناء البلاد ( السكنية والخدمية و المعيشية ) بعهد آخر.
بيد أن عهد عبد الكريم قاسم أيضا يشترك مع العهود الأخرى في عدم اقراره قانونيا وعمليا حقوق أفراد الشعب العراقي جميعهم بعوائد ثرواتهم الطبيعية ، سوى جملة عائمة في الدستور (ان الثروات الطبيعية في البلاد هي ملك للشعب ) أما كيف ستكون ملك للشعب و بأي طريقة ؟ فها نحن ندخل في التفاصيل و يدخل الشيطان معنا، و الشيطان كما تعلمون يتحمل على الدوام خطايا اللصوص و هو بريء منها .

ان التمايز الطبقي و الثراء الفاحش الذي شهده المجتمع العراقي خلال ( العهد الوطني ) عبر عقود، يعود بالدرجة الأساس الى سرقة عوائد الثروة الطبيعية ( النفط بخاصة ) من قبل فئة صغيرة من الأفراد والأسرعلى حساب الأعم الأغلب من أفراد الشعب.
وأرى ان لم يتم تحقيق نظام عادل لتوزيع الثروة النفطية على العراقيين كأفراد وأصر على التوصيف (كأفراد)، أذ ان واحدة من أكبر المظالم التي يعاني منها العراقيون ان قضاياهم تعمم دائما باسم الطائفة مرة و باسم القومية مرة و باسم الطبقة مرة و باسم الحزب مرة و باسم العشيرة و القبيلة مرة و باسم الأقليم مرة و باسم المنطقة مرة و لا ينظر لهم كأفراد بشر يستحقون الحياة ، الى حد تضيع حقوق الأفراد و يستحوذ واحد أو عدد قليل من الأفراد على الثروة و تُحرم الغالبية العظمى منها.
لذا و كخطوة أولى ، أدعو الى :
توزيع عوائد الثروات الطبيعية للبلاد ( النفط بخاصة ) و بحصص متساوية على جميع أفراد الشعب العراقي في الداخل و الخارج و بما يليق بأستحقاقهم الشرعي من ثروات بلادهم.

ان أمرا بهذه القوة سيسهم الى حد كبير في السيطرة على الأضطراب السياسي و الأمني في البلاد اللذان ان استمرا فسنشهد له أطوارا أكثر تدميرا للعراق و للعراقيين.

علامات على الطريق

أولا علينا أن نقر بحدود دولة العراق القائمة الآن وفق الأتفاقيات الدولية المعترف بها و التي لم تبطل قانونا حتى اليوم ، فالعراق اليوم هو ليس عراق الميزوبتميا (بلاد وادي الرافدين ) كما متعارف عليه تاريخيا ، كما هو ليس العراق ( العروبي- الذي هو جزء من الأمة العربية حسب أدبياتهم و بالتالي للأمة من المحيط الى الخليج الحق في ثرواته ، على حساب حقوق أبناءه الحقيقيين !!! ) ، كما هو ليس العراق ( الرمز و الفكرة و الصورة الشعرية الرومانسية ) كما يرد في مخيلة الشعراء، كما هو ليس العراق ( الطائفي) أو المذهبي أو القومي على طريقة الساسة الجدد .
العراق ، هو العراق كما هو في خرائط الجغرافية و في وثائق المنظمات الدولية، ذو الحدود الدولية المعروفة و التشكيلات الأدارية ( ال 18 محافظة ) المعروفة أيضا ، العراق بالملايين من سكانه، بمن ينتسب اليه حسب وثيقة الجنسية العراقية التي يحملها صاحبها سواء كان في الداخل أو في الخارج .
أذ لابد من الأعتراف بهذا العراق لأن المسالة ليست مسألة رغبة شخصية أو مزاج شخصي ، انما هو واقع متحقق على الأرض و مدعوم بأتفاقيات دولية فاعلة لليوم ، كما هو جزء قائم من نظام شرق أوسطي تشكل بعد الحرب العالمية الأولى و لم يصار الى تغييره تبعا لفعل حرب أخرى او تبعا لتسويات سلمية لتغيير هذا النظام حتى الآن ، كما هو واقع متحقق و قائم بفعل تأثير دولة عظمى ( الولايات المتحدة ) لديها عشرات الآلاف من الجنود على الأرض و قوة عسكرية جبارة تجول في الأقليم و لها حسابات و مصالح تستدعيها الحفاظ على حدود العراق الحالية كما عبرت عن ذلك مرارا في تصريحات مسؤوليها و على أعلى المستويات .
بل حتى الأصطراع المفتعل الذي أراد له الأرهاب و دول الجوار أن يشتعل بين ( الكتل ) السكانية الثلاث ( الشيعة و السنة و الأكراد كما أصطلح عليها في وسائل الأعلام ، و ان كنت لا أميل لهذا التوصيف) ، وخاب مسعى الأرهاب و من يدعمه، يؤكد قناعة جميع العراقيين على تنوع انتمائاتهم أنهم لا يمكنهم تصور عراق آخر غير العراق الذي هو قائم الآن .

هذا هو العراق الذي أراه و ان لم يستمر هذا التوصيف للعراق أو أن هناك من لديه توصيف آخر وخارطة جغرافية أخرى لعراق آخر، فليأتنا بها و عند ذاك سيكون لنا حديث آخر بالتأكيد .

كما علينا أن نقر أيضا بالنظام الفدرالي وعلى أساس أداري ، و ليس على أي أساس آخر( طائفي أو قومي ، أو اقليمي- طائفي أو أقليمي- قومي ، كما يتحايل عادة بعض السياسيين من خلال اللعب بالمفاهيم و المصطلحات )
و علينا أن نقر أيضا بالنظام الديمقراطي المعمول به في العصر الحالي في دول الغرب عموما ، فالمتحذلقين يعلمون قبل غيرهم أن ليس هناك ( ديمقراطية ) أسلامية أو مسيحية، أو ( ديمقر اطية ) عروبية أو كردية ، و هكذا دواليك ، هناك مفهوم واحد للديمقراطية في العصر الحديث ، هي ديمقراطية تضمن حقوق جميع سكان البلاد بغض النظر عن القومية و الدين و المذهب و العرق و اللون و الجنس .
كما علينا أن نقر بلائحة حقوق الأنسان الدولية الصادرة عن الأمم المتحدة، و دولة العراق سبق لها أن وقعت على هذه اللائحة وأعترفت بها.

و بناء على ما تقدم يمسي حلم العراقي في دولة سيادة القانون و حماية حقوق الأنسان و العدالة لا يمكن تحقيقه بدون التوزيع العادل لعوائد الثروات الطبيعية للبلاد ( النفط بخاصة ) على جميع أفراد الشعب العراقي و بحصص متساوية .
فالمبدأ الأساس في عدالة الدولة الجديدة هو لكل مواطن عراقي حصة معلومة من عوائد ثروات بلاده يستلمها فعلا بلا مواربة و تسييس .

