Thursday, February 18, 2010

الديمقراطية في العراق

الديمقراطية في العراق
الأمس و اليوم .. ماذا عن الغد ؟!!



أحمد الصالح

إن مصطلح الديمقراطية بشكله الإغريقي القديم- تم نحته في أثينا القديمة في القرن الخامس قبل الميلاد، و هو يتكون من إجتماع كلمتين الشق الأول من الكلمة DEMOS وتعني عامة الناس والشق الثاني من الكلمة KRATIA وتعني حكم فتصبح DEMOCRATIA أي حكم عامة الناس ( حكم الشعب ) ، والديمقراطية الأثينية عموماً يُنظر إليها على أنها من إولى الأمثلة التي تنطبق عليها المفاهيم المعاصرة للحكم الديمقراطي.
أما الديمقراطية اليوم فهي تفهم عادة على أنها شكل من أشكال الحكم السياسي القائم بالأجمال على التداول السلمي للسلطة وحكم الأكثرية و حماية حقوق الأقليات و الأفراد .
و تحت هذا النظام أو درجة من درجاته يعيش في بداية القرن الواحد و العشرين ما يزيد عن نصف سكان الآرض في أوربا و الأمريكتين و الهند و أنحاء أخرى . و يعيش معظم الباقي تحت أنظمة تدّعي نوعا آخر من الديمقراطية( مثل الصين التي تدّعي الديمقراطية الأشتراكية ).
و يمكن إ ستخدام مصطلح الديمقراطية بمعنى ضيق لوصف نظام الحكم في دولة ديمقراطية ، أو بمعنى أوسع لوصف مجتمع حر . و الديمقراطية بهذا المعنى الأوسع هي نظام إجتماعي مميز يؤمن به و يسير عليه المجتمع ككل على شكل أخلاقيات إجتماعية و يشيرالى ثقافة سياسية و أخلاقية و قانونية معينة تتجلى فيها مفاهيم الديمقراطية الأساسية .(1)

الشرعية السياسية و الثقافة الديمقراطية
تتطلب الديمقراطية وجود درجة عالية من الشرعية السياسية لأن العملية الإنتخابية الدورية تقسم السكان الى معسكرين " خاسر " و " رابح " . لذا فإن الثقافة الديمقراطية الناجحة تتضمن قبول الحزب الخاسر و مؤيديه بحكم الناخبين و سماحهم بالإنتقال السلمي للسلطة و بمفهوم " المعارضة الموالية ". فقد يختلف المتنافسون السياسيون و لكن لابد أن يعترف كل طرف للآخر بدوره الشرعي ، و من الناحية المثالية يشجع المجتمع التسامح و الكياسة في إدارة النقاش بين المواطنين . و هذا الشكل من أشكال الشرعية السياسية ينطوي بداهة على أن كافة الأطراف تتشارك في القيم الأساسية الشائعة . و على الناخبين أن يعلموا بان الحكومة الجديدة لن تتبع سياسات قد يجونها بغيضة ، لأن القيم المشتركة ناهيك عن الديمقراطية تضمن عدم حدوث ذلك . إن الإنتخابات الحرة لوحدها ليست كافية لكي يصبح بلد ما ديمقراطياً ، فثقافة المؤسسات السياسية و الخدمات المدنية فيه يجب أن تتغير أيضا ، و هي نقلة ثقافية يصعب تحقيقها خاصة في الدول التي إعتادت تاريخيا أن يكون إنتقال السلطة فيها عبر العنف .

محاسن الديمقراطية
للديمقراطية محاسن مشهودة منها:
الأستقرار السياسي ، فالشعب يستطيع أن يستبدل الإدارة الحاكمة من دون تغيير الأسس القانونية للحكم ، و هذا أفضل من الذي تحدث فيه التغييرات عبر اللجوء الى العنف .
التجاوب الفعال في أوقات الحروب : تشير البحوث الواقعية الى أن الأنظمة الديمقراطية مهيأة أكثر للأنتصار في الحروب من الأنظمة غيرالديمقراطية .
إنخفاض مستوى الفساد : الدراسات التي أجراها البنك الدولي توحي بان نوع المؤسسات السياسية الموجودة مهم جدا ً في تحديد مدى إنتشار الفساد : ديمقراطية ، أنظمة برلمانية ، إستقرار سياسي ، حرية الصحافة كلها عوامل ترتبط بإنفاض مستويات الفساد . ( كيف يمكن تطبيق هذا القياس على العراق حاليا ً !! ؟؟ )
إنخفاض مستوى الأرهاب : تشير البحوث الى أن الأرهاب أكثر إنتشاراً في الدول ذات مستوى متوسط من الحريات سياسية . و أقل الدول معاناة من الأرهاب هي أكثرها ديمقراطية .
إنخفاض الفقر و المجاعة : هناك علاقة تبادلية بين إزدياد الديمقراطية و إرتفاع معدلات إجمالي الناتج القومي للفرد و إزدياد الأحترام لحقوق الأنسان و إنخفاض معدلات الفقر .
نظرة السلام الديمقراطي : الديمقراطيات الليبرالية حسب البحوث العديدة لم تدخل قط في حروب مع بعضها . و البحوث الأحدث وجدت بان الديمقراطيات شهدت حروبا أهلية أقل.
إنخفاض نسبة قتل الشعب : تشير البحوث الى أن الأمم الأكثر ديمقراطية تتعرض الى القتل بدرجة أقل من قبل حكومتها .
السعادة : كلما إزدادت جرعة الديمقراطية في دولة ما إرتفع معدل سعادة الشعب .

نماذج النظم الديمقراطية
هناك عدد من النماذج المعروفة للنظم الديمقراطية اليوم نتعرف على بعضها في ما يأتي :

- نظام الشورى الذي يسترشد بمبدأ " وأمركم شورى بينكم "، والقائم على إختيار النخبة العارفة والملتزمة بالمعايير الأخلاقية والدينية التي تعترف بها الغالبية في المجتمع. ولم يتسنى تطبيق هذا النمط الا في فترات محدودة. ويضاف إلى ذلك فإن تعريف وتحديد هذا الشكل وآلية تنفيذه خضع خلال فترات زمنية إلى اجتهادات وتطبيقات متناقضة. فتطبيقه الآن في بعض دول الخليج، حيث يتم تعيين مجلس شورى إستشاري من قبل المسؤول الأول، يتفاوت عن ما يطبق في الجمهورية الإسلامية الإيرانية حيث تجري إنتخابات لمجلس الشورى، ولكن بعد الموافقة على المرشحين وغربلتهم من قبل هيئة الخبراء ( هيئة تشخيص مصلحة النظام )، علماً ان مفتاح الحل والفصل يبقى بيد المرشد الديني الاعلى وليس بيد الهيئات المنتخبة من قبل الشعب. ولكن يبقى التطبيق لهذا النموذج في الظرف الراهن خاضعاً للتقييد إلى درجة إهمال قطاع واسع من المواطنين والأحزاب السياسية في المشاركة في إدارة شؤونهم. ولابد أن يؤدي هذا النموذج إلى فرض الاستبداد الديني الذي يعد بانه أفضع أشكال الأستبداد.
- الديمقراطية الليبرالية ، و تم التوصل الى هذا النموذج عبر مرحلة طويلة نسبيا بدأت من القرن الثامن عشر الى القرن العشرين و ما تزال تسير في عملية تكاملها . و تنطوي الديمقراطية الليبرالية على حماية المواطن من الأستخدام الإستبدادي للسلطة ، و الحفاظ على المجتمع المدني المستند الى مبدأ الحكومة المنتخبة من قبل أفراد المجتمع بغض النظر عن الجنس و العرق و الدين و الطبقة. و تؤمن الديمقراطية الليبرالية حرية المعتقد و حق معارضة الحكومة القائمة و حماية المعارضة وحق تشكيل الحركات و الاتحادات المستقلة و الأحزاب السياسية و بالطبع حرية الملكية الخاصة التي لها تأثيرهام في تطبيق هذا النموذج . لقد إنتشرت الديمقراطية الليبرالية في الولايات المتحدة و أوربا الغربية ، و في اليابان و إيطاليا بعد إنهيار الفاشية الايطالية و العسكرية اليابانية بعد الحرب العالمية الثانية . و تنتشر الان في بقاع اخرى من عالمنا . و من البديهي أن نشير هنا الى أن الديمقراطية الليبرالية هي ليست نهاية المطاف في التجربة الأنسانية ، فحاجة الأنسان و التغيرات في آلية المجتمع ستبتدع بالتأكيد أشكالا أخرى .

- الديمقراطية التوافقية ، و هي أحد النماذج المقترحة لمعالجة مسألة المشاركة في المجتمعات التعددية أو المتعددة ، فهي خلافاً للديمقراطية التمثيلية ، لا تستند الى عناصر التنافس في البرامج و الأستراتيجيات ، و الأحتكام الى منطق الأغلبية الحاكمة والأقلية المعارضة و الأعتماد على اسلوب الاقتراع أو الأنتخاب كما هو الحال في الديمقراطيات القائمة و المستقرة في العالم ، بل تعتمد أساسا على إقامة تحالفات من مكونات سياسية منتخبة التي في الغالب تكون ممثلة لمجاميع طائفية و عرقية و لا تمثل برامج إجتماعية و اقتصادية . ان مثل هذا الأئتلاف يقوم حتى و لو كانت لأطرافها برامج متعارضة ، كي يتوفر لها فرص التمثيل و المشاركة في صنع القرارمن أعلى هرمه الى أسفله من دون الخضوع لسلطة الأغلبية .
فمن حق الأقلية أن تحتفظ بحق النقض أو الأعتراض كي تحد من هيمنة الأغلبية المنتخبة على صنع القرار ، و هو ما لا تتيحه الديمقراطية التمثيلية على الرغم من أعترافها بشرعية المعارضة و ضمان حقوقها الدستورية في النشاط و العمل من أجل التحول الى أغلبية بدورها . و يجري ممارسة هذا النمط في الغالب في الدول التي تعاني من الأحتقان العرقي و الطائفي . و هي ممارسة يمكنها أن تتفادى مؤقتا حالة المواجهة بين التكوينات السياسية و الأجتماعية و في الغالب عرقية و طائفية ، و لكنها لا يمكن أن تكون مستقرة و لا تحل القضية الأساسية التي تقر بشكل كامل بدور الشعب و صندوق الأنتخابات في أية عملية ناجحة و مستقرة في ممارسة الديمقراطية و إرسائها . و لعل ما عانته التجربة اللبنانية و تجربة السنوات السبع العراقية المنصرمة خير دليل على ذلك .
لقد شهد القرن الفائت أهم موجتين من تطلع البشرية نحو الديمقراطية. الموجة الأولى ترافقت مع نتائج الحرب العالمية الثانية وإنهيار أعتى الأنظمة الاستبدادية في العالم آنذاك أي الفاشية الإيطالية والنازية الألمانية والعسكرية اليابانية.
وإثرهذا الإنهيار إنتقلت القيم الديمقراطية إلى مرحلة جديدة من تغلغلها في وعي وممارسات البشر، وتأثيرها على أنظمة الحكم القائمة في العالم آنذاك.
أما الموجة الثانية فقد إقترنت بإنهيار نظام الحزب الواحد في أوربا الشرقية وما رافق ذلك من نزوع نحو الديمقراطية عمت أرجاء المعمورة. وتأثرت بهذه الموجة حتى الدول التي قطعت شوطاً في إقامة المؤسسات المنتخبة وفي إستتباب نظام الحكم الديمقراطي الليبرالي، ونقصد هنا الأنظمة الديمقراطية في الدول الغربية. لقد شكل إنهيار أنظمة الحزب الواحد مؤشراً على أن الديمقراطية كحاجة وكقيمة في حياة البشر وفي شكل المؤسسات السياسية الحديثة من أنظمة وأحزاب قد أحرزت إنتصاراً تاريخياً على الأشكال الأخرى من أنظمة الحكم. وكسبت الديمقراطية مشروعية الحياة السياسية الحديثة، فالقوانين والقواعد والسياسات أصبحت مبررة حيثما إستندت على الديمقراطية رغم الصعوبات والإشكالات أو الثغرات والمثالب فيها أو تلك التي إرتبطت بتطبيقاتها.
اليوم تعلن غالبية الحركات السياسية أنها ديمقراطية، وبما فيها قسم من التيارات الدينية التي كانت ترفض إلى وقت قريب مفهوم الديمقراطية باعتباره " بضاعة مستوردة " من الخارج لا تتناسب مع القيم الدينية، تبنيها للديمقراطية أو تسعى إلى الديمقراطية بغض النظر عن التفسيرات المتباينة بل وحتى المتناقضة لها. إن عدداً لا يستهان به من الدول قد تخلت عن النظم الاستبدادية وإنتقلت فعلياً إلى أنماط من الديمقراطية أو تتخذ خطوات تدريجية في هذا الإتجاه. كما أن الكثير من الأحزاب والحركات السياسية أخذت تدقق في برامجها بما يتفق مع القيم الديمقراطية في حياتها الداخلية أو في برامجها. ودفعت هذه الموجة بعض الأنظمة أوالحركات السياسية إلى خداع الرأي العام بتبني الديمقراطية. فنظام صدام حسين المخلوع، على سبيل المثال، سارع في ظل ضغط هذه الموجة إلى الإعلان عن نيته بإصدار قانون تشكيل الأحزاب، رغم عدم الشروع به والتلاعب به لأن كل دعواته تخدم أغراضاً لا علاقة لها بتغيير البناء الإستبدادي الفريد الذي كان قائماً في العراق.(2 )

جذور التجربة الديمقراطية في العراق


ورث العراق من الدولة العثمانية، شكل البناء الإستبدادي المغلف بالغطاء الديني والمذهبي الطائفي وتأثيره السلبي على وعي الناس وأفكارهم وممارساتهم . فالسيطرة العثمانية غرست تقاليد إجتماعية مستمدة من مفهوم حق الملوك الإلهي في الحكم. ولكن ينبغي الإشارة إلى أنه إلى جانب هذه التركة. فقد تأثرالعراقيون أيضاً بالأفكار التنويرية التي تسربت من أوربا والتجديد الذي طال الشعوب المجاورة؛ أي الشعب التركي وشعب بلاد فارس ( جمال الدين الأفغاني ) وبالحركات الإصلاحية في مصر وبلاد الشام (عبد الرحمن الكواكبي).
وقام بعض العراقيين بإقامة صلات مع هذه الحركات الإصلاحية والسياسية. فحركة " تركيا الفتاة " وثورتها على الطغيان وإعلان الدستور عام 1908، وهو ما عرف بالمشروطة التركية، نقلت إلى العراقيين مفاهيم جديدة كالإنتخابات والأحزاب السياسية وحرية الصحافة.
ويعتبر عام 1908 عام بداية تبلور إرهاصات الوعي الديمقراطي لدى العراقيين في العصر الحديث.
لقد تأثرت العناصر المتنورة " الأفندية " من الطائفة السنية بالإصلاحية التركية بالأساس، علماً أن المؤسسة الدينية السنية ظلت على علاقتها بالدولة أساساً جرياً على التقاليد الدارجة باعتبار ان الدولة كانت مصدر تأمينها إقتصادياً. ولهذا السبب شكلت النخبة الدينية السنيّة مع أنصارها جمعية " المشور " وكان هدفها الدفاع عن الشريعة المحمدية ومقاومة الأفكار اللادينية والتصدي لجمعية الاتحاد والترقي.
أما النخبة الشيعية فقد تأثرت أكثر بالحركات الإصلاحية التي عمت إيران أو بلاد فارس كما كانت تسمى آنذاك. فامتد الصراع الحاد الذي جرى في بلاد فارس بين أنصار" المشروطة " و" المشروعة " إلى أوساط الطائفة الشيعية وخاصة المؤسسة الدينية.
وإنقسمت المؤسسة الدينية وأتباعها في النجف وكربلاء إلى فريقين، أحدهما يدعو إلى المشروطة بزعامة ( الملا كاظم الخراساني )، وآخر يدعو إلى المشروعة بزعامة ( السيد كاظم اليزدي ). وإعتبر دعاة " المشروعة " (الملا كاظم الخراساني) كافراً. ووصل الصراع إلى حد أنه عندما يسمع أنصار " المشروعة " عن إنحياز أحد العلماء الـى " المشروطة "، فإنهم يدعون إلى الإنفضاض عنه، ويوجهون اللعنات إليه ويرفضون الصلاة خلفه. أما " الأفندية " والمتعلمون من الطائفة الشيعية فكان موقفهم إلى جانب " المشروطة "، وبادروا إلى تنسيق مواقفهم مع " الأفندية " من الطوائف الأخرى في إطار التوجه لتحديث المجتمع وبملامح ديمقراطية أولية.

وفي الحقيقة أنه في الفترة التي سبقت إندلاع الحرب العالمية الأولى، شهدت مدن العراق الرئيسية نقاشات واسعة حول مسائل سياسية وإجتماعية وفكرية واسعة ، إلاّ إن إندلاع الحرب سرعان ما كبح هذه النقاشات، وكبتت حرية الفكر وقمع هذا التيار الديمقراطي الوليد، وزاد من ذلك تنامي النزعات" الطورانية " للقيادة التركية الجديدة وتنكرها للدعوات التحررية وبالتالي توجهها لقمع أية تطلعات ديمقراطية للشعوب الخاضعة للإمبراطورية العثمانية.

إحتلت بريطانيا العراق بعد هزيمة الدولة العثمانية. و جرى تنصيب الملك فيصل الأول ملكاً على العراق.
ومهما قيل عن بيعة العراقيين للملك فيصل الأول، إلاّ أن الواقع الفعلي يدل على أن قرار بريطانيا بتنصيب الملك فيصل على عرش العراق كان هو الحاسم.
إن مبايعة الملك فيصل الأول إرتبطت بشرط إقامة نظام " المشروطة " الديمقراطي وإنتخاب " المؤتمر التأسيسي " الذي يسن القوانين والدستور في مدة ثلاثة أشهر من إستلام الملك لزمام الأمور. هذا إضافة إلى أن العاملين في الحركة الوطنية في الموصل أضافوا شرطاً آخراً هو ضرورة إنعقاد المؤتمر الوطني خلال ثلاثة أشهر. أما في منطقة كردستان فقد صوّت الكثيرون " لفيصل " بشرط المحافظة على حقوق الأكراد والأقليات. إلاّ أن هذه المطالب المشروعة إصطدمت بمصالح سلطات الإنتداب البريطانية والنهج الذي إعتمده الملك فيصل وحاشيته من العراقيين والعرب في إدارة البلاد.

تعدد أعراق

التركيب الأثني ينطوي على التنوع عند تشكيل الدولة العراقية، حيث يشكل العرب قرابة 70% من السكان والكرد 17% والبقية يتوزعون على الأقليات القومية كالأتراك والتركمان والآثوريين والكلدان والفرس والأرمن واليهود.
وضمن هذه التركيبة الأثنية، هناك تنوع كبير في الولاءات الدينية. فالعرب يتوزعون على الطائفة الشيعية والسنية والصابئة وفريق من المسيحيين وهذه الطوائف أيضاً بدورها تنقسم إلى فرق مختلفة وتعدد الطرق الحنبلية والشافعية والقادرية. أما الأكراد فبينهم السوراني والبهديناني والفيلي والشبك والمسلم السني أو الشيعي أو الأيزيدي. وكذا الحال عند التركمان حيث نجد الشيعي والسني على حد سواء. ولا يشذ المسيحيون عن هذه القاعدة حيث نجد بينهم من ينتسب إلى الكنيسة (النسطورية) أوالكاثوليكية أوالأرثودوكسية أو البروتستانتية. والحقيقة إن هذا التنوع الفريد هو سلاح ذي حدين، إذ يمكن أن يوفر ثراءاً روحياً وثقافياً وتسامحاً لدى سكان وادي الرافدين وقاعدة للإنتقال الى الديمقراطية من ناحية، ومن ناحية أخرى وفي ظل تجاهل هذه الخصوصية أو إستخدام السلطة لهذا التنوع لإثارة الخصومة بين السكان لفرض تسلطها طبقاً لمبدأ " فرق تسد "، فإنه يتحول إلى سلاح للإستبداد وللتطرف وعدم الإستقرار والمواجهات الدينية والمذهبية والعرقية، وبذلك يصبح معرقلاً لأي تطلع وتقدم نحو الديمقراطية.

معادلة حكم غير عادلة

ولقد إنتهجت سلطة الإنتداب والسلطة الملكية السبيل الثاني، حيث لجأت إلى تطبيق نمط الإدارة التركية القائم على نمط النقاء العرقي والطائفي، أي الإعتماد على النخبة من الطائفة السنية العربية التي لم تشكل في البلاد إلاّ نسبة 17% من السكان. وتبعاً لذلك أمسك نفس الطاقم العراقي والعربي الذي كان قد خدم الإدارة العثمانية بالحلقات الرئيسية لإدارة الدولة في العهد الملكي . فمنذ عام 1921 حتى عام 1958 أي عام سقوط الملكية، كانت 80% من المناصب الحكومية الحساسة (رئيس الوزراء، وزير المالية، الداخلية، الدفاع، الخارجية) بيد النخبة السنية. وخلال نفس الفترة شُكلت 23 وزارة شغل أربعة فقط من الشيعة منصب رئاسة الوزراء. وفي عام 1930 فقط، على سبيل المثال، كان هناك 13 متصرفاً (محافظاً ) من أصل 14 متصرفاً و 43 مدير قضاء من أصل 47 ينحدرون من أبناء الطائفة السنية. وهيمنت نخبة هذه الطائفة على إدارة المؤسسات الأمنية كالجيش والشرطة والأمن بحيث كان من النادر على أبناء الطوائف الأخرى إختراق هذه المؤسسات.
ولم يقتصر الأمر على الجانب الإداري بل تخطاه إلى الجانب الإقتصادي أيضاً. فالدولة وضعت أفضل أراضيها تحت تصرف المتنفذين من سياسيين وكبار العسكريين وملاك الأراضي من أبناء الطائفة السنَية بشكل أكثر من الطوائف الأخرى بحيث أصبح تحت حوزتهم حوالي 5,2 مليون دونم مقابل قرابة نفس المساحة للملاكين الكبار من الطائفة الشيعية. وبلغ الأمر حداً أن يعترف الملك فيصل الأول بهذا الواقع في حديث خاص له حيث قال :" إن الضرائب على الشيعي والموت على الشيعي والمناصب للسني ".
وطوى النسيان قضية حل المشاكل القومية (المشكلة الكردية والأقليات) وتنامت دعوات الانصهار الأثني مما أدى إلى لجوء الحكومة المركزية فى شن الحملات التأديبية كلما طالب هؤلاء بتحقيق مطاليبهم.
والمشكلة الأخرى التي ورثتها الدولة العراقية عن الدولة العثمانية والتي تهدد التطلعات الديمقراطية هي" العسكرتاريا ". فقد إنتقلت تقاليد الجيش العثماني على يد الضباط العراقيين والعرب الذين خدموا فيه، والذين تأثروا بالضباط من أعضاء " تركيا الفتاة " المولعين بالعنف وحبك المؤامرات، إلى الجيش العراقي منذ لحظة تأسيسه في عام 1921. وفرضت التقاليد المتعالية للمؤسسة العسكرية العثمانية على المجتمع، والزجر والجلد في الجيش العراقي.
ويكفي الإشارة إلى أنه منذ عام 1936 وحتى عام 1941 نظّم الجيش أو كان وراء سبعة تغيرات حكومية أو إنقلابات عسكرية (من إنقلاب بكر صدقي حتى إنقلاب العقداء الأربعة).
ومن اللافت للنظر أنه قد شارك عدد من الأحزاب التي ترفع لواء الديمقراطية في هذه الإنقلابات، رغم أنها سرعان ما تخلت عن دعمها للإنقلاب بعد أن أدركت عداء العسكريين لأي مظهر من مظاهر الديمقراطية. لقد إستخدم " العسكريون العراقيون " شعار الإستقرار والتحديث ومكافحة النفوذ الأجنبي كواجهة لتصفية المؤسسات الدستورية والديمقراطية المزيفة بدلاً من العمل على إزالة هذا التزييف واعتماد حكم المؤسسات المنتخبة. فهناك غالبية من العسكريين إعتبرت الحزبية شر وتفرقة والديمقراطية أمر منكر.
ولم تقتصر الإجراءات المعادية للديمقراطية على ذلك بل جرى عملياً تجميد مواد الدستورالعراقي الخاصة بالحريات العامة. فمنذ أوائل الثلاثينيات، صدر 27 مرسوماً للحد من تمتع المواطن العراقي بحرياته الديمقراطية وإشرافه على السلطة، بدءاً بالمرسوم المرقم 90 لعام 1931 والخاص بصيانة الأمن وضد الإضرابات في ظل وزارة نوري السعيد، ومروراً بمرسوم خطير رقم 62 لعام 1933 حول إسقاط الجنسية عن العراقيين في عهد وزارة رشيد عالي الكيلاني، ثم المرسوم السيئ الصيت والمرقم 16 لعام 1954 والذي أطلق عليه المواطنون العراقيون " مرسوم ما شاكل ذلك " بسبب عدم تقيّده بأي حدود لإنزال العقوبات الصارمة بالمعارضة. وأخيراً صدر مرسوم الطوارئ رقم 10 والصادر في عام 1956 والذي أمتد العمل به حتى سقوط صدام حسين في نيسان 2003.

هذه السياسة التي إتبعها النظام أعاقت إلتحام العراقيين وتعزيز روح المواطنة والهوية العراقية مما وفر تربة خصبة لانتعاش الميول الإستبدادية المعادية للديمقراطية لدى النظام.

من الملكية الى الجمهورية

قام الجيش بإنقلاب صبيحة 14 تموز على الحكم الملكي القائم لتستقبله بترحاب جموع المتظاهرين الشعبية على نطاق واسع.
وكان يؤمل لهذا التحول أن يعزز إقامة نظام ديمقراطي في العراق، إلاّ إن النظام الجديد فشل في تحقيق ذلك مما قاد البلاد إلى كارثة 8 شباط عام 1963 التي أرست تقاليد من العداء للديمقراطية و عززت الإستبداد والعنف العرقي والطائفي لم يشهده العراق، ومازال تأثير هذا الحدث قائماً حتى بعد سقوط الإستبداد في نيسان عام 2003. ويعود سبب هذا الفشل بالدرجة الرئيسية إلى عدم قدرة ونضج الحركات السياسية التي تعاونت على إنضاج البناء السياسي الجديد و تحديد معالمه بوضوح، والموقف من الديمقراطية تحديداً، وعدم قدرتها على إستيعاب مبدأ الرجوع إلى رأي الشعب في تحديد مستقبل هذا البناء.

ردة شباط و إنهيارالحلم

نجحت الردة في 8 شباط في لجم بوادر إرهاصات الوعي الديمقراطي في المجتمع العراق لمدة أربعة عقود، خسر خلالها العراقيون فرص الإستقرار السياسي والإجتماعي والبناء الاقتصادي. وأوقعت هذه الردة العراق في دائرة الركود والتجاذبات العرقية والطائفية، وهيمنة الفئات الهامشية والمتخلفة على مصادر القرارات، هذه الفئات التي تحولت إلى مجموعة إجتماعية طفيلية تنهب وتبتز الدولة وتشيع الفساد المتعدد الجوانب في حياة المجتمع العراقي دون حسيب أو رقيب. وبالطبع إن تسلق مثل هذه الفئات البعيدة عن عملية الإنتاج المادي لا يمكنها أن تلعب دوراً في تطوير أي شكل من أشكال الديمقراطية والرجوع في إدارة الدولة إلى رأي الشعب. وتحولت إدارة الدولة تدريجياً من يد مجموعة تدّعي أنها تمثل حزب، إلى ما يمثل الطائفة ثم العشيرة وتضيق إلى من يمثل العائلة كما حدث في أواخر حكم صدام. وهذا النمط من الحكم الغريب يثير دائماً الخوف والفزع لدى الحكام من إحتمال فقدانهم زمام الأمور، ولذا لا يلجأون إلا إلى طريق وحيد وهو صرف مبالغ طائلة من خزينة الدولة على تشكيل مختلف الأجهزة القمعية والمؤسسات العسكرية التي تتحدد مهمتها لا في الدفاع عن البلاد، بل عن كرسي الحاكم دون الرجوع إلى أي قانون أو مؤسسات منتخبة. وتتصرف هذه الفئات بشكل بشع وغير معهود مع المواطن العراقي المفترض أن يكون صاحب الرأي في إدارة شؤون البلاد. وهكذا تعرض العراقيون إلى أنماط من القمع خاصة في عهد صدام حسين لم يتعرض لها أي شعب على يد حاكمه مهما كان مستبداً. فالسلاح الكيمياوي والمقابر الجماعية والتهجير والتغيير الديموغرافي القسري ونهب المال العام وقمع كل الحركات السياسية والحظر على نشاطاتها، وبضمنها تلك الفئات البعثية التي كان تشكك في صحة هذا الطريق ولو بهمس، أصبح هو النهج الثابت للحكم الذي أكد في كل إجراءاته على أنه نظام معزول عن الشعب ومصاب بحالة من الرعب من احتمال أي تغيير في الحكم.
وأدى هذا النهج في الحكم إلى إشاعة أخطر ظاهرة مازالت تلحق الخراب بالبلاد وهي ظاهرة الفساد الذي شمل كل المؤسسات وبما فيها القضائية والأمنية والعسكرية. فالرشوة أضحت ظاهرة لا يسلم منها أي مرفق من مرافق الدولة. أما النهب والرشوة فأصبحا ملازمين لكل من يعمل في أي جهاز يتعامل مع العقود والتبادل التجاري، بل وحتى القضاء. ولم يكن من السهل على أي مواطن عراقي أن يزور دائرة حكومية أو أن يحصل على عمل فيها أو يتابع ملفاً أو عريضة له أو يحصل على جواز سفر دون أن يملأ جيبه برزمات من النقود يوزعها على هذا الموظف أو ذاك كي يحصل على ضالته. ومما هو أخطر من ذلك أن يصبح الفساد وسيلة لبيع آثارنا وممتلكات الدولة بل وحتى الضمائر وبيع العضلات إلى قوى خارجية مقابل مبالغ معتبرة يحصل عليها هذا العارض لبضاعته، وهو ما لاحظه العراقيون بشكل جلي بعد سقوط النظام السابق. فهذه الظواهر وظواهر أخرى مارسها النظام لا تؤسس لنظام ديمقراطي وممارسات ديمقراطية ولا لثقافة ديمقراطية ولا لبلد موحد، بل أسست لنظام وقيم مشوهة وهشة.(3)

التجربة الديمقراطية الوليدة في العراق الجديد
يمثل سقوط الدكتاتورية في 9 نيسان/ 2003 حدثاً مدوياً وانعطافة خطيرة في تاريخ العراقيين وتعديلاً نوعياً في مسار حياتهم السياسية والثقافية ، فمن هيمنة حزب بمفرده على مقاليد السلطة واحتكار فرص العمل السياسي إلى تعددية في الأحزاب والتيارات والفعاليات السياسية ، ومن صحافة اللون الواحد إلى طيف واسع من المنابر الصحفية والإعلامية، من الإدماج القسري للهويات المحلية إلى انبعاثها المشوب بالتوتر والريبة من تغييب الشعب عن ممارسة نشاطه السياسي او المهني أو الديمقراطي إلى المشاركة الفاعلة من قبل قطاعات واسعة في الإنتخابات التشريعية او الفعاليات المختلفة ، من التدهور المريع في مستوى الحياة المعيشية إلى الزيادات المحسوسة في دخول طبقات وفئات مختلفة من المجتمع وانفتاح أفق التحسن التدريجي في حياة الملايين، من عزلة البلاد الإقليمية والدولية إلى الانفتاح المستمر والتعاون الايجابي مع دول العالم ومؤسساته ومنظماته غير الحكومية .
القوى السياسية في العراق الجديد
في15 كانون الأول من العام 2005 جرت لأول مرة في تاريخ العراق الجمهوري إنتخابات حرة و شاملة شارك فيها الناخبون العراقية، بنسبة عالية جدا لم تالفها بلدان المنطقة .
و تشكلت القوى السياسية المشاركة في هذه الإنتخابات من :