كيف يتم توزيع هذه الحصص ؟

يُعمل على البدء بنظام انتخابات من نوع آخر ( عدا نظام انتخابات الهيئات السياسية ) يُتيح لجميع أفراد الشعب العراقي من انتخاب هيئة مفوضين عليا لأدارة شؤون الثروات الطبيعية في البلاد و تتكفل توزيع عوائدها على جميع العراقيين، و يُعمد الى الترشيح الفردي لأشخاص مستقلين سياسيا و مشهود لهم بالنزاهة و المعرفة و العلم ( مؤهل علمي معترف به يؤهل المرشح لأستيعاب علوم منهجية لها علاقة بالموارد الطبيعية و أستخراجها و أدارتها وأقتصادياتها ثم توزيع عوائدها، فأستخراج النفط ليس له علاقة بغسل الجنابة مثلا !!)
و ينتخب العراقيون جميعا في الداخل و الخارج وحسب التشكيلات الأدارية من الناحية الى القضاء و المحافظة ثم المركز بغداد ، مفوضيهم بالاقتراع السري المباشر .
ان التاكيد على مؤهل المرشح العلمي و تحصيله الدراسي شرط لا بد منه كما هي الشروط الأخرى لتجنب الأشكالات الكارثية التي أرتكبتها عملية الأنتخابات السياسية السابقة والتي اعتمدت قوائم ( خالات و عمات ) رئيس القائمة و غضت النظر عن مؤهلات المرشحين فتشكل لنا مجلس النواب الحالي و مجالس المحافظات التي تعرفون !!!
فمرشح لهيئة مفوضي أدارة شؤون الثروات الطبيعية في البلاد، لا يعرف أوليات أستخراج النفط و المعادن من الأرض و لا يعرف صناعاتها التحويلية او اقتصاديات بيعها و تسويقها ، و ربما لا يعي الفرق بين منظمة أوبك و منظمة أوابك على سبيل المثال ، فأنه سيكون ( كارثة ) منتخبة و مفوضة بشكل شرعي لسلب حقوق الأفراد و ليس لأنصافهم !!!
و ستكون هذه الهيئة مستقلة تماما عن الهيكلية السياسية القائمة بسلطاتها الثلاث لأنها هيئة معنية بحقوق العراقيين من عوائد ثرواتهم الطبيعية فقط و غير معنية بشؤون الحكم أو السياسة .
يمثل أعضائها جميع محافظات العراق و حسب النسبة السكانية و تقر نظامها الداخلي و تمنع تدخل القوى السياسية و الدينية و الأجتماعية في عملها تماما و تحدد هيكليتها الأدارية و مواردها ذاتيا .
ان تدخل القوى السياسية و الحزبية و المرجعيات الدينية في شؤون هذه الهيئة و عملها سيضر بها قطعا لأن تلك القوى سوف تعمل على تعميم حقوق أفراد الشعب العراقي تحت مسميات عديدة و تضيع بذلك حقوق الأغلبية لصالح أقلية ( أفراد أو أُسر ) تجيد اللعب بالشعارات العمومية التي تعرفون .
الحق في الثروة صفة فردانية غير قابلة للتعميم ، فيمكنك أن تعمم في الأنتماء العقائدي و المذهبي و القومي و العشائري و حتى المناطقي ، لكن ليس من الأنصاف التعميم في حقوق الأفراد المادية و المعنوية .
و بعبارة اخرى يمكنك أن تضع تحت صفة شيعي او سني أو كردي ملايين الأفراد ، لكنك قطعا لا يمكنك أن توزع ميراث (أحمد) -على سبيل المثال- على جميع ألأفراد الذي يحملون أسم (أحمد) !!
فحق (أحمد) بالميراث هو حق (أحمد) على وجه التخصيص و ليس حق كل (الأحمدات) .
و هكذا هو حق العراقي بعوائد ثروة بلاده الطبيعية ، هو حق فرداني خاص بذلك العراقي دون سواه مع اهمال انتسابه القومي و المذهبي و المناطقي و ما الى ذلك .
ان فهم من هذا النوع سيغلق الباب بوجه السياسيين و الناشطين أولئك الذين يسعون الى تعميم حقوق الأفراد تحت لافتات و شعارات عديدة يجيدون فنون التظليل بها ليحصدون المنافع لهم و لأسرهم فقط .
تشرف هذه الهيئة على جميع عمليات استخراج الثروات الطبيعية ( النفط بخاصة )أستكشافا و استخراجا و تكرارا و تسويقا و خططا مستقبلية .. و هكذا .
و تضبط الأيرادات ثم تقر توزيعها على جميع أفراد الشعب العراقي في الداخل و الخارج بحصص متساوية سنويا أو نصف سنويا و بمبالغ معلومة نقدا .
و تبعا لذلك يُعمد الى الغاء نظام البطاقة التموينية المعمول به حاليا حيث لا جدوى منه و لا داعي اليه و يستفاد من النفقات الكبيرة التي تُهدر على جيش من ألأداريين في هذا النظام بالأضافة للهدر المالي الكبير بفعل الفساد الأداري المتأصل معه ، و توفر الأموال المرصودة للبطاقة ضمن أموال الحصص النقدية التي سيتم توزيعها للمواطنين بشكل مباشر .
تستقطع من حصة كل مواطن و بموافقته نسبه نقدية معلومة لتعزيز خزينة الدولة و تعد موردا واحدا من موارد هذه الخزينة ( ولعلها ستكون الى فترة ليست قصيرة بوصفها المورد الأساسي من موارد الدولة بسبب اعتماد الأقتصاد العراقي على استخراج النفط حصرا ، و هذه واحدة من أشكالات دولة العراق الحديث كما هو معلوم ) و سيعلم المواطن و بشفافية كم هي الأموال الموجودة في خزينة دولته و كم هو الأنفاق الحكومي وما هي أوجه صرفه ، فالمال ماله و هو أحرص عليه من سواه.
و من نافلة القول ان حصة كل عراقي من عوائد مبيعات النفط لو كانت 1000 دولار مثلا و طُلب منه أن يتقدم بمبلغ 900 دولار لخزينة الدولة التي ستنفق فيما بعد على أوجه الصرف الحكومي من أمن الى خدمات الى تعليم الى صحة الى اسالة ماء و كهرباء و سواها ، فأني على يقين ان العراقي سيوافق فورا على أستقطاع هذه النسبة طالما يلمس وجود هذه الخدمات فعلا .
وهو سيوافق أيضا و بحماس لأنه يعلم ان هذه النسبة المستقطعة من حصته في ثروة بلاده هي ايضا مستقطعة من كاظم و عباس و بكر و ماركريت وعمر و علي و كاكه حمه و نوري و زهية و ياسمين ، فهؤلاء جميعهم عراقيون و جميعهم سيشملهم الأستقطاع مثلما جميعهم سيتمتعون بحصص متساوية من ثروة بلادهم .
و هكذا سيشعر موظف الدولة من رئيسها الى أصغر رتبة و ظيفية فيها انما هو يتقاضى راتبه من المواطنين و ليس العكس .
و هذا هو لب المشكلة كما تعلم يا صاحبي ،فموظف الدولة خاصة في المراتب العليا منها و رغم مروراربع سنوات منذ اسقاط صدام، لا يزال يعتقد أنه صاحب فضل و منة على المواطن ، فالميراث السياسي الذي أورثته الدولة العراقية الحديثة منذ تاسيسها في العام 1921 لهذا اليوم ركزت مفهوم أو ثقافة تعالي موظف الدولة على المواطن و أستهتاره بحقوق المواطن بما فيها حقه في الحياة و الا كيف يمكن تفسير السوق العسكري لمواليد بالجملة الى جبهات القتال في حروب رعناء هي في حقيقتها لحماية كبار موظفي الدولة و أسرهم.
و كل منا يحمل قصصا مروعة عن الشرطي و استهتاره بحق المواطن و أبتزازه بالرشوة فكيف يكون الحال أذن مع الرئيس او الوزير او حتى عضو برلمان ، فهم لا زالوا يعتقدون أنهم في دولة تتيح لهم أبتزاز المواطن و الأستهتار بحقوقه ، و ليس أكثر أستهتارا من تخصيص أموال كمنح لغير العراقيين من قبل المسؤولين في دولة العراق الجديد دون الألتفات حتى للأثر النفسي الذي يتركه هذا التبرع بعراقي لاجئء في خيمة داخل بلاده.( تم التبرع بملايين الدولارات لأفراد حزب الله في لبنان و التبرع بملايين الدولارات ايضا لأفراد منظمة حماس الفلسطينية ، و التبرع بربع مليون دولار من قبل السيد نائب رئيس الجمهورية عادل عبد المهدي الى فرد شيخ ألأزهر في مصر ، و تم التبرع بآلاف الدولارات من قبل السيد رئيس الجمهورية مام جلال لفرد كاتب جزائري ، و ما خفي كان أعظم )