الإئتلاف العراقي الموحد
و هو إئتلاف واسع يضم أكثر من 20 حزبا، لكن يهيمن عليه حزبين شيعيين رئيسيين هما حزب الدعوة الإسلامي الذي يتزعمه رئيس الوزراء إبراهيم الجعفري ( فيما بعد نوري المالكي )، والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق الذي يتزعمه عبد العزيز الحكيم. وقد حصل الإئتلاف العراقي الموحد على 128 مقعدا من 275 مقعدا في البرلمان الجديد في الانتخابات ، وكان بحاجة لعشرة مقاعد إضافية فقط ليحصل على أغلبية مطلقة. وشكل التحالف حكومة إئتلافية في الفترة الانتقالية بعد أن فاز بأغلبية ضئيلة من 140 مقعدا في الانتخابات السابقة التي أجريت في كانون الثاني العام الماضي. ودعا البرنامج الانتخابي للائتلاف إلى الوحدة الوطنية وتعزيز الدستور الجديد، ووضع نهاية للوجود الأجنبي في البلاد، وعدم تسييس مؤسسات الدولة وتشكيل حكومات إقليمية. ويبدو أن الائتلاف نجح مرة أخرى في حشد تأييد الأغلبية الشيعية في العراق إلا أن نجاحه تأثر على ما يبدو بقرار آية الله علي السيستاني أكبر مرجعية دينية عند الشيعة في العراق، بعدم الإعلان بوضوح عن تأييده. كما تعرض الائتلاف لانتقادات بسبب ضعف أداء الحكومة .
التيار الصدري \ تجمع الشبك العراقي \ منظمة بدر \ حزب التجمع الوسطي \ كتلة العدالة \ حركة حزب الله في العراق \ حركة العراقيين الديمقراطيين \ حزب الدعوة الإسلامي \ حزب الدعوة الإسلامي – تنظيم العراق \ حركة سيد الشهداء الإسلامية \ الإتحاد الإسلامي لتركمان العراق \ حزب الفضيلة الإسلامي \ تجمع العدالة و المساواة \ المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق \ العراق الحر \ حركة الموالاة التركمانية .
التحالف الكردستاني
يضم التحالف الكردستاني أكبر حزبين كرديين هما الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود برزاني، والاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة الرئيس العراقي الحالي جلال طالباني. والتحالف الكردستاني هو ثاني أكبر تكتل في مجلس النواب حيث حصل على 53 مقعدا، و شارك في الحكومة الائتلافية الحالية مع الائتلاف العراقي الموحد. كما تهيمن القائمة المشتركة للحزبين الكرديين على البرلمان الكردي. ويسعى التحالف الكردستاني إلى تمثيل المصالح الكردية وتعزيزها في البرلمان العراقي، وخاض الحملة الانتخابية تحت شعار " أصواتنا.. مستقبلنا ". ويدعو التحالف إلى الحرية والديمقراطية وتوسيع أفق المكاسب السياسية والدستورية لجميع العراقيين بغض النظر على انتماءاتهم العرقية أو السياسية أو الدينية.
وتضرر التحالف الكردستاني بانسحاب الإتحاد الإسلامي الكردستاني الذي شكا من همينة الحزبين الرئيسيين الكرديين على الحياة السياسية الكردية. وعلى الرغم من فوز الإتحاد الإسلامي الكردستاني على خمسة مقاعد في البرلمان الجديد، فإن التحالف الكردستاني تمكن من الاحتفاظ بأغلبية حصته من الأصوات في إقليم كردستان العراقي. وواجه التحالف منافسة أكبر في المحافظات ذات المزيج العرقي حيث أقبل السنة على الانتخابات بعكس ما حدث في الانتخابات التي سبقتها .
الاتحاد الديمقراطي الكلداني
الحزب الشيوعي الكردستاني
الحزب الديمقراطي الكردستاني
الجماعة الإسلامية الكردستانية/العراق
حزب العمل الكردستاني
الحزب الاشتراكي الديمقراطي الكردستاني
الاتحاد الوطني الكردستاني
حزب الإخوان التركمان/العراق

القائمة العراقية
القائمة العراقية الموحدة هي تحالف قومي علماني يضم أحزابا سنية وشيعية بقيادة رئيس الوزراء السابق إياد علاوي. ويضم الائتلاف حركة الوفاق الوطني بقيادة علاوي، والحزب الشيوعي العراقي بقيادة حميد موسى وحزب عراقيون بقيادة الرئيس السابق غازي الياور ورئيس البرلمان السابق حاجم الحسني، وتجمع الديمقراطيين المستقلين بقيادة السياسي المخضرم عدنان الباجه جي. ويقول التحالف إنه " يمثل جميع العراقيين وليس جماعة واحدة ". ويرغب التحالف في بناء دولة ديمقراطية علمانية حديثة تمتلك جيشا قويا وعلاقات طيبة مع جيرانها.
وشدد علاوي أثناء الحملة الانتخابية على سجل انجازاته عندما كان رئيسا للوزراء في الحكومة المؤقتة. لكن على الرغم من الحملة الانتخابية القوية وتأييد الولايات المتحدة له، لم يتمكن تحالف علاوي من الفوز سوى بـ25 مقعدا، أقل من نصف المقاعد التي كانت تشغلها أحزابه قبل الانتخابات الأخيرة.
الحركة الاشتراكية العربية
تجمع الفرات الأوسط
التجمع القاسمي الديمقراطي
الرابطة العراقية المستقلة
مجلس الشيوخ العراقي المستقل
الحزب الشيوعي العراقي
التجمع الديمقراطي العراقي المستقل
حركة الوفاق الوطني العراقي
التجمع الجمهوري العراقي
عراقيون
رابطة القبائل والنبلاء التركمان العراقيين
تجمع الولاء للعراق
القائمة الوطنية
حزب الوحدة الحر

قائمة المؤتمر الوطني العراقي
خاض المؤتمر الوطني العراقي بزعامة نائب رئيس الوزراء السابق أحمد الجلبي إنتخابات كانون الثاني عام 2005 كجزء من الائتلاف الشيعي الموحد، لكنه إنسحب من الائتلاف في تشرين الثاني عام 2005 بسبب الخلاف حول دعوة بعض الأحزاب لإقامة دولة إسلامية في العراق. وشكل الجلبي تحالفا يدعو إلى تشكيل حكومة ديمقراطية متعددة فيدرالية. ويقول الجلبي إن هناك حاجة لتوسيع العملية السياسية وتقديم خيارات جديدة للعراقيين. وبالإضافة إلى حزب الجلبي، تضم قائمة المؤتمر الوطني العراقي الحزب الملكي الدستوري الذي يضم الشريف علي بن الحسين واثنين من وزراء الحكومة المؤقتة. كما يضم الشيخ فواز الجربا أحد الأعضاء البارزين في الائتلاف العراقي الموحد. لكن من المثير للدهشة أن هذا التحالف لم يحصل على مقعد واحد على الرغم من برنامجه الانتخابي ومركز الجلبي.
التجمع الديمقراطي
جبهة العمل المشترك الديمقراطية
الحزب الوطني الديمقراطي الأول
القائمة المستقلة
الحركة الدستورية العراقية
الحزب الدستوري العراقي
المؤتمر الوطني العراقي
طارق عبد الحكيم الشهد البديري
حزب القرار التركماني


جبهة التوافق العراقية
شكلت ثلاثة أحزاب سنية جبهة التوافق وهي الحزب الإسلامي العراقي بزعامة طارق الهاشمي، ومؤتمر أهل العراق بزعامة عدنان الدليمي، ومجلس الحوار الوطني العراقي وهو تكتل من الأحزاب السنية بقيادة خلف العليان. لكن التحالف ينفي أن يكون توجهه طائفيا. ودعت الجبهة السنة إلى المشاركة في الانتخابات ورفضت مقاطعتها. وكانت غالبية الأحزاب السنية قد قاطعت الانتخابات البرلمانية السابقة. وتمكنت الجبهة من زيادة تمثيل السنة في البرلمان الذي كان يهيمن عليه الأحزاب الشيعية والكردية، وفازت بـ44 مقعدا في البرلمان الجديد. إلا أن الجبهة طعنت في النتائج في بعض المحافظات خاصة في بغداد، التي لم تحقق فيها مكاسب كبيرة. وشددت الجبهة على أهمية إنهاء " الإحتلال "، وتعزيز الهوية القومية العراقية وتشكيل لجنة لمراجعة الدستور الجديد. كما ترغب في إلغاء القوانين الخاصة باجتثاث البعثيين وحل القوات المسلحة العراقية.
الحزب الإسلامي العراقي
مؤتمر اهل العراق
مجلس الحوار الوطني العراقي

جبهة الحوار الوطني
شكل صالح المطلك كبير ممثلي السنة في لجنة صياغة الدستور العراقي سابقا، جبهة الحوار الوطني العراقية بالاشتراك مع فاخر القيسي وفهران الصديد في أيلول.وقال المطلك إن التحالف رفض الانضمام إلى جبهة التوافق التي تضم الأحزاب السنية لأن أحد أبرز أعضاءها وهو الحزب الإسلامي العراقي الذي أيد الدستور الجديد. ورفض المطلك الدستور الجديد حتى قبل إجراء استفتاء عليه. وتقول جبهة الحوار الوطني العراقية إنها ائتلاف غير طائفي يرغب في وضع نهاية للوجود الأجنبي وإعادة بناء مؤسسات الدولة. كما تعتزم التركيز على المشكلات الاقتصادية والأمنية التي يواجهها العراق. وحصلت الجبهة على 11 مقعدا في الانتخابات الأخيرة لكنها شكت من وجود عمليات تزوير واسعة النطاق ودعت إلى إعادة الانتخابات. ونظر المراقبون الدوليون في شكاوى الجبهة لكنهم قالوا إنه لا توجد ضرورة لإعادة الانتخابات.
الإتحاد الإسلامي الكردستاني
للاتحاد الإسلامي الكردستاني تاريخ طويل في تقديم أعمال خيرية وشن حملات انتخابية سياسية سلمية. وللجماعة علاقات وثيقة بالإخوان المسلمين. ويقود الإتحاد صلاح الدين محمد بهاء الدين منذ تشكيله في عام 1994. وكان بهاء الدين قد شارك في مجلس الحكم العراقي منذ يوليو تموز عام 2003 حتى يونيو حزيران 2004. وانسحب الإتحاد من التحالف الكردستاني قبل فترة وجيزة من الانتخابات الأخيرة احتجاجا على هيمنة الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني على السياسة الكردية. وحصل الإتحاد الإسلامي الكردستاني على خمسة مقاعد في البرلمان الجديد مما يجعله سادس أكبر تكتل في البرلمان
تكتل المصالحة و التحرير
يقود تكتل المصالحة والتحرير مشعان الجبوري رئيس حزب الوطن. وتلقى الجبوري تهديدات بالقتل لخوضه الانتخابات الأخيرة، وكان اثنان من زملائه بالحزب قد اغتيلا. ورشحته الأحزاب السنية لمنصب رئيس الجمعية الوطنية في مارس آذار عام 2005، لكن الائتلاف العراقي الموحد رفض ترشيحه بسبب صلاته بحزب البعث قبل أن يفر من العراق عام 1989. ويرغب التكتل في إلغاء قرار سلطة الائتلاف المؤقتة بتفكيك الجيش العراقي والشرطة وأجهزة المخابرات، ويريد إعادة جميع أعضاء النظام العراقي السابق عدا المقربين من صدام حسين. ويعتقد التكتل أن الهجمات المسلحة لن تتوقف طالما استمر احتلال القوات الأجنبية للعراق واستمرت السياسات المعادية للسنة. وحصل التكتل على ثلاثة مقاعد في البرلمان الجديد.
حركة الرافدين الوطنية بقيادة يوناديم يوسف كانا. و لديها مقعد واحد في البرلمان .
قائمة الأمة العراقية بقيادة مثال الألوسي و حاز رئيسها على مقعد واحد في البرلمان.
و من الحركات السياسية الأخرى التي شاركت في الإنتخابات لكنها لم تحظ بالفوز حتى بمقاعد في البرلمان هي :
حركة المجتمع الديمقراطي بقيادة حميد الكفائي.\ حركة الضباط والمدنيين الأحرار بقيادة نجيب الصالحي. \ تجمع عراق مستقبل بقيادة إبراهيم بحر العلوم. \ قائمة السلام الوطني العراقية بقيادة ليث كبة \ إئتلاف الوعد العراقي بقيادة رند رحيم فرانك. \ الإئتلاف الوطني الديمقراطي بقيادة عبد فيصل السهلاني. \ تجمع القوميين بقيادة حاتم جاسم مخلص. (4)
أمل جديد ومصاعب كبيرة
ترى الأنظمة المحافظة والتقليدية في الشرق الأوسط ،التغير الكبير الذي حدث في العراق و النهج الديمقراطي الذي تم تبنيه ، مصدر تهديد و خطر على وجودها و مسوغات إستمرارها . فهذه الأنظمة التي ورثت منظومة فكرية تاريخية ترتكز أساسا على معاقبة الخصوم السياسيين بكل أشكال القهر و الأقصاء و الألغاء من جانب و من الجانب الآخر مجافاة التغيرات الكبيرة التي تحدث في العالم . فمفاهيم التحديث و المعاصرة و الديمقراطية و اللبرالية تصور من قبل أنظمة الحكم هذه على أنها استهداف لحرمات المسلمين و تهديدا ً ل ( بيضة ) الأسلام و مكانته و إساءة للرموز المقدسة فيتوجب مقارعتها و رفضها باعتبارها رجسا من عمل شيطان (الغرب ) .
و كتحصيل حاصل إذن يجب بقاء الأسر الحاكمة والحكام الفاسدين و القابضين على مقاليد السلطة بيد من حديد و لأمد غير معلوم فذلك مقترن ب (إرادة) الله و تعاليم دينه !!
ان موقف أنظمة الحكم المحيطة بالعراق من الديمقراطية و نظام الحكم الجديد قد يبدو مفهوما بسبب الخطر الذي يتههدها منه ، لكن ما يثير الريبة هو موقف الحركات الأصولية و الأسلاميين المحافظين عموما سواء من اصبح في السلطة أو في معارضتها ، و ذلك في معارضتها لجوهر الديمقراطية المتمثل في حقوق الأنسان و وجوب صيانتها في العراق الجديد.
ان الخشية جل الخشية، أن القوى المزهوة بالسلطة و بالمناصب الحكومية و امتيازاتها وسط برك الدم و الفوضى و الخراب و الفساد المتفاقم لا ترى في الديمقراطية غير طريق الى السلطة و منافعها ، مدعومة بحشد كتل بشرية يتماهى من خلالها الغرض المقدس مع السياسي البرغماتي .
دورة انتخابية جديدة قادمة و يجدر هنا أن نورد ما كتبه "بول بريمر" الحاكم المدني الأمريكي في العراق عن تجربته يقول :
(خلال فترتي القصيرة في العراق لمست بإعجاب كبير القدرات التقنية الإستثنائية للعراقيين العاملين في الحكومة والصناعة أنهم يحتاجون فقط الفرصة لكي يضعوا هذه المهارات في خدمة العمل المنتج).
و يبقى إفق الديمقراطية في العراق حتى اليوم إفقاً مفتوحاً على إحتمالات عديدة ، و لكن يبقى الأمل وطيداً في أن يستمر نجاح هذه التجربة الرائدة في الشرق الأوسط فيعم نفعها على شعوب المنطقة جميعاً .
ahmad_alsaleh58@yahoo.com

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) موسوعة ويكبيديا على النت
(2 ) جذور الاستبداد وبذور الديمقراطية وآفاقها في العراق -عادل حبه
( 3) المصدر أعلاه
(4) موقع BBC على النت

Saturday, January 16, 2010

Friday, December 25, 2009

المواقع الصحفية العراقية على الأنترنيت - الخلاصة

والتعاون، فلم تعد الخرائط السياسية والحدود الطبيعية والتضاريس والبحار قادرة على منع الناس من التواصل و التفاعل عبر المحيطات و القارات، و ذلك بعد ثورة التبادل المعلوماتي الحرالذي يشهده العصر الحديث . إن رغبة الإنسان الأزلية، هي البحث عن الحقيقة، والتي لا يمكن الوصول إليها وإدراكها إلا من خلال "المعلومات" التي أصبح من السهل اليوم جمعها وربطها وإسترجاعها وتحليلها وبثها، فلقد مرت البشرية بقفزات وتحولات لم تقف حواجز المكان والجغرافيا بعد اليوم قادرة على تحدي نزعة الإنسان التواقة إلى الحرية والإنفتاح والتشاركتاريخية تغيرت فيها موازين النفوذ والقوة والثروة من عصر التدوين إلى عصر الورق و الطباعة، إلى عصر البث الإذاعي المسموع ثم المرئي، إلى عصر النشرالإلكتروني ، حتى وصلنا اليوم إلى عصرالمعلومات الذي تقاس فيه مكانة الأمم والشعوب من خلال مقدار ما تنتجه وتبثه وتستهلكه من معلومات، وما تمتلكه من مؤسسات وأدوات لإستخدام المعلومات التي تُعد المورد الوحيد غير الناضب.
إن قصة التطور التاريخي البشري، هي قصة تطور عملية الإتصال، التي يمكن تقسيمها إلى خمس مراحل هي: الكلام، والكتابة، والطباعة، والإذاعة(المسموعة والمرئية) وأخيراً شبكة المعلومات العالمية "الإنترنيت"، و هنا بدأت ملامح عصر الإتصال الإلكتروني، والتي من أبرز سماته إنفجار المعرفة وطوفان المعلومات.
أما في العراق الذي شهد في العقد الأخير من السنين أحداثاً جسيمة لعل أبرزها كان، إطاحة قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية بنظام "صدام حسين" في التاسع من نيسان 2003 ، و ما تلى ذلك من حراك سياسي وإقتصادي وإجتماعي فاعل إتخذ في كثير من الأحيان طابعا عنيفاً و دموياً، وكان لابد أن يعبرعن نفسه بشكل أو بآخر عبر وسائل الترويج و الدعاية و الإعلام لجميع الأحزاب و المنظمات والجهات الفاعلة في المشهد العراقي .
لقد كان النظام قبل سقوطه بسنين قليلة، قد سمح بإستخدام شبكة "الإنترنت" في العراق لبعض المؤسسات الحكومية ، وللمواطنين على نطاق ضيق جداً مع تعليمات و رقابة أمنية صارمة و عقوبات شديدة لمن يخرق هذه التعليمات .
وصفت مراسلة ال BBC الإذاعة البريطانية كيفية إستخدام "الإنترنت" في العراق تحت حكم النظام السابق في تقرير لها نشر في العام 2002 ، قالت :" من أول الأشياء التي يتعلمها الزائر الأجنبي الى العراق و عندما يدخل مركزا للإنترنت في بغداد، هو أنه لا يستطيع إستعمال بريده الإلكتروني، لإنه ممنوع الدخول إلى مواقع الخدمات البريدية على الإنترنت مثل "هوتميل" في تلك المراكز".
وتوجه شاشات الكومبيوتر في تلك المراكز نحو الجهة البعيدة عن الحائط، حيث يقوم مسؤولون حكوميون من دائرة الإنترنت بالرقابة والمشي ذهابا وإيابا.
ويذعر المسؤول إذا وجد شخص متلبساً يحاول دخول هذه المواقع، ويعمد إلى غلق جهاز الكومبيوتر فوراً ".

إنفتح المجتع العراقي في عهد ما بعد صدام ، على العالم الخارجي عبر وسائل الإعلام المختلفة فقد عمد العهد الجديد الى تبني الإنفتاح و الشفافية في تبادل المعلومات و حق الجمهور في الوصول اليها، كسياسة و مبادئ عمل ثابتة بما ينسجم مع مفاهيم الديمقراطية التي إلتزم بها أمام المجتمع الدولي ، مما دفع أعداد متزايدة من العراقيين للدخول الى شبكة الإنترنت و تصفح مواقعها ، و إزدياد أعداد المواقع العراقية الإلكترونية على الشبكة العالمية خاصة تلك التي تُعنى بالجانب الأعلامي و الصحفي .
إن التعريف بشكل موجز للأحداث السياسية التي جرت في العراق قبل الإطاحة بنظام صدام و ما بعده ، من جهة ، و التعريف بتاريخ النشاط الصحفي للعراقيين في داخل البلاد و خارجها ، من جهة أخرى ، يسّر خلفية مهمة للتعرف على واقع المواقع الصحفية الإلكترونية العراقية على شبكة "الإنترنت" اليوم ، وتقييم أداءها والتعرف على إتجاهاتها و ميولها و تأثيرها المتبادل في الواقع السياسي و الإجتماعي في العراق الجديد ، وهذا ما أهتمت به الدراسة.
فضلا عن تقديم الدراسة شرحاً وافياً عن شبكة "الإنترنت" منذ ظهورها و إنتشارها و طبيعة إستخداماتها، مع التركيز على إستخدامها لأغراض النشر الصحفي .
ثم إستخدام شبكة "الإنترنت" في العراق وسعة هذا الإستخدام، في عهد النظام السابق و ما بعده .
لقد اقبل المواطن العراقي على التعامل مع شبكة "الإنترنت" وإستخدمها للإطلاع على أخبار بلاده و التطورات الجارية في العملية السياسية والأوضاع الأمنية المتقلبة ، فإكتسبت المواقع الصحفية على الشبكة أهمية خاصة كمصدر مهم المتلقي العراقي .
و بموازاة هذا الإهتمام المتزايد من قبل العراقيين بشبكة الإنترنت ، أقدم منتجوا الأخبار و العاملين في الإنتاج الإعلامي والناشطين سياسيا، الى تأسيس العشرات من المواقع الصحفية الإلكترونية على الشبكة وهم يتسابقون اليوم للإستحواذ على سوق إعلام " الأنترنيت " في العراق و كسب المتلقي العراقي تبعاً لمصالحهم وغاياتهم و أجنداتهم .
قدمت الدراسة كشف تفصيلي لعدد المواقع الصحفية العراقية على شبكة الإنترنت وعرضت خطابها الإعلامي و السياسي و موقفها من الأحداث الجارية على الساحة السياسية العراقية و قيّمت ذلك الخطاب عبر بيان مواقفها وتعاملها مع الأحداث وطريقة معالجتها ، وحللت مضامين و دلالات التسميات و الألفاظ و المصطلحات المتداولة في الأخبار والتقارير المنشورة على تلك المواقع .
ان ما دعى الباحث لإختيارموضوع هذه الدراسة ، هو الفقر الواضح والبيّن في البحوث حول المواقع الصحفية العراقية الإلكترونية على شبكة "الإنترنت" في المكتبة العراقية والعربية.
كما أن الأعداد المتزايدة للمتصفحين العراقيين للمواقع الإلكترونية الصحفية العراقية على شبكة الإنترنت، في خضم العملية السياسية الجارية ، أصبح محط أهتمام كل القوى الفاعلة في العمل السياسي و الإعلامي في العراق الجديد ، اذ ان تبني الديمقراطية كنهج لإدارة الحكم في العراق الجديد إستوجب إيلاء أهمية قصوى للرأي العام و كسب أصوات الجمهور وهدف مثل هذا يتطلب بالقطع نشاطاً اعلامياً واسعاً و بارزاً ، يحتل النشر الصحفي على شبكة "الإنترنت" مكاناً مميزاً فيه .
تنوعت إتجاهات التحرير الصحفي في الصحف و المجلات في عراق العهد الجديد ، فظهرت صحف خبرية وصحف الرأي وصحف "الإنترنيت" التي تستقي كل مادتها الإخبارية والثقافية من الشبكة المعلوماتية، وظهرت صحف تعيش في الماضي بإجترار الذكريات الصحفية والسياسية في القرن العشرين، مع ظهور صحف شبابية وأخرى هزلية وصحف فضائح سياسية وصحف الإعلانات. وكان صدورالكثيرمن الصحف متذبذباً، بحيث توقفت الكثير من الصحف عن الصدور بعد فترة زمنية قصيرة . وركزت بعض الصحف على الخدمات البلدية والكهربائية والنفطية والإتصالاتية والمالية التي تقدمها الحكومة للشعب بالنقد ومتابعة آخرالآخبار، وهناك صحف أخرى دخلت في معركة جدل الهويات، وفي مدى أحقية ومظلومية كل حزب أو طائفة أو قومية وطلب التعويض على حساب الفئات الأخرى، وماتبع ذلك من تعدد الولاءات بتعدد الهويات الطائفية والقومية والحزبية. مع التعدد والتنوع الكبيرين في الصحافة ما بعد سقوط نظام صدام ، فإن هناك بالمقابل وجه آخر للعمل الصحفي في العراق في العهد الجديد تمثل في التهديدات والتحديات التي واجهها العاملون في هذا الميدان، مما جعل ممارسة العمل الصحفي في العراق من أخطر الأعمال على حياة العاملين .
إذ لم يشهد العالم بأسره وعلى الرغم من كل الحروب والكوارث التي عصفت بالعديد من الدول ما شهده العراق من استهداف للصحفيين ، يتمثل تارة بالإغتيالات التي تتم بسرعة وعن بعد, وتارة أخرى بالقتل الوحشي الذي ينفذ بعد نصب الكمائن وخطف الضحايا تحت تهديد السلاح. ومما يزيد من فرص الخطورة وتعقيد العمل الصحفي في العراق أيضا ما يتعرض اليه العاملون في الصحافة من ملاحقة وإعتقالات ومقاضاة بدعاوى كيدية وعلى نحو متواتر يثير القلق. الأمر الذي ينعكس سلباً بالتأكيد على حرية الرأي والتعبير وعلى إنسيابية حركة الاعلام والصحافة وبما يجعل حرية الصحافة في العراق تمضي صوب منزلق خطير. و تشير مصادر محايدة الى إن أكثر من 270 صحفياً وإعلامياً قد قُتلوا في العراق على مدى خمس سنوات منذ سقوط النظام السابق حتى العام 2008.
و من جانب آخر يعتبر العراق اليوم واحدًا من أفضل دول الشرق الأوسط والدول العربية في قوانينه الإعلامية التي أطلقت العنان للصحافيين في التعبيرعن آرائهم وإنشاء مؤسساتهم الإعلامية المقروءة والمسموعة والمرئية والتي كفل الدستور العراقي الجديد حريتها في التعبير.
أشارت الدراسة الى ظاهرة المدونون " البلوغرز " ومنافستهم للصحفيين في العمل الإعلامي ، فهناك أعداد متزايدة اليوم من هواة الكتابة والنشرعلى شبكة "الإنترنت" خاصة في المواقع التفاعلية . ومن المصادفات المثيرة أن أول من لفت الإنتباه الى ظاهرة "البلوغرز" على نطاق واسع عالمياً كان مهندساًعراقياً ، إبتدا نشر مدوناته على الإنترنت من بغداد مع بدء العمليات العسكرية للإطاحة بنظام صدام 2003 وما تلاها من أحداث .
تباينت المواقع الصحفية العراقية الإلكترونية بين موال للعملية السياسية الجارية بعد الإطاحة بالنظام السابق و بين رافض لها ، و عبّرت المواقع عن إنتماءاتها السياسية والطائفية والقومية بشكل واضح تبعاً للواقع السياسي و الإجتماعي القائم في عراق اليوم . إن الأعداد المتزايدة للمواقع الصحفية الألكترونية على الشبكة و إتجاهاتها و ميولها المختلفة و المتعارضة أحيانا ، قد تعبر عن حجم التشتت السياسي والديني والمذهبي والقومي الذي يعيشه العراق في ظل ظروف الفوضى التي شهدتها البلاد بعد الإطاحة بنظام الحكم المركزي الذي كان قائما في عهد صدام حسين ، لكن هذا الإختلاف و التباين من جانب آخر يعبرعن التعدد الواسع النطاق في أصل مكونات الشعب العراقي و تنوع ثقافاته و التي كانت على مر التاريخ مصدرغنى لثقافة الشعب عموما بدلا من أن تكون مصدر تفتت أو إحتراب خاصة عندما تتيسر ظروف إستقرارالأوضاع السياسية و قيام دولة قوية في البلاد .
بعد سقوط الدكتاتورية تحررت الصحافة العراقية من هيمنة الدولة لكنها سرعان ما وقعت في فخ الفوضى وباتت غالبيتها رهينة مواقف الأحزاب المختلفة فضلاً عن الشبهات التي تحوم حول مصادر تمويلها وما يتعرض له إعلاميون من قتل وتهديدات.
لقد عمد رافضوا العهد الجديد من أتباع النظام السابق و بعض قوى الإسلام السياسي المتشددة
الى إستخدام كل الوسائل الممكنة لتحقيق أهدافهم غيرالمشروعة ، ومنها الوسائل الإعلامية لدعم عملياتهم الإرهابية المعيقة للعملية السياسية السلمية الديمقراطية الجارية في البلاد، ولعل الكثير من الصحف و وسائل الإعلام الأخرى التي تثيرالفوضى وتشجع على إعاقة العملية السياسية الجارية في البلاد تتلقى تمويلا من جهات داخلية أو خارجية خفية و غيرشرعية، لا يسّرها إقامة العراق الجديد و لأسباب سياسية باتت معروفة .إن مصادر تمويل الصحف و وسائل الإعلام العراقية الجديدة تتصل بمدى إستقلاليتها وأخلاقياتها و مدى إلتزامها بالمهنية و من ثم بما يتعلق بتنمية و تطوير صناعة إعلام مستقل في البلاد ، و الذي يؤمل له أن يكون العلامة الأبرز والأهم في الحياة الديمقراطية في العراق الجديد.
إن إقامة صناعة إعلامية وطنية متطورة في العراق يسهم فيها القطاع الخاص بشكل مباشر و حيوي مع منظومة قوانين ضامنة و حامية ، سينتج عنها تحقيق عوائد مالية كبيرة للبلاد ، وستسهم بالتالي في تعزيز الديمقراطية و تنشيط العمل الإعلامي ذاته ، فضلاً عن الرخاء الذي سيتمتع به العاملين في هذا القطاع مما يعززإستقلاليتهم وعدم حاجتهم الى تمويل من مصادر مجهولة .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ahmad_alsaleh58@yahoo.com