مواطن جديد و دولة جديدة

المواطن الذي يتقاضى حقوقه من عوائد ثروات بلاده الطبيعية سيكون مواطنا جديدا بحق، مواطن لا يعتدي على ممتلكات دولته و لايشعر بالغبن و الحيف أزاء المسؤول في الدولة و سيسعى بكل مالديه من طاقة لحماية نظامه السياسي الجديد ، و سيتعزز لديه مفهوم المواطنة الحقة دونما حاجة للحث الديني أو القومي ، فسيفخر بانتسابه لوطنه العراق الذي منحه حق الحياة الكريمة ، و ليس هناك أكرم من الأكتفاء و الغنى و عدم الحاجة للسؤال على أبواب مفوضيات اللاجئين او على المخافر الحدودية في هذا البلد أو ذاك، كما ليس هناك أكرم من الشعور بالتساوي بين جميع المواطنين في تقاضي عوائد ثروات البلاد .
سيقدم المواطن الجديد بعد نيل حقوقه المادية والوفرة المالية التي سيتمتع بها ( فالخير كثير في العراق كما يبشرنا رجال الدولة الجديدة بأستمرار ) الى البدء بمشاريع اقتصادية بمعية أخوانه المواطنين و في ميادين شتى تجعل من العراق بلدا مزدهرا مستوردا للعمالة الأجنبية و ليس بلدا طاردا لأبناءه ( ورد في الأخبار مؤخرا أن شباب الناصرية أقبلو بحماس للعمل في قطع الأخشاب في غابات ماليزيا ، أليس عراقهم أولى بهم لو تيسر لهم المال الكافي لفتح مشاريعهم الخاصة بهم ؟!) سيشعر المواطن أنه هو الذي يدفع رواتب موظفي دولته من رئيسها الى أصغر موظف فيها مما يعيد التوازن النفسي له و يعيد له العافية و الثقة في أنه صاحب الدولة و الدولة في خدمته و ليس العكس، سيشعر انه مواطن كامل المواطنة و سوف لن يلعن مواطنته بعد ذلك و لن يكتب أبشع القصائد في شتم وطنه كما هو رائج هذه الأيام.
ان تحقيق هذا الحق للمواطن سيعيد التوازن لمعادلة المواطن \ الدولة ، وستنتهي معادلة المواطن \ السلطة أو معادلة المواطن\ المليشيا او معادلة المواطن \ العصابة كما هو سائد في معظم الأحيان، فالمواطن هو سيد دولته و ليس العكس، و ان لم يشعر المواطن انه هو سيد دولته سوف لن تقوم دولة عادلة أبدا .
الدولة من أجل المواطن و ليس المواطن من أجل الدولة ..
مواطن من أجل الدولة يعني حروب و يعني كوارث تبدأ و لا تنتهي كما عاشها العراق طيلة العقود التي مضت ، مواطن من أجل الدولة يعني قطعان ماشية تُقاد و تذبح تحت مسميات مظللة كثيرة .
أما دولة من أجل المواطن فتعني مستشفى و مدرسة و شارع مبلط و ماء و كهرباء و جواز سفر محترم و شرطي في خدمتي و لست في خدمة الشرطي .
سيشعر الموظف مهما كان منصبه في سلم التسلسل الوظيفي في دولة من هذا النوع أنه في خدمة المواطن ما دام أنه يتقاضى مرتبه من المواطن .
و سيشعر المواطن بكثير من الشجاعة في مواجهة موظف الدولة مهما كان منصبه عاليا بالحق و ليس بالتوسل و المحاباة أو بالنفاق، تلك الصفات القذرة التي لا أحد منا يستطيع نكران وجودها و أنتشارها وعلى نطاق واسع في دولة الأمس و اليوم .
و ستنتهي عند ذاك هرمية السلطة الأبوية الشرقية المستبدة التي أستعارتها دولة العراق من القبيلة فصار رئيس الدولة هو شيخ القبيلة و الموظف الكبير فيها هو شيخ ( فخذ القبيلة ) و هلم جرا مما جعل المواطن في ظل دولة من هذا النوع ليس أكثر من ( عبد ) ذليل يلبي طلبات الشيخ \ الرئيس المزاجية .
و هكذا ستبنى دولة المواطنة العصرية الحقة و سيفخر العراقي بمواطنته العراقية ، وسيشعر الجميع أنهم مواطنون و رجال حكم متساوون في الحقوق و ان اختلفوا بالواجبات الا بحدود ما يقدمون من خدمات عامة يتقاضون بدلا عنها أجرا مدفوعا من المال العام الذي هو مال الجميع ، و ليس جائزة يانصيب هبطت من السماء يوم لهذا و يوم لذاك يفرط به أو يمنعه عن الناس بمزاجه الشخصي. كلهم مواطنون ينتمون الى جنسية واحدة فقط طعمها عراق و رائحتها عراقية ..

و أخيرا ليس غير العراقيين بملاينهم هم فقط من يتحمل المطالبة بمشروع توزيع عوائد الثروة عليهم جميعا اليوم قبل الغد و بلا تسويف مهما كانت الظروف السياسية قاهرة فأحقاق الحق لا يؤجل، فالملايين التي تخرج من حين لآخر لهذا السبب أو ذاك هي اليوم مطالبة بأن تخرج من أجل حقوقها بعوائد الثروات الطبيعية ، و ما من قوة ستمنعها عن هذه المطالبة المشروعة ، و هذا هو ديدن الشعب الحي فهو لا ينام على أجحاف وضيم و لا على حق مهدور .
و ان نام و شكى و بكى فهو اذن ليس بشعب حي على الأطلاق و لا يستأهل الا ما هو عليه من ضيم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تم طرح الموضوع من قبل الكاتب في غرفة محادثة صوتية عراقية على شبكة الإنترنت بتاريخ \ 4 كانون الثاني 2007
ahmad_alsaleh58@yahoo.com

من أجل نقابة صحفية حقيقية .. من أجل صحفيين حقيقيين

للخياط و الحمداني و جميع الصحفيين العراقيين
من أجل نقابة صحفية حقيقية
من أجل صحفيين حقيقيين