Sunday, October 11, 2009

المواقع الصحفية العراقية الإلكترونية و المسألة العراقية *

أحمد الصالح تصدت جميع المواقع الصحفية العراقية لمجمل الأحداث والقضايا الجارية على الساحة العراقية منذ التاسع من نيسان 2003 و ما بعده ، و تناولتها بمختلف الفنون الصحفية المعروفة ، و تبعاً لتوجهات المواقع ومديات إلتزامها بأساسيات العمل الصحفي ، يمكن ملاحظة التباين الواضح بين مواقف المواقع و وجهات نظرها أزاء تلك القضايا والأحداث . و رغم تفاوت ظهور المواقع الصحفية على شبكة الإنترنت في أوقات مختلفة ، يمكن ملاحظة و تحديد إتجاهاتها وهويتها ، إذ أن معظم المواقع التزمت خطاباً اعلامياً و سياسياً محدداً قلما يتغير ، مع أن هناك مواقع تحاول التعامل مع مجمل الأحداث بمهنية و حيادية كما يستوجبها العمل الصحفي . و يمكن إعتماد معيار أساسي يتلخص في مجموعة من الأسماء و القضايا والأحداث التي جرت على الساحة العراقية و من خلاله يمكن الكشف عن طبيعة تعامل المواقع الصحفية مع هذا المعيار .. و فيما يلي عدد من الشخصيات والأحداث والقضايا المهمة التي رسمت معالم العهد الجديد في العراق ما بعد التاسع من نيسان 2003 ، و بيان طريقة معالجتها من قبل المواقع الصحفية العراقية : · ( صدام حسين ) تعاملت المواقع الصحفية مع شخصية " صدام حسين " بطرق مختلفة و متباينة ، فبعضها تعامل معها على أساس خلفيته السياسية و البعض الآخر تعامل معها على أساس مهني بحت . المواقع العائدة للأحزاب و الموالية سياسياً لأحد الأطراف المهتمة بالشأن العراقي ، تعاملت مع شخصية " صدام " على أساس خلفيتها و مرجعيتها السياسية، فالمواقع الإسلامية و العلمانية المعارضة لصدام و المؤيدة للعملية السياسية الجارية بعد إسقاط نظامه ، تصفه " بالدكتاتور " و " الطاغية " و " المستبد " و ما إلى ذلك من صفات سلبية ، في حين تصفه المواقع الموالية لنظام صدام و المواقع الإسلامية المعارضة للعملية السياسية الجارية بعد إسقاط النظام " بالرئيس الشرعي " و " الرئيس الشهيد " و غيرها من الصفات الإيجابية . أما المواقع المهنية فهي تتعامل مع صدام بوصفه رئيساً لنظام سابق أُطيح به و إبتدأ بعده بناء نظام آخر . · (عملية حرية العراق) هذه التسمية كانت قد أطلقتها الولايات المتحدة وحلفاؤها على العمليات العسكرية التي أطاحت بنظام صدام حسين في 9 نيسان 2003 و تم تداولها على نطاق واسع في وسائل الإعلام الأمريكية و الغربية . أما المواقع الصحفية العراقية فقد أنقسمت فيما بينها في التعامل مع هذه التسمية منها من تعامل معها إيجابيا وإستخدمها في بداية إطلاقها ثم إستبدلها بصياغة إيجابية أخرى مثل ( تحرير العراق ، و عملية إسقاط نظام الإستبداد ) و هذه هي المواقع المساندة لقوات الحلفاء والمؤيدة لها في إسقاط نظام صدام والتي ما زالت مؤيدة للعملية السياسية الجارية في عهد العراق الجديد . أما المواقع المعارضة لإسقاط نظام صدام والتي ما زالت معارضة للعملية السياسية الجارية في العراق الجديد، فإنها تعاملت سلبيا ًمع هذه التسمية وأستخدمت بدلاً عنها تسميات أخرى مثل ( إحتلال العراق ، والغزو الهمجي للعراق ... الخ ) و من هذه المواقع مَن تبنى نهجاً إسلامياً بشقيه السني والشيعي ، ومواقع أخرى تعود لحزب البعث و لمؤيدي النظام السابق ، وإن كانت توجهاتها غير إسلامية . · (إحتلال العراق) المواقع المساندة لقوات الحلفاء في الإطاحة بنظام صدام تعاملت سلبياً مع هذه العبارة و لم تستخدمها ، حتى صدور قرارمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في 16 تشرين الأول 2003 الذي جاء بالأجماع في منح " الشرعية الدولية " للإحتلال الأمريكي للعراق حسب لوائح الأمم المتحدة ، ثم بعد ذلك عادت لإستخدام تسمية "التحرير" بعد قيام الحاكم المدني " بول بريمر " بتسليم السيادة للعراقيين في 8 حزيران 2004 حيث صادق مجلس الأمن الدولي بالإجماع على قرار بإنهاء إحتلال العراق في 30 حزيران و نقل السيادة الى إدارة عراقية مؤقته . أما المواقع الرافضة لعملية إسقاط نظام صدام فهي ما زالت تتعامل إيجابيا مع تسمية " الإحتلال " و تستخدمها بشكل مركزي في خطابها الإعلامي حتى بعد تسليم السيادة للعراقيين و قيام الأمم المتحدة بإستصدار قرار إنهاء الإحتلال السالف الذكر . · ( محاكمة صدام حسين وإعدامه ) المواقع الموالية للعملية السياسية الجارية تعاملت إيجابيا مع محاكمة رئيس النظام السابق وتابعت وقائعها ، مع بعض الإنتقادات لمجريات المحكمة و ماعدّته بعض التجاوزات القانونية والتساهل الذي أبداه القضاة الذين توالوا على المحاكمة ، ثم أيدّت بشدة حكم المحكمة بإعدام صدام و عاضدته . أما المواقع غيرالموالية للعهد الجديد والتي ترفض العملية السياسية فهي أيضا رفضت المحاكمة و عدّتها باطلة و وصفتها بكونها " لعبة " من ألاعيب الإحتلال ، ودعت الى إطلاق سراح صدام ، ثم إستنكرت إعدامه في أول يوم العيد، وعدّته متعجلاً و مسيئاً للقيم الإسلامية التي يؤمن بها المجتمع العراقي والعربي . · ( الديمقراطية في العراق ) أبدت المواقع الموالية للعملية السياسية الجارية بعد إسقاط نظام صدام ، تأييدها و مساندتها للخطوات الديمقراطية التي تبناها العهد الجديد في جميع مراحلها من تشكيل مجلس الحكم الى الجمعية الوطنية الى الإنتخابات العامة الى الإستفتاء على الدستور وإنتخابات مجالس المحافظات ، و رغم أنها في العادة توجه إنتقاداتها لبعض الأجراءات والمناقشات التي تجري في مجلس النواب العراقي أو في جميع مفاصل العملية السياسية الجديدة ، لكنها تعد إنتقاداتها ضمن التوجه الديمقراطي العام للبلاد . أما المواقع الرافضة للعملية السياسية سواء كانت إسلامية متطرفة أوموالية للنظام السابق ، فإنها سخرت من الديمقراطية كمفهوم (مستورد) وغير قابل للعيش في بيئة إسلامية ، أو أنها عدّتها " مسرحية " من صنع الإحتلال لغرض صرف أنظار الناس عن (جرائمه) . أما المواقع "البعثية" فهي لا تعترف سوى بشرعية النظام السابق وترفض كل ما بعده . · (قوات الحرس الوطني) رحبت المواقع الموالية بتشكيل هذه القوات كبديل للجيش السابق و تعاملت معها إيجابيا و ساندت عملياتها القتالية ضد أعداء النظام الجديد . أما المواقع الرافضة للعملية السياسية فقد رفضت الإعتراف بهذه القوات و تعاملت معها سلبياً و أطلقت عليها تسمية " الحرس الوثني " بقصد تحقيرها و التقليل من شأنها ، بل ودعت الى محاربتها و القضاء عليها بوصفها " صنيعة الإحتلال ". · (القاعدة و " المجاهدين العرب ") المواقع الموالية للعملية السياسية، تعاملت مع تنظيم" القاعدة " وما يسمى " بالمجاهدين العرب " تعاملا سلبياً و وصفتهم بالإرهابييين المجرمين ، و إستنكرت عملياتهم القتالية و تفجيراتهم في أوساط المدنيين و تخريبهم المتعمد لمصالح العراقيين وعهدهم الجديد، و شجّعت على مقاتلتهم و القبض عليهم و تقديمهم للعدالة و أدانت دول الجوار التي سهّلت دخولهم للعراق أو ساندتهم إعلامياً و ماليا ً ، و تعرضت بعض المواقع بالنقد للمذهب " الوهابي " الذي ينتمي إليه تنظيم القاعدة من الناحية المذهبية الدينية . أما المواقع الرافضة للعملية السياسية فقد تباينت مواقفها من تنظيم القاعدة و مقاتليه ، و تبعاً لتطورات العملية السياسية و تتابع مراحلها الزمنية ، فهناك من ساند هذا التنظيم بشكل تام و وصف مقاتليه " بالمجاهدين " أو " المقاومين " ودعا العراقيين الى مناصرته ، و هناك من إنتقل بموقفه من تنظيم " القاعدة " من المساندة في الأيام الإولى للتمرد على العهد الجديد، ثم ما لبث أن إتخذ موقفا منتقداً للتنظيم ، و تحول فيما بعد الى الإستنكار والإدانه والدعوة الى مقاتلته على خلفية تطورات العملية السياسية و تغير مواقف بعض القوى والحركات خاصة في المنطقة الغربية من البلاد و خاصة أولئك الذين أطلق عليهم فيما بعد " بمجالس الصحوات " . · ( السيد السيستاني و المرجعية الشيعية) تعاملت المواقع الموالية إيجابيا مع المرجعية الشيعية و " السيد علي السيستاني " وعاضدتها في مواقفها الإيجابية من العملية السياسية و دعمها للإنتخابات و سن الدستور الدائم للبلاد ، و أثنت على أدائها في مواقفها المترافقة مع تطورات الأحداث ، و بعضها عظمّت من دورها و إعتبرتها الهادية والموجهة للجميع والحريصة على حقوق العراقيين جميعاً . أما المواقع الرافضة ، فقد تعاملت سلبياً مع المرجعية وأطلقت أقذع الصفات عليها وعلى السستاني و حملتها \ و حملته ، المسؤولية الأولى في" إحتلال " العراق ، و طالبت بإقصاء المرجعية و طرد رجال الدين الشيعة المنتسبين إليها بوصفهم غيرعراقيين و يحملون جنسيات أجنبية . ملاحظات و سمات نموذج الحكم الديمقراطي الجديد في العراق أتاح مساحة كبيرة من الحريات للعمل الصحفي و شرّع جملة تشريعات تضمن هذه الحرية و تحميها. فهل النشاط الصحفي الحرالذي يشهده العراق الجديد اليوم يحاكي النموذج الغربي للحرية الصحفية في الأنظمة الديمقراطية المعروفة ؟؟ و هل التشريعات و القوانين كافية لضمان حرية العمل الصحفي و تداول الأخبار بحرية في الصحافة العراقية ؟ إن المتابع و المراقب لأداء المواقع الصحفية العراقية على شبكة الإنترنت يلاحظ و بشكل عام ، جملة سمات أساسية فيما يتعلق في نشر الأخبار و أسلوب معالجتها : 1- إن معظم الأخبار المنشورة غير أصيلة و منقولة عن وسائل إعلام أخرى مثل وكالات الأنباء و قنوات التلفزيون و الإذاعات مما يفقدها عناصر التوقيت والسرعة والتشويق، و هذا يعني أنها أخبار جاهزة، و عيب هذا النوع من الأخبار أنها تكون دائما في متناول أيدي جميع الصحفيين بحيث لا يستطيع الصحفي أن ينفرد بنشرها دون غيره من الصحف . و الإعتماد كثيراً على وسائل إعلامية أخرى ، حتماً يخلق صحافة مزيفة و غيرأصيلة . 2- يغلب على الأخبار المنشورة طابع الإنتقاء والتمييز ليس على أساس القيمة الخبرية المرتكزة الى عناصر الخبر ، إنما على أساس سياسة الموقع و توجهاته السياسية والدينية المذهبية و الحزبية ، مما يفقد الموقع صفة الحياد الموضوعي الذي يستوجبه العمل الصحفي . 3- إرتفاع نسبة عناصر الإثارة والشهرة والأهمية و التشويق في المواقع الصحفية المنحازة حزبيا أو مذهبيا ، و إنخفاض نسبة عناصر التوقيت والمصلحة الإجتماعية والوطنية في هذه المواقع . 4- المواقع غير الحزبية تسعى الى إعتماد العناصر الأساسية في أخبارها المنشورة ، و تحاول تأسيس تقاليد مهنية صحيحة . 5- رغم التوسع الكبير جداً في العمل الصحفي الحر في العراق الجديد لكن يلاحظ إنحسار الأخبار المبدعة الأصيلة تلك التي يبذل المخبر الصحفي جهداً كبيراً في الحصول عليها و إستكمالها بالمعلومات الكافية . و قد يعود السبب في هذا الإنحسار الى تدهور الوضع الأمني في العراق و إستهداف الصحفيين بشكل خاص من قبل الجماعات الأرهابية و المسلحة مما أعاق الى حد كبير من نشاط المخبريين و المراسلين الصحفيين وعطّل حركتهم في الحصول على الأخبار الجديدة. إن تحسن الوضع الأمني سيعدل هذه الملاحظة و سييسر للمخبرين و المراسلين الصحفيين العراقيين في ميادين الأحداث، الفرصة في إنتاج أخبار أصيلة . 6- إنتشار الخبر المحرف على حساب الخبر الموضوعي في المواقع الصحفية الحزبية و المنحازة على أساس ديني مذهبي، فرغم أن الكثير من الأخبار المنشورة في هذه المواقع منقولة من وسائل إعلامية اخرى ، لكنها تتعرض الى إعتداءات تجعل منها أخبار محرفة ، مثل حذف بعض الوقائع لا بقصد الإختصار و إنما بقصد إخفاء هذه الوقائع عن القراء ! و إختلاق بعض الوقائع التي لم ترد بالفعل في الخبر عند نشره . و تضمين الخبر رأياً أو وجهة نظر لهدف التأثير بهدف معين ، و بذلك يتعرض الخبر الى عملية تشويه متعمدة تفقده موضوعيته من ناحية و دقته من ناحية ثانية . بحيث يصل الخبر الى القارئ لا كما حدث بالفعل في الواقع و إنما كما تريده الصحيفة أن يصل الى القراء، وهوالأمر الذي من شأنه تضليل القراء و خلق رأي عام موجه في المجتمع . و هوالشيء الذي يمكن أن ينعكس أخيرا في فقد القارئ لثقته في الصحيفة وفي موقعها، و هو أكبر عقاب يمكن أن يوجه الى صحيفة تريد أن تحترم إسمها ! 7- تميل معظم الشخصيات السياسية البارزة في العراق الجديد الى تزويد الصحف الأجنبية و العربية بالتصريحات على حساب الصحف المحلية ، مما يعرض الأخيرة الى شحة واضحة في الأخبار المبدعة الجديدة . و قد يعود سبب إهتمام الشخصيات العراقية بالوسائل الإعلامية غير المحلية و ذلك لسعة إنتشارالإولى و ضخامة إنتاجها ، بقدر كاف لإغراء الشخصيات في حصاد التأثير والشهرة ، لكن إتباع هذا النهج سيؤثر سلبياً على الصحف المحلية و يعيق نموها و تطورها و إنتشارها . 8- تهتم الصحف الحزبية و المنحازة سياسياً بأخبار الشخصيات أكثر من إهتمامها بالأحداث ، في حين تهتم المواقع الصحفية المهنية بشكل متوازن بين أخبار الشخصيات و الأخبار المستمدة من الأحداث . إن أهتمام المواقع الحزبية بأخبارالشخصيات، الغرض منه سرعة التأثير في أوساط القراء قليلي التعليم و الثقافة الذين يكونون في العادة شغوفون بمتابعة أخبار الشخصيات البارزة بدلاً من إشغال الفكر في تحليل الأحداث و تتبع تفاعلاتها ، كما يفعل القراء المثقفون و أصحاب التعليم العالي في العادة . 9- لا تشير الكثير من المواقع الصحفية الى مصادر الأخبار التي تنشرها مما يضعف مصداقيتها و يجعلها أقرب الى ترويج الإشاعات منها الى نشرالأخبارالصحفية ، ورغم أن الأخبار القليلة المصداقية من هذا النوع قد تلقى رواجاً في أوساط العراقيين في ظروف التوترالأمني و عدم إستتاب الأوضاع ، فهي في الواقع تمنح ( نجاحاً ) مزيفاً للصحف التي تروج هذه الأخبار \ الأشاعات ، و مع مرور الزمن و زيادة رقعة التنافس المتنامية بإضطراد فإن هذه الصحف سوف تفقد مصداقيتها لدى القارئ مما يؤدي بالتالي الى فشلها . الأخراج الفني للمواقع تنزع جميع المواقع الصحفية الإلكترونية العراقية الى إعتماد رموز عراقية مألوفة و متداولة بطوابعها المختلفة ، التاريخية و الجغرافية و التراثية و الفلكلورية ، و البيئية ، و السياسية . و تبرزها في صور أو أشكال مختلفة ، تعبر عن هوية الموقع الوطنية و إنتماءه السياسي و الفكري و الديني و المذهبي و الحزبي . بعض المواقع واكبت التطور المتجدد في الإخراج الفني وإستخدام التقنيات المستحدثة و البعض الأخر ما زال يعتمد الأشكال التقليدية و البدائية في العرض و الأخراج ، كل حسب إمكانياته المادية و حجم تمويله و كفاءة المشرفين على إدارته . فأدخلت بعض المواقع تقنيات حديثة ، مثل شريط الأخبار ، و الصور المتغيرة ، و الفلاش ، و بعضها إستضاف تسجيلات فديو أو تسجيلات إذاعية ، واعتماد التفاعلية مع القراء فضلاً عن إستضافة مواقع أخرى صديقة . و إستنادا الى نتائج مسح المواقع الصحفية الإلكترونية العراقية و رصد أستخدامها للتقنيات ، فقد لوحظ أن إستخدام المواقع للتقنيات الحديثة في العرض متفاوتة من حيث النوع و الكم ، و قد يعود ذلك الى حجم التمويل من جهة أو للمعرفة التقنية من عدمها لدى إدارة المواقع، بأهمية إستخدام هذه التقنيات لرفع مستوى التأثير في المتلقي و إيصال الخطاب بأقوى صوره . أكثر التقنيات المستخدمة شيوعاً في المواقع العراقية هي "الصور" ، و يعود ذلك لسهولة إستخدامها و قوة تأثيرها في إيصال الخطاب الى المتلقي خاصة عندما يكون الجمهور المستهدف على الأغلب قليل التعليم أو أنه لا يحفل كثيراً بالموضوعات المكتوبة تبعاً لطبيعة التصفح على الإنترنت الذي أتاح خياراً واسعاً جداً للمتصفح ، مما أبعده الى حدما عن التركيز على الكلام المكتوب و إنصراف ذهنه الى الصور و الأشكال المرئية التي تكون في العادة أكثر جاذبية و تأثير من الكتابة ، و قديماً قيل إن للصوة المنشورة تأثير على القارئ أكثر من ألف كلمة مكتوبة . يأتي إستخدام شريط الأخبار المتحرك بالدرجة الثانية في المواقع ، و هو يعبر عن مواكبة الموقع لآخر الأخبار و مستجداتها ، و التي تتطلب متابعة و تحديث مستمرين و المواقع تعمل في سوق منافسة قوي جدا على شبكة الإنترنت و بين وسائل الإعلام الأخرى خاصة القنوات الفضائية و الإذاعات ، التي تتسابق على نشر الأخبار الجديدة دوماً . قد يكتفي المتصفح لمواقع الشبكة اليوم في قراءة شريط الأخبار المتحرك ، فإن كان بقدر من الكفاءة و السعة و النضج و الدقة و السرعة في نقل و عرض الأخبار الجديدة سيكون عاملاً مؤثراً في كسب المتصفح لهذا الموقع و تفضيله على سواه . إستخدام تقنية الفلاش في المواقع العراقية ما زالت شحيحة ، ربما يعود ذلك الى حداثة هذه التقنية في الإستخدام عموما ، و قد تعمد المواقع العراقية الى إستخدامها مع مرور الزمن و تراكم الخبرة .