أحمد الصالح
صحفي و كاتب مسرحي عراقي


منذ أيام وأنا أتابع مقالات السيد" سيف الخياط" حول نقابة الصحفيين و التي وجدتُ فيها روحاً شجاعة عالية لتصويب ما يجب تصويبه في هذا الميدان الذي لاحه الفساد والتردي مثلما لاح ميادين كثيرة .
و قلقت على حياة "الخياط" لشدة حدسي أن هناك من سيعمد الى التجرؤ على إرهابه أو خطف روحه في ظل أوضاع يعيشها العراق اليوم .
و حصل المحذور و تعرض هذا الرجل الشجاع الى محاولة إغتيال جبانة تشيرالى دناءة مرتكبيها و ترديهم و أستهتارهم بل و تشيرالى جبنهم و خوفهم من الفضائح التي تولى الخياط -كما يبدو وبمفرده في حين سكت الأخرون- عن كشفها للعلن و في هذا الوقت المهم من مسيرة نقابة الصحفيين حيث أعلن عن موعد إنتخابات قريب يفترض أول ما يفترض عنده أن يقدم الصحفيون الحقيقيون ، قبل غيرهم على تحمل مسؤليتهم التاريخية و تقويم المعوج في هيكلية و عمل نقابتهم ، ان ارادوا حقاً فعلاً مؤثرا لعملهم و احتراماً لمهنتهم .
و الحمد لله على لطفه بهذا الشاب الشجاع و نجاته من الموت .
كما قرأت بامعان مقالة السيد "ليث الحمداني" لثقتي بمهنيته وجديته في العمل الصحفي و سبق لي ان أسهمت في صحفيتين كان قد أصدرهما واحدة في بغداد ( الإتحاد و ملحقها دنيا ) في أواخر الثمانينات والأخرى في كندا ( البلاد ) مطلع القرن الحالي ، و بدون مقابل مادي أكراماً مني لمهنيته العالية .
و أثني على مجمل مقترحاته في ما يتعلق بتأجيل الإنتخابات و تشكيل اللجان الراصدة لعمل النقابة و تدقيق عضوية المنتسبين و ضمان حقوق الأعضاء العاملين ..
لكني توقفت كثيراً أمام مقترحه في تدقيق عضوية المنتسبين للنقابة لمن إنتسب اليها بعد "الأحتلال" فقط!!!..
ترى هل نسي السيد "الحمداني" الحاجة الماسة الى تدقيق عضوية كل المنتسبين للنقابة (سواء كان ذلك قبل الأحتلال أو بعده )، بل و خاصة إولئك الذين نالوا عضويتهم في عهد "عدي" و "تجمعه الثقافي" في التسعينيات ، و السيد "الحمداني" يعرف كما غيره من الصحفيين القدامى يعرفون، كم هي عدد ( العضويات المزورة ) التي مُنحت في ذلك العهد لأشخاص ليس لهم صلة بالعمل الصحفي لا من قريب أو من بعيد.
فالحمداني قد أشار بأمانة الى "المهنية" التي التزم بها السيد "ضياء حسن" و السيد "حسام الصفار" فيما يتعلق برفض إنتساب الأداريين العاملين في الصحف، للنقابة والذين تقدموا بطلب الإنتساب في أوقات سابقة خارج الأصول المرعية في منح العضوية .
فهل نسى السيد" الحمداني" "المهنية" فيما يتعلق بذلك الخرق الذي سوف يؤكده بلا شك السادة" أحمد عبد المجيد و صباح ناهي" و غيرهم من أعضاء مجلس النقابة في التسعينيات ، كما أكدها صديقنا " فلاح حسن" خلال جرده ومسكه لعدد كبير من (العضويات المزيفة) التي سبق و إن منحت في عهد (ما قبل الأحتلال) .
كما أني اثني أيضا على مقترح الصديق "الحمداني" فيما يتعلق بحق الصحفيين العراقيين الحقيقيين العاملين في الدول المجاورة للعراق، ولا ادري لماذا نسي مرة اخرى أيضاً الصحفيين العراقيين الآخرين في المهجر سواء كانوا قريبين من العراق أو بعيدين عنه في المسافات لكنهم قريبون منه في الهم المشترك ، خاصة و أن تكنلوجيا الإتصالات الحديثة يسّرت لنا جميعا فرصة التواصل و النشر ، و إمكانية الإدلاء بأصواتنا عبر (الأيميل) و بالطريقة التي يراها القاضي و اللجنة المشرفة على الإنتخابات مناسبة و تضمن حقوقنا جميعاً .
فنحن نعلم ان عدد الصحفيين الحقيقيين الذين غادروا العراق في عهد النظام السابق كثيرون و السيد "الحمداني" أحدهم ، وهم الآن يتوزعون على قارات العالم جميعها و ليس فقط في دول الجوار التي التجأ إليها الصحفيون الجدد الذين غادروا بعد سقوط النظام .
فلماذا نحرم صحفيوا الستينات و السبعينات و الثمانينات و التسعينات الذين يُشهد لهم بالكفاءة و الحضور المستمر في عملهم الصحفي عبر الصحف و المواقع الإلكترونية و متواصلين في النشر دون إنقطاع .
و أزيد على ذلك في المطالبة بالحقوق المادية لهؤلاء الصحفيين الذين شملتهم الإجراءات التعسفية للنظام السابق من (تخوين و مطاردة و طرد من العمل) و ترويج معاملات إسترجاع حقوقهم المادية كاملة إستنادا الى وثائق حقيقية - و ليست مزورة سيعمد الكثيرون على تقديمها لو تحقق هذا المطلب - و من مواقع سكناهم الحالية في المهجر، فهناك العديد من الأسباب التي تمنعهم من الذهاب للعراق للمطالبة بحقوقهم لعل واحدة منها المبالغ الطائلة التي يعجزون عن توفيرها لرحلة طويلة من هذا النوع ، فضلاً عن الأخطار التي تتهددهم .
و مطالبة مثل هذه ليس غريبة ، إذا ما عرفنا إن الحكومة الحالية تروج معاملات و تصرف ملايين الدولارات لمنتسبي أجهزة النظام السابق الخاصة و المنحلة، أولئك المقيمين في دول جوار العراق أو في دول أخرى ، حسب ما ورد الى مسامعنا .
إنه من الغريب و العجيب حقاً أن يلتفت رجال النظام الجديد ( لحقوق منتسبي نظام صدام و يلبونها ) و ينسون أو يتناسون عن قصد ، الحقوق المشروعة لمعارضي النظام السابق.
أشد على يد الصديق "الحمداني" في مقترحه حول الإلتزام بميثاق الشرف المهني ، و إن كنت أرى أن مسؤولية الشرف المهني لا قيمة لها إن لم يُسن قانوناً صارماً يصدرعن المشرع العراقي يُمنع على أساسه أي دعوة أو ترويج للكراهية العنصرية والطائفية و المذهبية و المناطقية و التمييز على أساس العرق الجنس و اللون و العقيدة .
ستبقى مقترحات "الحمداني" و ملاحظاتي لا قيمة لها إن لم يتصدى الصحفيون العراقيون اليوم في كل أرجاء المعمورة الى تبني مسؤوليتهم التاريخية و الأخلاقية لإنقاذ نقابتهم مما هي فيه و تقويم المعوج في مسيرتها ، و هذا لعمري بعض الإستحقاق المهني عليهم ، لتتبين حقاً مدى جديتهم في المطالبة ببناء المجتمع المدني المحمي بقوة القانون والذي نصبو اليه جميعاً.
لابد من الضغط بنشر المقالات و المقترحات و تنشيط العلاقات المحلية و الدولية و القيام بحملة حقيقية من قبل جميع الصحفيين وفي كل مكان من العالم لدعم مشروع السيد "سيف الخياط" و زملاؤه الصحفيون المخلصون لمهنتهم وصيانة كرامتها .
ahmad_alsaleh58@yahoo.com
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــرابط مقالة السيد ليث الحمداني
http://kitabat.com/i41222.htm

ماذا بعد سرقة إسمي!؟

ماذا بعد سرقة إسمي! ؟

أحمد الصالح

وردتني من السيد عماد العبادي الرسالة التالية:
(السلام عليكم ..هل صاحب الايميل الزميل احمد الصالح مراسل العربية.. حيث اني قرأت مقالتك على كتابات ولا اعرف هل هو تشابه اسماء ام هو ايميل الاخ والزميل احمد الصالح مراسل العربية.. شكراعماد العبادي )

لم تكن مفاجأة لي ، فليست المرة الأولى التي أعرف فيها أن أسمي مستخدم من قبل شخص ٍآخر ومنذ عدة سنوات .. لكنها كانت مناسبة لتجديد الأسى ، على ما نحن فيه هذه الأيام ..