Thursday, October 1, 2009

الصحافة العراقية عند إسقاط صدام في 9 نيسان 2003 *

أحمد الصالح لم تتغير الخطوط العامة للسياسة الإعلامية لنظام الحكم السابق في العراق، في أيامه الأخيرة ، و التي إنتهجها منذ تولي" صدام" مقادير البلاد عام 1979 ، فرغم الضغوط الكبيرة التي كان يعاني منها الشعب العراقي و الرعب الذي إجتاح البلاد من مجاهيل الحرب القادمة التي بدت نذرها تلوح في الأفق ، و لم تزل الذكريات المريرة لحرب تحرير الكويت و الحرب الإيرانية ماثلة في أذهان الناس ، في حين أستمرت وسائل إعلام النظام في إتباع سياسة التجهيل و إخفاء المعلومات و كيل الإتهامات للخصوم و التزلف و التطبيل لرأس النظام و الدعاء له بالعمر المديد و الإنتصار على أعداءه . و كالعادة تصدر الإنتهازيون و المتملقون و الجهلة الصفوف و تولوا المناصب و سيطروا على المفاصل الرئيسية في ماكنة الإعلام الرسمي و غير الرسمي . يقول الأديب العراقي المعروف "عبد الستار ناصر": (جاءني الصديق الصحفي هاشم حسن برزمة من صحف النظام وقال : إقرأ .. وكان ذلك قبل التحرير طبعاً، إذا بي أمام كارثة حقيقية عنوانها الصحافة في العراق، طباعة رثة، وإخراج متخلف، وحروف مثلومة وصور باهتة وقصائد مضحكة ومقالات يرثي لها، وفي أعلى كل صحيفة وصية عجفاء من وصايا القائد (المحنك!) . ماذا تراني قرأت في كومة الصحف التي جاءت من بغداد؟ قرأت عن مأدبة إفطار أقامها المقاتل الكيمياوي علي حسن المجيد في ذكرى شهداء (النصر المبين!) ، وقيادة فرع (سيف القائد) تهدي سيفها ثانية إلي الرئيس بمناسبة التصدي للجيوش العالمية عام 1991 وجاءت الهدية من الرفيق (عكلة عبد صكر ) عضو قيادة قطر العراق، وقد وردت في كلمته وصف صدام بالمؤمن المجاهد، والجهبذ العبقري والمعلم الأول!! الجرائد العراقية تنشر صورة صدام وهو (يصلّي) في كربلاء والنجف الأشرف وما من أحد يمكنه القول: إن صدام هو الذي أمر بضرب كربلاء والنجف الأشرف، ذلك أن الصحافة العراقية تصدر تحت لمعان السيف والخنجر والسكين وأمام رائحة البارود وحبال المشانق، وكل من يعمل في صحف النظام يحيا بروح تقول (كلا) ولسان محكوم بالرعب لا يكرر غير (نعم ) وإذا اخترع الإنسان جهازاً يقرأ الأفكار لما كان مصير الصحفيين تحت حكم النظام المقبور غير الموت وبتر الأصابع واللسان .(1) إستمرت الصحف الحكومية اليومية وغيرالحكومية بالصدور حيث تتصدر صفحاتها الإولى يومياً صورة لصدام بغض النظر عن وجود خبر يتعلق بنشاطاته من عدمه و هذا سياق إعتمدته الصحافة العراقية منذ آب 1979 مما أفقد الصحف خاصية مهمة من خصائصها المهنية . و الصحف هي : (الثورة) وتصدر يوميا عن دار الثور للصحافة والنشر وهي ناطقة باسم حزب البعث الحاكم . (الجمهورية) و تصدر عن دارالجماهير للصحافة والنشر وهي جريدة حكومية رسمية . (العراق) وتصدرعن دارالعراق للصحافة والنشر وأوكل لها دورالنطق باسم الأحزاب الكردية الموالية للنظام التي لم يكن لها وجود أصلاً بعد فك التحالف (الكردي-البعثي) منذ السبعينات . (القادسية) وهي جريدة يومية سياسية منوعة تصدر عن وزارة الدفاع و يرافقها مطبوع آخر بإسم القادسية الأسبوعي ـ يصدر كل يوم أحد . و ( بغداد أوبزرفر ) و تصدر باللغة الإنكليزية عن دار الجماهير للصحافة . و ( البعث الرياضي ) و تصدر عن اللجنة الأولمبية التي يشرف عليها عدي صدام . و إستمرت مجلة (ألف باء) الأسبوعية بالصدور عن وزارة الثقافة والإعلام ، وهي مجلة عريقة سبق و أن صدرت في الستينات قبل إستلام البعث للسلطة لكن خطابها تغير بما يتماشى مع الخطاب الرسمي للنظام . و مجلة ( مجلتي ) المعنية بالأطفال و الصادرة عن دار ثقافة أطفال في وزارة الثقافة والإعلام . إلى جانب 24 صحيفة إسبوعية تصدرها النقابات والمنظمات المهنية والإتحادات الجماهيرية و ماتصدره المحافظات أيضاً التي كان يشرف عليها "عدي" منذ العام 1992 . فلقد سبق لعدي الأبن الأكبر لصدام أن أقام إمبراطورية إعلامية منذ أواسط الثمانينات عندما أصدر جريدة (البعث الرياضي) في ذلك الوقت و تضخمت الى حد كبير في مطلع التسعينات عندما ضم جميع الإتحادات الجماهيرية والمنظمات المهنية ( نقابة الصحفيين وإتحاد الأدباء ونقابة الفنانين وجمعية المصورين وجمعية الشعراء الشعبيين ...الخ )، تحت مظلة (التجمع الثقافي) الذي ترأسه وأشرف عليه ومن خلالها أصدرعدد كبير من الصحف الإسبوعية التي يفترض بها أن تكون ناطقة بإسم تلك المنظمات لكنها في الحقيقة مشاريع تجارية يعود ريعها الوفير الى حساب " عدي " الشخصي ، و ذلك من خلال الإعلانات و الصفقات المريبة التي كان يبرمها عبر ممثليه المشرفين على هذه الصحف مع دوائر الدولة أو مع الشركات التجارية الخاصة ، و قد ظهرت أسماء كثيرة من وكلاء " عدي " في الوسط الإعلامي والذين كان لهم دور في عقد هذه الصفقات بتوكيل منه شخصياً . حتى سقوط النظام إستمرت جريدة ( بابل) بالصدور اليومي وهي تصدر عن دار بابل للصحافة و النشر التي كان قد أسسها " عدي " بعد حرب الكويت في مطلع التسعينات و جهز لها موارد مادية و بشرية ضخمة بعد أن إستحوذ على إحدى مطابع و مباني ( دارالحرية ) الحكومية و أدرجها ضمن ممتلكاته الخاصة . و من تلك الصحف التي تعود ملكيتها الى " عدي " شخصياً : جريدة (نبض الشباب) والتي كان أول صدور لها بعد نجاة " عدي " من محاولة الإغتيال التي تعرض لها في العام 1996 حيث حاز " عدي " على لقب ( نبض الشباب!! ) ، و جريدة ( الزوراء ) و التي كانت تصدر عن نقابة الصحفيين، و جريدة ( ألوان) و مجلة ( الموعد ) وهما معنيتان بالنشاطات الفنية ، و جريدة ( الرأي ) والتي قدمت نفسها بخطاب إسلامي ينسجم مع توجه النظام في تلك المرحلة ، و جريدة (المصور ) و جريدة ( الإتحاد) و مجلة ( الرافدين ) الإسبوعية ، و مجلة ( المرأة ) و مجلة (صوت الطلبة )، و جريدة ( الزمن ) التي أريد لها أن تستقطب المثقفين العراقيين المهاجرين و الذين كانت مواقفهم معلنة و معروفة في معارضة النظام آنذاك . يقول " وجيه عباس " : ( ما بعد عام 2001 كُنت أدير بشكل كامل صحيفة (الزمن) الأسبوعية وهي ثقافية منوعة، أراد لها عدي صدام حسين أن تسحب عيون القارئ العراقي عن صحيفة (الزمان) اللندنية التي يديرها "سعد البزاز"، والتي كانت بحق البضاعة السرية الأكثر تهريبا لسواق طريق النقل البري، رئة العراقيين الوحيدة إلى الخارج آنذاك، طريق بغداد - عمان، ومدار بحث المعنيين بالصحافة الأهم من عراقيي الداخل، عبر شبكة الإنترنيت حتى حجبها بشكل كامل من الشبكة العنكبوتية في منتصف العام 2002، بل حجبها عن الوزراء أنفسهم ). (2) وإستمر تلفزيون العراق الرسمي ببث برامجه و إذاعة بغداد كذلك . و كذلك إستمرت قناة العراق الفضائية التي كانت قد تأسست في أواسط التسعينات في بث برامجها اليومية المعتادة . وإستمر تلفزيون الشباب و إذاعة الشباب بث برامجهما على مداراليوم ، وسبق للمحطتين أن أنشأهما " عدي " مطلع التسعينات بعد أن إستحوذ على ممتلكات القناة الثانية التلفزيونية الحكومية و إذاعة صوت الجماهير الحكومية أيضا وأدرجهما ضمن ممتلكاته الخاصة . تهجم شنيع من الأمور اللافتة في ذلك الوقت قيام جريدة (بابل) بالتعرض الى موضوع حساس جداً لم يجرؤ أحد ان يتناوله في العراق في جدل علني وفي صحافة رسمية . فقامت الجريدة – التي يمتلكها عدي صدام حسين - بالتهجم على ( الطائفة الشيعية ) بشكل مباشر و صريح و طعنت بمعتقادتهم و طقوسهم متغافلة ان ( الشيعة ) في العراق يشكلون نسبة الأغلبية من السكان. نعم ، لقد تعرضت جريدة (الثورة) الناطقة بإسم حزب البعث، في وقت سابق و في العام 1991 بعد القضاء على إنتفاضة الجنوب التي قامت بعد حرب الكويت و إنهيار الجيش و أنسحابه حينذاك . لكن الكاتب في حينها حاول أن يبطن كلامه ولا يصرح بشكل علني أنه يستهدف ( شيعة العراق) حصراً في التهجم و التشنيع، اما ما جاءت به جريدة ( بابل ) في أُخريات أيام النظام قبل سقوطه فهو تهجم صريح و يعبرعن موقف النظام من أبناء شعبه وبطريقة إستفزازية لعلها تبرر لنا الكثير من المظاهر التي برزت بعد سقوط النظام . ( نشرت جريدة (بابل) مقالة تحت عنوان (طقوس عاشوراء عند الرافضة) في عددها الصادر في العاشر من نيسان (ابريل) الماضي. إن هذه المقالة الإستفزازية قميئة فعلاً بكل إدانة وإستنكار وهي إن دلت علي شيء فإنما تدل علي مستوي الخواء الفكري والسياسي لصحف النظام والناطقة باسم بعض رموزه.إن الفقرات النـزيرة التي نقلتها جريدة عراقية معارضة تصدر في لندن عن جريدة (بابل) تقطر في الحقيقة سماً طائفياً متخلفاً، هو الوجه الآخر للقطران الطائفي الذي راح يفوح ويفيض من البرامج والبيانات الطائفية من الجهة المقابلة والتي تريد وإن أنكرت ذلك علناً وتكتيكيا إقامة إتحاد للإمارات الطائفية المتذابحة في العراق. ففي مقالته يذهب كاتب (بابل) الذي إمتشق لغة طائفية سقيمة سادت في عهد المماليك وما قبله من عصور الإنحطاط الحضاري التي أعقبت سقوط بغداد علي أيدي المغول وصعود نجم السلاجقة الترك فيستعمل كلمة (الرافضة) جمع (الرافضي).في النـزر اليسير الذي أقتبس عن تلك المقالة المفعمة بالسوء، نقرأ، أن الكاتب (البابلي) يشنع على أغلبية المجتمع العراقي من الطائفة الشيعية بأنهم (أبناء زنى لأنهم يبيحون العلاقات الجنسية المحرمة (وأن مزارات أئمة الشيعة - وهم جميعا من أحفاد النبي العربي الكريم كما يعلم القارئ -وعتباتهم المقدسة هي أماكن للاختلاط الجنسي بهدف التكاثر السكاني..) و(أن الشيعة أو الرافضة حين يبكون خلال طقوس عاشوراء فهم لا يبكون علي الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب وإنما يبكون مصيرهم ومصير أجدادهم الخونة الذين خانوا الله ورسوله والصحابة..) فهل ثمة تشنيع طائفي أكثر بذاءة وحقدا علي ملايين العراقيين من هذا؟) (3) إختراق و إضطراب و من الفعاليات المبتكرة لمعارضي نظام صدام آنذاك ان قامت احدى صحف المعارضة بطبع إحدى أعدادها بترويسة ومانشيت صحيفة (بابل) التي يصدرها عدي صدام وأرسلت خمسين ألف نسخة منها الى بغداد وتم توزيعها هناك ونفدت خلال ساعات حيث استبشر المواطنون عندما اكتشفوا أن عنوان الصحيفة (بابل) لكن موادها ضد نظام صدام ولما علمت أجهزة النظام بهذه الفعالية أعلنت حالة الطوارئ بين صفوفها ولكن بعد فوات الأوان · ليس هذا فحسب بل إن هناك مجاميع قصصية وشعرية معارضة لكتاب وشعراء عراقيين في داخل العراق أخذوا يطبعون مؤلفاتهم بشكل سري وبطريقة التصوير ويوزعونها على المواطنين وبعضها يرسل الى خارج العراق· في أواخر أيام النظام و قعت أجهزته الأمنية و العسكرية في إرتباك و اضطراب كبيرين إنعكس بالتالي على أداء منتسبيها الذين أخذوا يبحثون عن ملاذ آمن لهم بعد أن تسربلت لهم القناعة أن النظام زائل لا محالة في الحرب القادمة .. إن ما ورد في مذكرات الطبيب الشخصي لصدام وأسرته الدكتور الجراح "علاء بشير" و التي نشرها في كتاب بعنوان ( كنت طبيباً لصدام ) يشير بدقة الى التردي الكبير الذي وقع فيه النظام و رجاله . يقول بشير : ( كانت مظاهر الإنهيار تطالعنا واضحة في كل مكان، ففي أماكن متزايدة من بغداد بدأت مياه الصرف الصحي في ملء الشوارع من الرصيف إلي الرصيف. كان الماء يصعد من الأرض ولا أحد يعرف من أين. كان طفح مياه الصرف الصحي يحدث دائما بالطريقة نفسها فقد كان يصيب الحي تلو الآخر بالتناوب وعندما استقصيت هذه الظاهرة عرفت السبب: لقد أصاب جنون الفساد قطاع الصرف الصحي ببغداد أيضا. عندما تطفح مياه الصرف الصحي في مكان وتملأه كان الناس يذهبون للمهندس المسؤول في الإدارة المختصة، وهناك كان الفني المسؤول متواجد دائما وفي مقابل رشوة مناسبة يقوم بتحويل مياه الصرف الصحي إلي حي سكني آخر.. كانت هذه تجارة مربحة. لقد إمتد الفساد في كل المجتمع العراقي ولم يتوقف امتداده حتي في الوسط الأكاديمي فقد ازدادت الحالات التي يأخذ فيها المدرسون والأساتذة ــ الذين لم تعد الحكومة قادرة علي دفع رواتبهم ـ الرشاوي من تلاميذهم وطلابهم من أجل مساعدتهم علي إجتياز إختبارات القبول أو الإمتحانات. بدأت الجامعات والمعاهد العليا في العراق التي كانت تعمل علي مستوي عال وتبعاَ للنموذج الإنكليزي، بدأت مثلها مثل كل شيء في المجتمع العراقي في الإنهيار وقد ساهمت الطبقة الحاكمة في هذا الإنهيار، فقد ظهرت على كثير منهم فجأة عقد الإحساس بالنقص لأن الأعضاء الشباب في حزب البعث بدأوا في الترقي. وكان معظمهم من الحاصلين علي الشهادة الجامعية ودرجة الدكتوراه من جامعة بغداد. وكان معظم المقربين من صدام من الحاصلين علي شهادة إتمام التعليم الابتدائي أو الثانوي على الأكثر. )(4)و قد إنعكس هذا الإضطراب على الصحافة و وسائل الإعلام الرسمية و غير الرسمية التي لم تعد مقُنعة لمتلقيها العراقي و الذي أخذ يتخلى عنها تماماً و ينصرف لتلقي الأخبار و المعلومات من مصادر أخرى خاصة تلك المعارضة للنظام . لقد كان رأس النظام و أفراد إسرته يعيشون في عالم آخر غير مشغولين بمصير الشعب و البلاد و غير مشغولين حتى بمصائرهم الشخصية لقناعتهم أنهم سينجون من الحرب القادمة كما نجوا و نجا نظامهم في حروب و أزمات سابقة . ان ما ورد في مذكرات الدكتور الجراح "علاء بشير" ، يدل بوضوح على أنماط تفكير و سلوك بعض أفراد أسرة صدام قبل أيام من بدء العمليات العسكرية التي أطاحت بنظامه . يقول الدكتور علاء : ( في السادس من كانون الثاني تم إلغاء العرض العسكري الذي يقام عادة في عيد الجيش. فقد اصبح من الواضح لكل مواطن عراقي عاقل أن العد التنازلي للحرب ضد أميركا وبريطانيا قد بدأ وأن العراق ليس لديه أي قدرة علي المقاومة. وبينما كان المفتشون يبحثون بلا جدوي عن أسلحة الدمار الشامل في العراق التي لم تكن بحوزة صدام، وبينما كانت التهديدات تنهال علينا من واشنطن ولندن، إذا ب " قصي " الأبن الأصغر لصدام يطلبني إلي بيته. فإبنته ذات الخمس عشر سنة لم تكن راضية عن أنفها، وطلبت مني الأسرة أن أعدله. فبينما تدق طبول الحرب علي مشارف العراق كانت عائلة صدام منشغلة بمثل هذه الأمور. وعلى أي حال فقد كانت عملية بسيطة، قد أجريتها آلاف المرات في مستشفي المنصور من قبل. وفي اليوم التالي طلبت إلي بيت" رغد" ابنة صدام زوجة "حسين كامل" فقد كانت ابنتها، حفيدة صدام ذات الستة عشر ربيعا، "حرير"، تريد تجميل أنفها هي الأخري. وكأنهم لم يكتفوا بذلك.. فقد اتصلت بي بعدها أخت زوجة قصي للسبب نفسه. وفي الخامس عشر من شباط كنت قد انتهيت من الثلاث عمليات. وقد لفت نظري أن عائلة صدام لم تكن تدرك ما ينتظرها وما تعنيه الحرب وما ستجلبه عليهم. لم يكن تقييمهم للأمور سليما كما ظهر لاحقا فيما بعد. في الثالث عشر من شهر مارس قبل بدء الحرب بأسبوع أجريت آخر فحص علي مريضاتي الثلاث. ولفت نظري اختفاء جميع النجف والأثاث الإيطالي من بيت قصي في الجادرية وبدا البيت شبه خال. كان للموت رائحة في ذلك المكان. أما وطبان أخو برزان و صدام فقد أرسل لي قبلها بأيام داعرتين من صديقاته بصحبة أحد حراسه، أرادت أحداهما تصغير صدرها والثانية تعديل عظام الحوض حيث كانت فعلا كبيرة الحجم فأجبتهما أن الوقت غير مناسب تماماً لأن البلد يستعد لخوض الحرب. وغضبتا جداً عندما أرسلتهما دون تلبية رغبتهما. اتصل بي حارس وطبان بعدها بيوم قائلا: «إن رئيسي يسألك ماذا إذا كان من الممكن أن تساعد الفتاتين بالرغم من ذلك»؟ فأجبته: لآلقد وصلت حياة وطبان إلي هذا المستوي المتدني فلم يعد يشغله غير الخمر والراقصات والداعرات. وكان هذا هو وضع سبعاوي أيضا، الأخ الأكبر لبرزان.)(5) بهذه الأجواء دخل العراق الحرب مع قوات التحالف الدولي فكان من الطبيعي أن يحصل الأنهيار الكبير الذي شهدناه لنظام صدام و بهذه السرعة ، و ذلك يفسر صمت أغلبية الشعب العراقي و عدم مقاومته للقوات الغازية و التي رفعت شعار التحرير للشعب من الدكتاتورية و الإستبداد . و كانت الصحافة بإضطرابها و ترديها المريع في أخريات أيام النظام تعبر تعبيراً صادقا عن حال النظام و مدى ترديه و إرتباكه و ضعفه . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) جريدة الزمان اللندنية - بهدؤ رجاءاً - متي سنصدق ما جري؟ - عبد الستار ناصر- مايس 2003(2) وجيه عباس- صحفي عراقي- مقالة على النت (3) جريدة ابن الرئيس والتهجم علي الطائفة الشيعية - إستفزازات ضد العراقيين جميعاً.. وليس طائفة بعينها - علاء اللاميجريدة (الزمان) العدد 1317 التاريخ 2002 -9– 20 (4) كنت طبيبا لصدام _ الدكتور علاءع
بشير الطبيب الشخصي لصدام حسين (5) المصد

الصحافة العراقية ما بعد التاسع من نيسان 2003 *

أحمد الصالح مع إسقاط نظام صدام في التاسع من نيسان عام 2003 إبتدأ عهد جديد للصحافة العراقية شهدت فيها تحولات كبيرة ، ولعل كان أبرزها هو رفع جميع القيود التي كانت مفروضة عليها في ظل النظام السابق ، فظهرت أثر ذلك، العشرات من الصحف و المجلات اليومية و الأسبوعية، كما دخل البلاد، العشرات من المراسلين الأجانب لوكالات الأنباء و التلفزيون و الإذاعة و الصحف، وأصبح العراق ورشة عمل صحفي كبرى يحسب لها حساباً على المستوى العالمي بالنظر لجسامة الأحداث الجارية على ساحته ومدى إهتمام العالم بأجمعه بتلقي أخباره و متابعة تطورات العمليات العسكرية و السياسية الجارية فيه ، خاصة وان سلطات الحاكم المدني لقوات الأئتلاف الدولي في البداية ثم السلطات العراقية الوطنية فيما بعد، قد وفرت أجواء الحرية و فتحت الأبواب واسعة أمام الجميع لممارسة العمل الصحفي و النشر بكافة أشكاله و أنواعه ، إنسجاما مع إلتزامات رجال العهد الجديد بالنهج الديمقراطي وأعترافهم بحق الجمهور بالأتصال و تلقي المعلومات عبر وسائل الأعلام المتعددة، دون قيد أو شرط . إلغاء وزارة الإعلام وإستحداث الهيئات المتخصصة بعد ما يقرب من إسبوعين من الإطاحة بنظام صدام ، وفي 23/4/2003 أقدم الحاكم الأمريكي المدني لسلطة الإئتلاف "بول بريمر" على حل وزارة الإعلام العراقية ، والتي كانت جزأ ًمن المشهد السياسي العراقي لما قبل الحرب ، وتم تسريح كل موظفيها إسوة بوزارة الدفاع و المؤسسات القريبة من مركز القرار للنظام السابق، وإثر ذلك القرار تغير المشهد الإعلامي في العراق رأسا ًعلى عقب و قطع صلته بالكامل بما كان عليه قبل سقوط النظام ، فإنتقلت الفعالية الإعلامية من مرحلة الإعلام المُحتكر من قبل سلطة الحاكم المستبد والموجه بإتجاه واحد متمثلاً بعدة صحف وثلاث قنوات محلية وفضائية واحدة، إلى إعلام متحرر من كل القيود وغير منضبط على مستويي الكم والنوع ، فوجدت وسائل الإعلام العراقية نفسها فجأة في مواجهة وضع جديد لم يعشه العراق طيلة الـعقود الماضية كما لاتوجد تجربة مشابهه له من قبل، في الشرق الأوسط أو في العالم العربي . فبعد الرقابة الصارمة التي كان النظام السابق يمارسها في إدارته لمختلف وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة والتي كانت أشبه بنوع من أنواع الدعاية والوصاية، أصبحت الساحة الإعلامية في العراق متاحة لكل مَن يريد أن يصدر جريدة أو يُنشئ إذاعة أو يؤسس قناة تلفزيونية من دون رقيب، وبالتالي أفرزت هذه الأوضاع عددًا من الظواهر تجسدت في البداية بشكل أو بآخر في حالة من الفوضى والإنفلات الإعلامي، و أبرزت عدداً هائلاً من الصحف والمنشورات أول الأمر، كإحدى معالم المشهد الاعلامي العراقي الجديد - لسهولة إنتاجها وتوزيعها- حتى تراوح عددها من 180 إلى 200 صحيفة يومية وأسبوعية، وأخرى نصف أسبوعية وشهرية، وكذلك صحف تصدر بين يوم وآخر، متباينة في التوجهات السياسية والأيديولوجية، والمذهبية و القومية، و كل منها تتبع الجهة الصادرة عنها، لتتوسع الأمور فيما بعد إلى عدد من الإذاعات و القنوات التلفزيونية المحلية العاملة على نطاق البلد أو على نطاق كل محافظة من محافظات البلاد.ولتنظيم هذه الحركة الإعلامية أصدر الحاكم المدني السابق للعراق "بول بريمر" قرارين الأول بتاريخ 20/3/2004 ويحمل رقم 65 وهو القرار المؤسس لـ"الهيئة الوطنية العراقية للاتصالات والإعلام"، أما القرار الثاني فهو الأمر رقم (66) بتاريخ 20/3/2004 والذي ينص على تأسيس "الهيئة العراقية العامة لخدمات البث والإرسال". وهذان القراران كانا يهدفان إلى توفير الهيكلية القانونية والإدارية لتفعيل أهداف ووظائف وآليات عمل الإعلام العراقي الجديد . فأصدرت "الهيئة الوطنية للاتصالات والإعلام" فيما بعد مجموعة من التوجيهات العامة حول قواعد ونظم التغطية الإعلامية، كما أصدرت "اللائحة المؤقتة لقواعد البث الإعلامي " بشقيه الحكومي والخاص. أما "الهيئة العراقية العامة لخدمات البث والإرسال" فهي الجهاز الحكومي الوحيد المؤهل لعمليات البث الإذاعي والتلفزيوني في العراق والتي تشرف على "شبكة الإعلام العراقي" التي تُعد اليوم أكبر مؤسسة إعلامية عراقية ممولة من قبل الدولة وتضم عدد من القنوات التلفزيونية و الإذاعية المتخصصة و عدد من الصحف و المجلات و أستقبلت عدد كبيراً من موظفي وزارة الإعلام و مؤسساتها المنحلة السابقة فضلاً عن أشغالها لعدد من مباني و منافع الوزارة المنحلة.وقد ولدت فكرة إنشاء هيئة الإتصالات والإعلام خلال مؤتمر دولي عقد في العاصمة اليونانية أثينا في حزيران 2003، فقد إعتمد ذلك المؤتمر إطاراً وثائقياً لإصلاح الاعلام العراقي عُرف لاحقاً بـ "إطار أثينا" والذي شكل الأساس لقانون إنشاء الهيئة بعد تشاور الحاكم الاميركي المدني " بول بريمر" مع مجلس الحكم العراقي وإختصاصيين عراقيين في قطاعي الإعلام والإتصالات.و أُنيطت بالهيئة الوطنية العراقية للاتصالات والإعلام المهام التالية :- تنظيم البث وشبكة الإتصالات العامة والخدمات، ويشمل التراخيص والتسعير والربط الداخلي. - وتحديد الشروط الأساسية لتوفير الخدمات العامة وخدمات الإتصالات الدولية. - و تخطيط وتنسيق وتوزيع وتحديد إستعمال ذبذبات البث، وتنظيم مضامين الإعلام. - وتطوير آليات الصحافة المطبوعة، ووضع وتطوير وتعزيز قواعد الإعلام الخاص بالإنتخابات، - ودعم وتشجيع التأهيل المهني، وإعتماد توجيهات السلوك المهني على مواضيع الإعلام، - وتطوير ونشر سياسات إتصالاتية وإعلامية، وإقتراح القوانين على الحكومة والجهات المعنية في هذا الشأن. يتشكل المجتمع الإعلامي العراقي في الوقت الحالي من أكثر من 200 جريدة ومجلة بين يومية وإسبوعية وشهرية وغيرها. وما يقارب 50 قناة تلفزيونية بين فضائية وأرضية وأذاعية ، تتوزع على لغات البلد الرئيسية (العربية، الكردية، التركمانية والسريانية ). مثلما تتوزع على ألوان الطيف العراقي الأثني والديني، كما تتوزع على أراضي محافظاته، حيث توجد قناة تلفزيونية أرضية واحدة على الأقل لكل محافظة. كما لا يمكن أن نتجاهل الإعلام الإلكتروني، حيث توجد مئات المواقع الإعلامية العراقية الشخصية أوالمؤسساتية على شبكة الإنترنت. إتجاهات متنوعة تنوعت إتجاهات التحرير الصحفي في صحف ومجلات العهد الجديد ، بحيث إتصفت كل صحيفة بخصائص تميزها عن غيرها، فظهرت صحف خبرية وصحف الرأي وصحف الإنترنيت التي تستقي كل مادتها الإخبارية والثقافية من الإنترنيت ماعدا المقال الإفتتاحي، وظهرت صحف تعيش في الماضي بإجترار الذكريات الصحفية والسياسية في القرن العشرين، مع ظهور صحف شبابية وأخرى هزلية وصحف فضائح سياسية وصحف الإعلانات وكان صدورالكثيرمن الصحف متذبذباً، بحيث توقفت الكثير من الصحف عن الصدور بعد فترة زمنية قصيرة . وركزت بعض الصحف على الخدمات البلدية والكهربائية والنفطية والإتصالاتية والمالية التي تقدمها الحكومة للشعب بالنقد ومتابعة آخرالآخبار… وهناك صحف أخرى دخلت في معركة جدل الهويات، وفي مدى أحقية ومظلومية كل حزب أو طائفة أو قومية وطلب التعويض على حساب الفئات الأخرى، مما أدى الى تفتيت الهوية الوطنية وماتبعه من تعدد الولاءات بتعدد الهويات الطائفية والقومية والحزبية. إن هذا الجدل العقيم قد كان سبباً في صراعات وصدامات مسلحة، ذهب ضحيتها آلاف الأبرياء في ظل غياب الولاء الوطني الحقيقي.. ومازالتً التجربة اللبنانية في ثمانينات القرن الماضي ماثلة في أذهان العراقيين، ودور المليشيات في الحرب الأهلية آنذاك، وما رافقها من مآسي والتي إنتهت بالشعب اللبناني الى حـالة اللا دولة و لعله يعاني من نتائج تلك الأحداث الى اليوم ، وعلى الدوام كان العراقيون المعتدلون يذكّرون الفرقاء بمآسي التجربة اللبنانية ، لعلهم يعقلون و يتافدونها في أدائهم السياسي على الساحة العراقية. وجه آخر و مع هذا التعدد و التنوع الكبيرين في الصحافة بعد سقوط نظام صدام ، لكن بالمقابل فإن هناك وجه آخر للعمل الصحفي في العراق في العهد الجديد تمثل في التهديدات والتحديات التي واجهها العاملون في هذا الميدان، مما جعل ممارسة العمل الصحفي في العراق من أخطر الأعمال على حياة العاملين في عالم اليوم . إذ لم يشهد العالم بأسره وعلى الرغم من كل الحروب والكوارث التي عصفت بالعديد من الدول ما شهده العراق من إستهداف للصحفيين ، يتمثل تارة بالإغتيالات التي تتم بسرعة وعن بعد, وتارة أخرى بالقتل الوحشي الذي ينفذ بعد نصب الكمائن وخطف الضحايا تحت تهديد السلاح. ومما يزيد من فرص الخطورة وتعقيد العمل الصحفي في العراق أيضا ما يتعرض اليه العاملون في الصحافة من ملاحقة وإعتقالات ومقاضاة بدعاوى كيدية وعلى نحو متواتر يثير القلق. الأمرالذي ينعكس سلباً بالتأكيد على حرية الرأي والتعبير وعلى إنسيابية حركة الإعلام والصحافة وبما يجعل حريةالصحافة في العراق تمضي صوب منزلق خطير.(1) تقول نقابة الصحفيين العراقيين، إن أكثر من 270 صحفياً وإعلامياً قد قتلوا في العراق على مدى خمس سنوات منذ سقوط النظام السابق حتى العام 2008.نعم لقد قام العهد الجديد برفع كل القيود التي كانت مفروضة على الصحافة العراقية، لكنه من جانب آخر ترك الباب مفتوحأ ولم يضع ضوابطً أو شروطاً مهنية واضحة المعالم لممارسة العمل الصحفي أو لإصدار الصحف والمجلات أوإقامة محطات تلفزيونية أو إذاعية، الأمر الذي أدى الى فوضى إعلامية كبيرة في العراق أسفرت عن أصدار عشرات الصحف من قبل أشخاص بعيدين كل البعد عن مهنة الصحافة، مما شكل إنتكاسة مهنية في تاريخ الصحافة العراقية .فمن حيث عدد وسائل الإعلام خلال السنوات ما بعد 2003 فان العراق إحتل المركز الأول على المستوى العربي، لكن من حيث المهنية والنوعية فأنه يحتل مركزاً متأخراً لعدم وجود ضوابط، ما دام كل شخص يمتلك المال يستطيع أن يصدر صحيفة.تفتخر القيادة العراقية الجديدة بأنها رفعت القيود عن الصحافة، حيث قال الرئيس العراقي "جلال طالباني" في بيان أصدره بمناسبة الذكرى الخامسة لأسقاط نظام صدام و قيام العراق الجديد: "أُطلقت حريات العمل السياسي والحزبي والنقابي، وشُرعت الأبواب أمام الإعلام الحر فصدرت مئات المطبوعات وتأسست عشرات القنوات التلفزيونية والإذاعية، مما أنهى عهد الرأي الواحد المفروض قسراً".يُذكر أن منظمة مراسلون بلا حدود وضعت العراق فى عام 2007 في الترتيب رقم 157 في التصنيف العالمي لحرية الصحافة الذي تصدره المنظمة كل عام، متراجعاً ثلاث درجات عن العام الذى قبله، ليكون في المرتبة قبل الأخيرة بين الدول العربية، متقدما على فلسطين بدرجة واحدة.وأشارت المنظمة في تقريرها إلى أن الصحفيين في العراق "يخشون بالدرجة الأولى الجماعات المسلحة التي تستهدفهم، في الوقت الذي لم تجد فيه السلطات أي سبيل لوضع حد لحوادث إستهداف الصحفيين". (2) موجة جديدة من الصحفيين المهاجرين كما تعرفنا في فصل سابق على ظاهرة هجرة عدد كبير من الصحفيين و المثقفين العراقيين الى خارج البلاد بسبب خشيتهم من ملاحقات و إجراءات النظام السابق القسرية والقمعية، على مدى عقود حكمه الثلاثة و نّيف ، والتي كانت تهدد حياتهم و حياة أُسرهم و مصدر رزقهم ، فلم يهنئ الصحفيون في العهد الجديد طويلاً في العمل الحر في بلادهم ، إذ بعد أن إستبشروا خيراً به خاب أملهم في الإستمرار في العمل داخل البلاد بالنسبة الى كثير منهم إثر تعرضهم لمخاطر عديدة هددت حياتهم و مصادر رزقهم. و إذا كان الصحفيون في السابق يتعرضون الى مخاطر محددة من قبل أجهزة النظام القمعية، فالمخاطر في العهد الجديد متعددة المصادر و مختلفة الأنواع والأشكال، إذ قد تكون تهديداً مباشراً من بعض المتنفذين في العهد الجديد أولئك المتعصبين حزبياً أو مذهبياً ، أو من العصابات و الميليشيات التي وجدت لها مرتعاً خصباً في ظل غياب الدولة القوية و ضعف أجهزتها الأمنية ، أو من خلال المصادمات العسكرية المستمرة ، أو من خلال العمليات الإرهابية التي تستهدف المدنيين مثل التفجيرات و الإختطافات و الإغتيالات التي كان للصحفيين حصة كبيرة منها ..