أجبت السيد العبادي :
(السيد عماد العبادي المحترم
تحياتي وبعد
منذ غادرتُ العراق قبل مايقرب من عشر سنين محتجاً على التردي المريع الذي شهدته بلادي في ظل الإستبداد، عرفتُ أن قد سُرقت مني أشياء كثيرة ..
فلا عجب أن يُسرق إسمي أيضاً
لا بأس عليك
يمكنك أن تتعرف عليّ أكثر إن كان يهمك هذا من خلال "مالك" مفتي المدينة .. وأقصد به الصديق ( هاشم حسن).
ألست أنت صاحب هذا القول ؟!
مع الود
أحمد الصالح
صحفي و كاتب مسرحي منذ العام 1980) إنتهت الرسالة..
لعل السيد (أحمد صالح ) و هذا إسمه الذي كان يعّرف نفسه به في تقاريره الأولى في بداية عمله في قناة "العربية"، و التي كنت أشاهدها في العام 2003 وأنا في منفاي أتابع أخبارالبلاد - أقول لعله غافلاً عن مسألة أخلاقية و مهنية تضره قبل أن تضرني ، و وجدت له العذر في أنه ما زال في بداية عمله الصحفي وسينتبه لهذا و يصححه مع مرور الوقت .
الغريب أنه مع مرور الوقت استلطف أضافة (أل ) التعريف ل ( صالح ) ليكون أسمه نسخة طبق الأصل من إسمي ( أحمد الصالح ) الذي عرفت به في الأوساط الصحفية و الفنية في داخل العراق و خارجه منذ الثمانينات و حتى اليوم .
لم أولي المسألة إهتماما كبيراً خاصة عندما علمت في وقت لاحق أن السيد ( جواد الحطاب ) يعمل في ( العربية ) ثم أصبح مديراً لمكتبها في بغداد ..
فقلت ، سينبه الحطاب ( أحمدا ً ) لما هو فيه و لعله سيعدل أو على الأقل سينشر إعتذاراً على شبكة الإنترنت و سيصلني إعتذاره حتماً، فالعالم اليوم غرفة صغيرة و ليس قرية صغيرة كما قيل في وقت سابق، وسيكون إعتذاره محل تقديري و إحترامي .
الغريب إنه إستمر في إ ستخدام أسمي ، و الغريب أيضاً أن زملاؤه في ( العربية ) لم يلتفتوا لهذه المسألة ، فـتأسيت ..
من المناسب هنا أن أعيد التأكيد على ما ذكره السيدين( سيف الخياط و ليث الحمداني) في مقالاتهما الأخيرة المنشورة في (كتابات) ، و التي أكدا فيها على أهمية (المهنية) في عمل نقابة الصحفيين ، فمن الطبيعي إن مسألة إنتحال الأسماء او إستخدام أسماء الأخرين في العمل الصحفي بقصد أو بدون قصد، في صلب مهام النقابة في إتخاذ الإجراءات المناسبة و رفع الحيف عن المتضرر.
أدعو السيد مراسل العربية ( أحمد صالح ) الى حل هذا الإشكال كي لا يعود عليه بالضرر مع إحترامي الشديد لشخصه و تقديري لأدائه المتميز في (العربية) ..
و إذا كان لابد من التعريف بشخصيتي المهنية ، فإني قد مارست العمل الصحفي منذ العام 1980 و كانت بدايتي في مجلة ( فنون) أي قبل أن يظهر علينا السيد مراسل (العربية) بأكثر من( 23 سنة) و نشرت في مختلف الفنون الصحفية في معظم الصحف و المجلات داخل العراق و خارجه ، و مازلت أنشر مقالاتي في عدد من المواقع العراقية الإلكترونية ، و أحمل شهادة الماجستير في الصحافة من جامعة أمريكية ..
كما سبق لي أن حزت على جائزة أحسن نص مسرحي ( ورقة التوت ) في مهرجان منتدى المسرح في العام 1991 و عن الجائزة الثانية عن مسرحية ( قطط ) في العام 1993 عن دائرة الشؤون الثقافية ..
و أعددت برنامجاً تلفزيونياً على شاشة العراقية الفضائية بعنوان ( نقاط على الحروف ) في أواسط التسعينات و قدمت من خلاله عدد من الفنانين العراقيين المعروفين .
كما أني عضو عامل في كل من( نقابة الصحفيين و اتحاد الأدباء و الفنانين) منذ الثمانينات
و كان لي شرف العمل الإعلامي المعارض لنظام الإستبداد الساقط و بأسمي الصريح في إحدى إذاعات المعارضة و عدد من الصحف ، حيث أخذنا على عاتقنا تعرية فساد الدكتاتورية في ذلك الوقت ، و ما جنينا (يا للخيبة) في من تولى إمور البلاد اليوم ، سوى الإهمال و النسيان .
فهل يا ترى تكفي هذه الدلائل للتعريف بشخصي و رفع الحيف عني و إ سترداد إسمي ، أم سيسألني ( البطران ) عن ( بطاقتي التموينية ) أيضاً.. حتى تكمل (السبحة) ..
و أية سبحة التي ستكمل و قد إنفرطت (سبحتنا) من زمان يا صاحبي!!! .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ahmad_alsaleh58@yahoo.com

يوسف الصائغ

يوسف الصائغ

أحمد الصالح

الشاعر يوسف الصائغ ( 1933- الموصل \ 2005- دمشق) أحد أبرز الشعراء العراقيين و العرب المعاصرين بما قدمه من تنوع في شتى مجالات الإبداع الأدبي و الفني، فبعد إن رسخ صوته الشعري في المشهد الشعري العربي إنطلاقا من تخوم جيل الرواد ، وجد أن طاقته الإبداعية لا يستوعبها الشعر وحده، فجرب معظم الفنون القولية – المسرحية، والروائية، والنقد والمقالة – وأجاد فيها كما جرب الفن التشكيلي وأجاد فيه بشهادة المختصين، وخلق له هذا التنوع شخصية إبداعية متفردة . ولقد تعرضت حياة الشاعر الى الكثير من المتاعب من بينها ، موت زوجته الإولى "جولي" في شمال العراق بعد تعرضهما لحادث مروري ، فضلاً عن اشكالياته مع الحزب الشيوعي العراقي.

ما هذا زمني
ما هذا زمن الشعر...ولا هذا زمنيهذا زمن مسدوديخرج منه الدودصار الشعراء قروداً فيهوالعشاق يهودباركني بيديك الحانيتين وإمنحني غفرانك يا وطني.(1)
فكرة الطهارة والنجاسة، الخطيئة والغفران، الجلاد والضحية، من أهم محركات كتابات يوسف، ولعل الثقافة المسيحية التي تربى عليها صغيراً بقيت تلازم فنه ، فيهوذا ومريم المجدلية والصلب والقرابين من بين رموزه الخفية والظاهرة التي لاتحتاج الى كبير تأمل كي يدرك القارئ مغزاها، فبساطة "يوسف" ورومانسيته الآسرة تضفي على كل البداهات طزاجة الإبتكار.(2)
جزدان خديجه
منذ كنت صغيراً كان الناس يقولون لمن يتوخى في سعيه أي نتيجة فتش في جزدان (خديجه) هذا جزدان (خديجه) ما مثله جزدان في أي زمان... و مكان وتذكّرأن خديجه ، أيضا ،ليست أي إمرأة ، بين النسوانيمكن أن يقصدها أيٌ كانْ . . أبداً . . . إن خديجه أرملة عوراء . . . لها في رأسها قرنان . . . تنتقل راكبة فوق جمل . . . لا يسترعورتها إلا جلد حملْ . . . وإنطلقت ،من مطلع هذا القرن ،تفتش عن سر ولادتها ،دون أمل حتى يئست فانكفأت تخفي خيبتها في جزدان ما مثله جزدانفي أي زمان ومكان ولهذا صار الناس يقولون ،لمن يبحث عن أي نتيجة . . .فتش في جزدان خديجه . . .الويل لكم . . . ويل لي . . . ماذا لو أن خديجه)
ضيّعت الجزدان ؟ ؟ ؟)(3)
لقد كانت إطروحته التي تقدم بها عن الشعر الحر في العراق الى جامعة بغداد ، و نال عنها درجة الماجستير في العام 1976 منجزاً أكاديمياً متميزاً في حقل دراسة الشعر المعاصر في العراق .
يقول يوسف: ( رغم أن دراستي لم تشغلني بدرجة كافية عن ولعي وإهتماماتي لكنها كانت عوناً لي وأنا في تجربتي الخاصة، أن أتعرف إلى القيمة الحقيقية لعشرات من الشعراء العراقيين (المشهورين) آنذاك، فإذا بهم شبه مجردين عن بهرج (الإشاعات) التي جعلتهم أضخم من حجومهم، وأقل شأنا مما أنجزوه.. عدا السياب.. لقد كبرت في عيني (إنجازات السياب) وإقترنت بالإنجازات الحقيقية للشعراء الذين سبقوه اللبنانيين بوجه خاص … ولقد أتاح لي ذلك أن أجرب الإفادة من تلك الإنجازات ولعل أبرز ما أفدته، هو الإنتقال من وزن لآخر.. تبعاً لحركة المشاعر والمواقف … واحسبني نجحت في ذلك إلى حد بعيد)(4)
و للصائغ رأي واضح في قصيدة النثر و تجنيسها أدبياً : ( مصطلح "قصيدة النثر" مصطلح مظلل … ثمة شعر … وثمة نثر.. والفرق بينهما واضح. رغم أنه قد يبدو أحيانا غامضاً بسبب ما وصفه النقاد في تحليلاتهم من أضاليل، وبقدر تعلق الأمر بي، أرى من المفيد أن أشير إلى أنني في مطلع قراءاتي الشعرية، كنت اكثر إهتماماً بما ينشر من "قصائد" من نوع ما يسمى الآن " قصائد النثر" و كان تعجبني حقاً، وتثير في مزاجي ضمن الإحساس بالشعر، تلك القصائد المترجمة التي تنشرها مجلة الرسالة … ومن بين ذاك" الإلياذة – حروب طروادة " وعن قصائد لامارتين التي ترجمها الزيات.. إضافة إلى قصائد أخرى لكتاب عرب احسب إن أحدهم " وكان قريبا إلى نفسي " اسمه – على ما أذكر – حسين الهنداوي أو ما شابه ذلك.. ثم اكتشفت " الماغوط "، وفي مرحلة متقدمة.. وتحت تأثير مجموع هذه النماذج. جربت كتابة عدد من القصائد، أهمها قصيدة طويلة تحت عنوان" شمة أفيون" بعثت بها إلى مجلة شعر عام 57 ونشرتها المجلة عام 61 أو 62.. وهي منشورة في مجموعة "قصائد يوسف الصائغ". أما ما ينشر الآن من نماذج ما يسمى بـ " قصيدة النثر " – بتأثير نماذج أجنبية " مترجمة أيضا ".. فهو نوع من" التغريب " لا أحسب أن له أفقاً … رغم ما تتضمنه هذه المحاولات من مغامرات – قد تكون ذات جدوى من اكتشاف علاقات " لغوية " أو" بلاغية " تترك لدى القارئ نوعا من الإحساس" بالصدق "… دون طائل!)(5)
أما عن علاقة الفنون الإبداعية ببعضها فيوجز قناعتاته:
(كنت مقتنعا، بأن الحدود بين الفنون – ولنقل بين مجالات الإبداع – هي في الناتج الأخير حدود وهمية، نستطيع أن نتحسسها حين نشاء أو نتجاهلها حين نشاء. إن تجربة المسرح مجال عملي للبرهنة على ذلك.. فكيف بتجربة السينما.. والفيديو؟.. إن عصرنا يعمل جاهداً، مستعينا بالمذهل من التقنيات على هدم الحواجز، وإلغاء الأشكال والعناوين المستقيمة ومقترحاً صيغا جديدة.. لابد للشعر، أن هو لم يفد منها، أن يقود نفسه إلى العزلة.. لامناص للشاعر في هذا العصر مثلا، من إن يقتنع، بأن الشعر، ليس مجرد " كلام جميل "… بل هو " فعالية " أو " المنظر" ACTION" ، كما في الفن السينمائي.. حيث يسود مفهوم " أو" المشهد " ويحكم علاقات كل المفردات الأخرى من حوار وشخصيات … وإضاءة … وبالتالي لابد من " نمو ". ليس هذا حسب : إن تقنيات الإبداع المعاصرة، تقترح على المبدع ضمن ذلك كله مفاهيم ومعايير جديدة أو " بلاغية " متطورة – إذا صح التعبير.. تقوم غالباً على الإختزال والتكثيف والحذف.. الإقتصاد في الحركة والصوت والضوء، وهكذا، بحيث تأتي في ساعة يمكن النظر فيها إلى قصيدة من نوع " خمسة أشخاص في الباص …" باعتبارها نتاجاً إبداعياً في مجال الشعر، يختلف " بلاغيا " عن كل ما سبقه من نماذج وكذلك نموذج " شهداء عشرة / نزلوا يوم إجازتهم للبصرة.." حتى لكأنها لشاعر غير ذاك الذي كتب " اعترافات مالك بن الريب ".(6)
يتحدث يوسف عن تجربته في الكتابة المسرحية :
(حين جربت الكتابة المسرحية في مرحلة متأخرة، كان واضحاً في ذهني أنني لن أنجح في تحقيق الإنسجام مع خبرتي ومزاجي لإنجاز نص، يكفيني آلا حين أستعين بالقدر المناسب من طاقة الشعر، وحساسية، من أجل أن أوفق في " شحن " المشاهد والشخصيات، وسائر مفردات الفعل المسرحي بالقدر المناسب من التأثير والحيوية. وهذا ما أحسبني نجحت فيه لدى كتابتي ل " الباب" ثم ما أعقبها من مسرحيات. صحيح.. لقد خطر لي مرات عديدة، أن الشعر الحر أي " شعر التفعيلة " قد يصلح لخوض مغامرة مسرحية وكان يغريني، أن أجرب تجربتي، إعتماداً على ما بدا لي أحياناً إنني حققته في عدد من القصائد الطويلة. التي تنطوي على بعض عناصر العمل المسرحي، من نوع قصيدة " خواطر بطل عادي جدا " و " بين جلدي و قلبي ".. لولا إنني بقيت أتحفظ على ما يمكن أن تخلقه موسيقى الشعر.. من مناخ، يجور على التنويع والعفوية.. ويضع الكاتب في موضع " الإلتزام " بما لا داعي لأن يلتزم به.)
و يستمر في القول: ( المسرح اقرب الفنون إلى نفسي.. إن جذوره تمتد في تاريخي إلى طفولتي وبالذات إلى طقوس " العبادة " التي لم البث أن اكتشفت مدى قربها من جوهر الإبداع المسرحي عبر مفردات عديدة " المذبح = المسرح "، " الكاهن والشماسة = بطل المسرحية والممثلون " ثم الإضاءة، والموسيقى، والديكور، والملابس... الخ. إضافة إلى ذلك الكورس والجمهور.. حتى الستارة. ولقد زاد من إحساسي بهذه القرابة، إنني فتحت عيني على نموذج الفن المسرحي، أنا على عتبة مراهقتي فشغفت، بما يتضمنه الحوار من " شعر ".. والديكور من الفنون التشكيلية..والموسيقة.. لقد كان ذلك اقرب إلى السحر.. وكثيرا آسرا من طقوس العبادة بسبب " التكرار " وهكذا، أستطيع القول بأنني رحت أقترب من الفن المسرحي، عبر ممارسة مفرداته، إبتداء بالرسم، ثم الشعر، ثم القصة ثم المسرحية " مكتوبة " ثم المسرحية وهي تتجسد على المسرح. )(7)
قراءة في مسرحية الباب للصائغ
يضع يوسف الصائغ قارئ مسرحيته " الباب " في جو صاخب يضج بالعنف و الأثارة و الدهشة ، ثم يلقي به مع أبطاله في جبّ عميق مظلم ممتلئ بالجثث النتنة .
إنه يزعزع اليقين الماثل في القناعات باسئلة صعبة يثيرها في جميع مشاهد المسرحية ، أسئلة من النوع الذي ان واجهتنا نتحاشاها خشية الإجابة عليها حين تخوننا الشجاعة .
و لن نتلمس طريق الإجابة و تتوافر الجرأة فينا فقط عندما نقع في " الشرك " و ندرك أن حتفنا قريب جداً من حيواتناً .
ففي مواجهة الموت القريب فقط نتلمس حقيقة وجودنا و ندرك أي معنى لإنسانيتنا ، و ندرك أيضاً أية تفاهة في صراخنا السقيم و أية سفاهة في مكابرتنا الخاوية .
إن موتى " يوسف الصائغ " جاءوا الى حتفهم مختارين لا مضطرين ، أرتضوا الموت مع أقرانهم و سعوا الى نهاياتهم باسم الحب، مستجيبين لقانون مدينتهم صاغرين له :
( محتقرين الخوف من الموت ، منتصرين على الشك و الخور و التردد .. فأذا استدرج الغياب أحدهم لحق به صاحبه .. و الويل لمن يحنث .. و يضعف .. إن الحياة لتلعنه و يزدريه موته و سيتحول بالعقاب الصارم الى بهيمة .. و يصير دوداً نتناً .. و تراباً تدوسه ألأقدام .)
و حين يحنث " هو " بطل المسرحية ، بالعهد الذي قطعه على نفسه و يتمرد على قانون المدينة و يرفض النزول مع نعش زوجته الى القبر – لأنه ببساطة لا يريد أن يموت – يحال الى المحكمة متهماً و يحاول " الحاكم " إقناعه للعدول عن رفضه و تمرده ، لكنه يفشل أزاء إصراره و قوة منطقه ، فيلجأ " المدعي العام " الى الحيلة و يقنع " هو " بالنزول الى القبر و يقسم له بأنه سيأتي لإنقاذه بعد يومين لا أكثر ، و بذلك يحفظ للقانون هيبته و يرد عن المحكمة سابقة خطرة ، لكن " المدعي العام " لا يأتي بالطبع و يبقى " هو " في القبر مخدوعاً مغلوباً على أمره .. و بعد حين تدخل " هي " مرافقة لنعش زوجها ..
و في الظلمة يلتقي " هو و هي " لا يرى أحدهما الآخر ، و يبدأ عالم جديد ، عالم تضطرب فيه الأفكار و تصطرع الرغبات .. رغبتها بالموت الذي إختارته مع فقيدها و رغبته في الإفلات من القبر والعودة الى الحياة التي أُستلبت منه بالخديعة .
فمن سينتصر في النهاية ؟
قوة الحياة النابضة في جسده أم قوة الموت الذي أرخى سدوله على الجميع ؟
هذه بإختصار حكاية المسرحية .
إعتمد الصائغ " الليلة الثالثة و الرابعة الخمسون بعد الخمسمائة من ألف ليلة و ليلة – و حسناً فعل في نشره لنصيهما في مقدمة المسرحية " أساساً لبناء مسرحيته ، لكنه لم يأخذ منهما غير الحبكة و مطلع الحكاية ، أما الموضوع فهو الذي أرسى أركانه و وضع أتجاهاته و حدد أبعاده .(8)

ما البطولة ؟

في مشهد من المسرحية يقف المدعي العام مفتخراً بقانون مدينته شاتماً ذلك المواطن الأحمق الذي لا يعرف أي معنى للبطولة صارخاً به : ( المدعي : ستكون – بموته طبعا !- أمام الجميع بطلاً .. و تعامل معاملة الأبطال .. سيعزفون لك و ينشدون .. ويكللون هامتك بالزهور .. و يتطلعون اليك بحسد و حسرة .. ستتمنى كل فتاة لو أن لها حبيب مثلك .. و سيكون أسمك على كل الأفواه و صورتك في جميع الأذهان ..
هو : و ماذا بعد ؟ ماذا بعد ؟ أموت ؟! )
و في كل مشهد من المسرحية يثير الصائغ إهتمام القاريء و يجتذبه الى ما ليس متوقعاً ، واضعاً بذلك قاعدة أساسية لبناء الكيان الدرامي ، فهو يخلق التوقع دون أن يحققه تمام التحقق إلا عند إسدال الستار الأخير و يدفع بشخصياته للإقتراب من أهدافها رويداً رويداً دون أن يوصلها اليها بإختلاق الصدفة أو بالإستعانة بالقوى القدرية ، إنما يتركها تتفاعل فيما بينها و مع الأحداث لتنمو نمواً طبيعياً نابعاً من صدق مشاعرها .
و ماكان يتاح لها صدق في التعبير عن مشاعرها كي يظهر سلوكها تلقائياً ، لولا براعة "الصائغ" و حذقه في إختيار مكان الأحداث و مناخه و طبيعة المواجهة القاسية التي أوقع شخصياته في شراكها ، فهو يضع بطل مسرحيته في مواجهة أعظم الحقائق و أكثرها إثارة ، إنه يسأله إختيار الموت بإسم الحب !!
فمن ذا الذي لا يستفزه هذا السؤال ؟!
يقول أريك بنتلي في كتابه ( الحياة في الدراما ) : ( إن خلق التوقع لا يأتي في العادة لجهلنا بما سيحدث بعد قليل ، إنما لرغبتنا في معرفته أيضاً ، و هي رغبة بالطبع أثارها منبه سابق .. )
لقد أتاح لنا الصائغ أن نرى أذهان شخصيات المسرحية و نقرأ أفكارها عن طريق الأحداث ، و أتاح لها أن تشي بأنماط سلوكياتها و تحدد أبعادها بنفسها ، فلم يقع في الخطأ الذي وقع فيه كثير من مؤلفي الدراما غير المحترفين الذين يعتقدون أن المؤلف يستطيع أن يشخص شخصاً آخر في المسرحية عن طريق الحديث عنه من قبل أناس آخرين .
" الباب " مسرحية حافلة بالتنوع و الإثارة و العمق، وضع لها الصائغ منظراً مثيراً، و نثر فيها أفعالاً محتدمة و وهب شخصياتها وجداناً ملتهباً وأدار بينها حواراً شاعرياً موحياً .
و في ختام المسرحية يقف المتفرج متسائلاً ، الى أين سيؤول مصير بطليها ؟
هل سيخرجان من القبر ؟
أم سينتهيان الى الموت كمن سبقهما ؟
و ليس هذا بالمهم على أية حال ، فما دام الحب جمع بين الرجل و المرأة إذن لابد للحياة أن تنتصر على الموت و هي في عقر داره \ المقبرة .
و في لحظة النهاية حيث تختزل جميع الحالات ثم تختلط فلا يتبين أي لون فيها أكثر ألقاً ، لون الحياة أم لون الموت ، أم لون الولادة .. و في هذه اللحظة التي لا يعرف كنهها ، هل هي لحظة وعي فاصلة أم أنها لحظة حلم من أحلام اليقظة .. حيث لا نرى غير الوجوه التي تفصدت عرقا و لا نسمع غير أنفاس أبطالنا اللآهثة .
في هذه اللحظة ، من ذا الذي سيأخذ بيد الإنسان من عبث المغالاة و المكابرة الخاوية الى نور العقل ؟
من سيضيء طريق الخلاص ؟
في هذه اللحظة نكتشف أن حتى المقبرة على عظمة ما توحي به من فناء و إنتهاء ، فهي ليست لديها القدرة على إقناع الإنسان بالموت ، بل أنها تدفعه للتشبث بالحياة أكثر .
إذن هل ثمة فعل أقوى و أبلغ من إجتماع رجل و إمراة في جبّ لدفن الموتى ؟!
قبل إسدال الستار الأخير للمسرحية يهمس الرجل :
( هو : يا حبيبتي ..
هي : أجل .. أجل .. لا تكف عن ذلك ، أهمس لي و أنا أعانقك ... ألا يشبه هذا إننا نموت ؟!
هو : بل يشبه أن نلد .. يشبه أن نولد .. تعالي ..
هي : ها أنا ذي – تصرخ – الله ... الله ما أجمل الحياة .)(9)

السياسة محرقة الشعراء
لقد كان " يوسف الصائغ " ضحية " البعث " في إنقلابه الأول عام 1963، فهو من الجيل الذي قضى ردحاً في السجون، وتلك الأحداث لاتغيب عن كتاباته، حتى وهو في عزّ تملقه لسلطة " صدام "، ولم يكف عن إستذكارها في مؤلفاته التي ظهرت في كل مراحل عمره. وعندما أُعتقل آخر مرة نهاية السبعينيات كان قد تعب من المهانة والإذلال الجسدي والروحي، وبعد أن خطفوا حبيبته وقتلوها تحت التعذيب، إستسلم في خطوة دراماتيكية تليق بأدواره التي يهواها. إنتهى " يوسف " الى مصير عاش فيه على قلق رغم إمتيازات المناصب والثروة والنساء اللواتي أحطن به ، فقد أرادوه عِبرة لكل كاتب، وهذا جهل ب " يوسف " الذي يحمل قلب طفل متشرد إرتكب أخطاء فخاف من نفسه، خاف من مرآته...

" تخونيني .. أم أخونكِ
تلك هي المسألة ..
نموتُ على المشنقة ..
ونتهم المقصلة ..
ونكتشف الزنبقة ،
في القرار من المزبلة .. تلك هي المهزلة َ ..." (10)
يوسف كان قد عرف أنه وصل الى خاتمة لاتليق به، فإختفى ، مات من الخجل حسبما نشر في سنواته الأخيرة:
"لاترحموا عزيز قوم ذل لاتعتبوا على البطليكفيه أنه رأى الذي رآه ولم يمت من الخجل..."
ستمحى كل التواريخ ويبقى يوسف الصائغ الذي لم يكتمل مشروعه الأدبي، ولكنه ترك أثراً لايمحى في تاريخ الثقافة العراقية، كظاهرة سياسية، وكإبداع متحرك جدير بإعادة القراءة والتأمل.. خسره الأدب العراقي، فلطالما إنشغل عنه بمعارك دون كيشوتية، بيد أن ما بجعبته يحفظ في قلب قارئه الكثير من المحبة والإعجاب.(11)
من أعمال الصائغ الشعرية و المسرحية
1. قصائد غير صالحة للنشر ( مجموعة شعرية مشتركة ) 1957م .
2. رواية اللعبة فازت بجائزة أحسن رواية عراقية ، 1970م .
3. السودان ثورة وشهداء - قصيدة نثر سياسية - 1970م .
4. انتظريني عند تخوم البحر ـ مجموعة شعرية ـ 1970م .
5. السيرة الذاتية - الاعتراف الأخير لمالك بن الريب - ج – الأول 1971 والثاني ،ج - الثالث غير مطبوع .
6. رواية المسافة ، اتحاد الكتاب العرب - دمشق ، 1974م .
7. سيدة التفاحات الأربع ـ مجموعة شعرية ـ 1976م .
8. الشعر الحر في العراق - أطروحة ماجستير- 1976م .
9. اعترافات ـ مجموعة شعرية ـ 1978م .
10. مسرحية الباب ، فازت بجائزة أحسن نص مسرحي في مهرجان قرطاج ،1987
11. المعلم ـ مجموعة شعرية ـ 1987م . تم الإستفادة من قصائدها في عمل مسرحي بعنوان (الذي ظل في هذيانه يقظاً ) للمخرج غانم حميد عام 1992
12. مسرحية العودة ، 1988
13. مسرحية ديزدمونه ، فازت بجائزة أفضل نص مسرحي في مهرجان قرطاج ،1989
14. قصائد ، المجموعة الشعرية الكاملة ، دار الشؤون الثقافية العامة ، 1992
15. رواية السرداب رقم 2 ،1997 م .
16. قصة قصيرة غير مطبوعة .
17. مذكرات - مخطوطة - .
18. مسرحية أخري - مخطوطة - ورواية - مخطوطة .
19. يوسف اعرض عن هذا - مجموعة شعرية غير مطبوعة .
20. مسرحية البديل - مخطوطة .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) من قصيدة للشاعر
(2) فاطمة المحسن- جريدة المدى – بغداد – 2005
(3) قصيدة للشاعر
(4) حوار غير منشور مع يوسف الصائغ\ فاتن عبد الجبار \28 حزيران 2006 – جريدة ايلاف الألكترونية.
(5) الحوار أعلاه.
(6) الحوار أعلاه .
(7) الحوار أعلاه.
(8)مقالة لأحمد الصالح - مجلة آفاق عربية \ بغداد –العدد السادس – حزيران 1986
(9) المقالة أعلاه.
(10) من قصيدة للشاعر
(11)
في وداع يوسف الصائغ \ الحيــــاة وســــط إشكاليـــــة الشعــر- فاطمة المحسن – جريدة المدى- بغداد 2005
ahmad_alsaleh58@yahoo.com