ألخ ، كل هذه العوامل أدت الى هجرة موجة جديدة من الصحفيين الى خارج البلاد للنجاة بحياتهم و بحياة أُسرهم ، أو للبحث عن فرصة للرزق و العيش بأمان في بلدان المنافي و الشتات . أشار تقرير لمنظمة " مراسلون بلا حدود " الى عدد كبير من الصحفيين الذين يعيشون خارج البلاد بقوله: "يعيش هؤلاء الصحفيون في مأمن إثر نجاتهم من الجحيم العراقي لا سيما أن هذه الدولة تعد الأكثر دموية في العالم بالنسبة إلى المحترفين في القطاع الإعلامي ولكن الإبتعاد عن الوطن لا يعني نهاية مشاكلهم، فمعظم هؤلاء عاطلون عن العمل".وأضاف التقرير أن المحترفين يتعرضون في القطاع الإعلامي للإختطاف على يد جماعات تسيرها الأسباب السياسية أو جني الأرباح.وقد أحصت مراسلون بلا حدود 87 عملية إختطاف لصحفيين منذ بداية النزاع في العراق، وفي هذا السياق، لا يزال 15 إعلاميا محتجزين كرهائن في العراق. وأضافت المنظمة في تقريرها، أنه بالرغم من دعوة السلطات العراقية لإحترام حرية الصحافة " فإن التدابيرالأخيرة التي إتخذتها الحكومة تترجم عجزها " مذكرة بأن وزارة الداخلية إقترحت في شباط 2008 " منح الصحافيين تراخيص لحمل أسلحة "، وبحسب المنظمة ومقرها باريس، فقد قتل 210 صحافيين وعاملين في مجال الصحافة منذ اذار/مارس 2003 وخطف 87 آخرين. واذا كان المراسلون الأجانب أول المستهدفين في المرحلة الأولى من الحرب فقد بات الصحافيون العراقيون اليوم هم المستهدفون، وأن في هذه الظروف غالباً ما يختارالصحافيون العراقيون المنفى " حفاظاً على سلامتهم " ويقرر البعض " الرحيل بعد التعرض لمحاولة أغتيال أو خطف " في حين يرحل آخرون " بمجرد تلقي تهديدات " . وبحسب المنظمة فأن " هناك 200 صحافي وموظف في وسائل الاعلام العراقية في الأردن " في حين " يصعب الحصول على أرقام دقيقة " من سوريا. كما لجأ " عشرات " الصحافيين العراقيين الى أوروبا حيث ساعدت المنظمة حوالى ثلاثين صحافياً خصوصاً في فرنسا. وتشير المنظمة الى أن الصحافيين العراقيين في المنفى غالبا ما يعيشون في ظروف صعبة وأن عدداً منهم أضطر الى التخلي عن مهنة الصحافة. وخلصت الى القول إن عودتهم الى العراق " غير واردة حاليا لأن المجموعات المسلحة لا تزال ناشطة في البلاد " .(3) و لعل حادثة إغتيال نقيب الصحفيين العراقيين " شهاب التميمي " آذار 2008 من قبل أفراد مجهولين ، تؤشر الى حد بعيد حجم الخطر الذي يتهدد الصحفيين في العراق اليوم ، مما دفع السلطات المحلية الى التفكير جدياً للبحث عن وسائل ناجعة لحماية الصحفيين . فقد قامت وزارة الداخلية، أثر ذلك بفتح 43 ملفاً يتعلق بإستهداف الصحفيين وملاحقة الجماعات التي تستهدف عموم الاعلاميين العراقيين. و مما يشار له في هذا الصدد وعلى سبيل (الكوميديا السوداء) ، أن محافظ النجف " أسعد أبو كلل " قد قرر أنشاء (مقبرة خاصة) للصحفيين في مقبرة وادي السلام في النجف ، مما شكل صدمة كبيرة للصحفيين و الأعلاميين العراقيين ، حيث وصفوا هذا القرار بنذير شؤم لهم ، و أشار بعضهم الى أن بعض القوى السياسية في العراق الجديد تحاول دوما أشاعة ثقافة الموت حتى على سبيل الإحسان !! و أعتبر البعض الآخر هذا القرار بمثابة " دعوة لموت الصحفيين " !!(4) تشريعات جديدة للإعلام يعتبر العراق واحدًا من أفضل دول الشرق الأوسط و الدول العربية في قوانينه الإعلامية التي أطلقت العنان للصحافيين في التعبير عن آرائهم وإنشاء مؤسساتهم الإعلامية المقروءة والمسموعة والمرئية التي كفل الدستور العراقي حريتها في التعبير حيث نصت المادة 36 من الدستور العراقي لسنة 2005 ضمن الفصل الثاني تحت عنوان الحريات على ما يلي: تكفل الدولة وبما لا يخل بالنظام العام والآداب: أولا- حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل. ثانياً- حرية الصحافة والطباعة والإعلان والإعلام والنشر. ثالثاً- حرية الاجتماع والتظاهرالسلمي وتنظم بقانون. كما نصت المادة (45) من الدستور " لا يكون تقييد ممارسة أي من الحقوق والحريات الواردة في هذا الدستور أو تحديدها إلا بقانون أو بناءاً عليه، على ألا يمس ذلك التحديد والتقييد جوهر الحق أو الحرية. كما أقدم مجلس النواب العراقي في نيسان من العام 2008 على مناقشة تشريع قانون لحماية الصحفيين العراقيين- لم يصدر حتى اليوم- تأكيداً لأحكام الدستور الخاصة بحرية الصحافة . ينص مشروع القانون الجديد على أن " أي إعتداء على الصحفي أثناء تأدية مهامه الصحفية بمثابة إعتداء على موظف حكومي أثناء تأديه واجباته الرسمية ويعاقب المعتدي بالعقوبة المقررة قانوناً على الموظف الحكومي ". ويؤكد مشروع القانون على أنه لا يعتقل الصحفي أو يلقى القبض عليه بسبب عمله الصحفي إلا عن طريق القضاء وبعد إعلام نقابة الصحفيين العراقيين وحضور ممثلها في التحقيق ." و يتيح هذا القانون للصحفي حق الحصول على المعلومات التي تحتفظ بها الدوائر الحكومية والهيئات العامة لنقلها الى الجمهور ولايحق لتلك الجهات رفض طلبات الحصول على المعلومات إلا في حالة كان الإفصاح عنها سيلحق ضرراً كبيراً باحدى المصالح الوطنية بشكل أكبر من الضرر الحاصل في حالة عدم نشر تلك المعلومات وحجبها عن الجمهور ." و أتاح مشروع القانون " للصحفي الحق في عدم الأفصاح عن مصادر معلوماته مالم يكن ذلك ضروياً لمنع وقوع جريمة أو كشف فاعليها على أن يصدر ذلك بقرار من المحكمة المختصة بالحادث ولايجوز إقامة الدعاوى للمطالبة بالتعويض بعد ثلاثة أشهر من تاريخ النشر ." و شدد مشروع القانون على أنه لايجوز مصادرة أدوات عمل الصحفي إلا بإذن من المحكمة ، وأن يكون ذلك ضروريا لمنع وقوع جريمة او التحقيق فيها . وتتكفل الدولة بإنشاء قوة فعالة لحماية الصحفيين ووسائل الاعلام والتحقيق في الجرائم التي تطالهم و على الأجهزة الأمنية إجراء تحقيقات فورية في حالة تعرض أي صحفي لأي نوع من التهديد أو الأذى وأن تبذل الجهود لمعاقبة الجناة ." و أجاز مشروع القانون للصحفيين أداء عملهم دون تدخل من قبل القوات الأمنية مالم يكن هناك مسوغ شرعي . كما أوجب على الدولة التكفل برعاية عوائل شهداء الصحافة بتخصيص راتب تقاعدي لهم . وتكفل أيضاً بتخصيص راتب للصحفيين الذين يتعرضون الى الإعاقة بسبب عملهم اذا كان العجز أكثر من خمسين بالمائة . و تكفل بالرعاية الصحية للصحفيين وتتكفل بعلاجهم على نفقتها داخل وخارج البلاد اذا كانت الإصابة أو الإعاقة بسبب العمل الصحفي . و يلزم مشروع القانون رؤساء المؤسسات الإعلامية المحلية والأجنبية العاملة في العراق إبرام عقود عمل مع الصحفيين العاملين بتلك المؤسسات وفق نموذج معد من قبل نقابة الصحفيين العراقيين يضمن حقوق المؤسسة والمنتسب فيها ويتم إيداع نسخة من العقد لدى النقابة . و يؤكد على عدم جواز فصل الصحفي من عمله إلا بعد إخبار نقابة الصحفيين بمبررات الفصل فإذا إستنفذت النقابة مرحلة التوفيق بين الصحفي ومؤسسته تطبق الأحكام الواردة في قانون العمل عند إنتهاء تعاقده . ويؤكد على حق الصحفي حضور المؤتمرات وكذلك الجلسات والإجتماعات العامة في سبيل تأدية عمله المهني. و يشيرالى أن الصحفيين لاسلطات عليهم في أداء عملهم غير القانون . من الجدير بالذكر أن مشروع القانون الجديد عرّف الصحفي بأنه: الذي يعمل في الصحافة المقروءة والمسموعة والمرئية ومنتمي الى نقابة الصحفيين العراقيين، كما ألغى هذا المشروع قانون المطبوعات رقم 206 لسنة 1968 بكافة تعديلاته .(5) و من الإنتقادات التي وجهت لمشروع القانون الجديد أنه عرّف الصحفي بالمنتمي لنقابة الصحفيين العراقيين فقط ، علماً أن هناك تنظيمات نقابية و مهنية عديدة تضم عدداً من الصحفيين غير (نقابة الصحفيين) والتي يتهمها منتقدوها بإن هناك تيار سياسي معين قد سيطر على هيكليتها و فعالياتها تبعاً لظروف البلاد المعروفة. أكد "هادي جلو مرعي" نائب مدير مرصد الحريات الصحفية في العراق : " إن من صاغوا مشروع القانون يحملون عقليات تفكر بإسلوب النظام السابق، وإنهم لم يستوعبوا عمق التغييرالذي حدث في العراق منذ سنة 2003، حسب تعبيره. ووصف "مرعي" النقابات والإتحادات الصحافية بالقيد الذي يحد من حرية الصحافيين". و تعالت دعوات في مجلس النواب و من قبل عدد من العاملين في ميدان الإعلام، الى إعادة النظر بمشروع القانون و إجراء التعديلات عليه لكي لا يتأطر بظروف المرحلة الآنية ، بل يسري على السنوات القادمة و يتطلع الى المستقبل.(6) ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1)التقرير السنوى للجمعية العراقية للدفاع عن حقوق الصحفيين بالتعاون مع برنامج دعم الاعلام العراقي المستقل ( داعم ) عن انتهاكات حرية الصحافة والتعبير في العراق لعام 2007 (2)جريدة الشرق الأوسط\ عن وكالة شينخوا\ 21\3\ 2008 \واقع الصحافة في العراق بعد 5 سنوات على الحرب. (3)وكالة الصحافة الفرنسية (4)شبكة النبأ للمعلوماتية على النت (5) المركزالاعلامي للبلاغ \ على النت في 29/04/2008م (6)راديو سوا * 

Sunday, September 13, 2009

المواقع الصحفية العراقية على شبكة الأنترنت *

أحمد الصالح مع شيوع إستخدام شبكة الإنترنت عبر قارات العالم وعلى نطاق شعبي في أواسط التسعينات من القرن الماضي ، كان الإعلاميون و الصحفيون العراقيون الذين يعيشون في المنافي آنذاك سباقون لإقتحام هذا العالم الواسع الرحيب للتعبير عن قضاياهم و همومهم ، خاصة تلك التي تتعلق بمسألة الحكم و العدالة و الحرية و النشاط الثقافي و الفني في بلادهم التي كانت تحت حكم إستبدادي مطلق . أما زملاؤهم في الداخل فكانوا يتحرقون شوقاً لإستخدام هذه التقنية بشكل حر وكفوء حيث حُرم عليهم ذلك بفعل الإجراءات القسرية التي كان يعمد اليها النظام مع حملة الأقلام الحرة . و ما أن أُطيح بنظام صدام حتى سارع الأعلاميون العراقيون الى تأسيس مواقعهم الإلكترونية ، يشاركهم في هذه الفورة السياسيون القدامى و الجدد ، و كل من يرى في الإنترنت فرصة للشهرة و الإنتشار و الكسب ، خاصة و أن العراق الجديد تبنى الديمقراطية كمنهج لتداول الحكم ، و للإعلام كما هو معروف ، دوراً مهماً و حاسماً في تعزيز فرص الناشطين سياسياً في هذا المنهج . إستنتاجات و بعد التعرف على تاريخ الصحافة العراقية منذ التأسيس و ما تلاها من حقب ، مع التركيز على النشاط الصحفي على شبكة الإنترنت خاصة بعد الإطاحة بنظام صدام و على مساحة خمس سنوات ، يمكن الخروج بالإستنتاجات التالية : 1- يعكس النشاط الصحفي والإعلامي عموماً ، حجم و نوع الحراك السياسي في أي مجتمع ، و يمكن إعتماده كمعيار لكشف إتجاهات الصراع و بيان حجم الكتل والتيارات الفاعلة في المشهد السياسي للمجتمع ، و كذا الحال في العراق ، فلطالما كانت الصحافة في هذه البلاد، وعبر تاريخها الطويل و المتفرد بين بلدان الشرق الأوسط ، تعبر تعبيراً صادقاً و دقيقاً عن مجمل العملية السياسية الجارية فيه خاصة بعد أن إنفتحت أجواء العمل الحر أمام الصحافة وعلى أوسع أبوابها بعد التاسع من نيسان 2003. 2- الأعداد المتزايدة للمواقع الصحفية الإلكترونية على الشبكة و إتجاهاتها و ميولها المختلفة و المتعارضة أحيانا ، قد تعبر عن حجم التشتت السياسي و الديني و المذهبي و القومي الذي يعيشه العراق في ظل ظروف الفوضى التي شهدتها البلاد بعد الإطاحة بنظام الحكم المركزي الذي كان قائما في عهد صدام حسين . لكن هذا الإختلاف والتباين يعبر من جانب آخر عن التعدد الواسع النطاق في أصل مكونات الشعب العراقي و تنوع ثقافاته و التي كانت على مر التاريخ مصدر غنى لثقافة الشعب عموما بدلا ًمن أن تكون مصدر تفتت أو إحتراب خاصة عندما تتيسر ظروف إستقرارالأوضاع السياسية و قيام دولة قوية في البلاد . على هذا الأساس يمكن أن تكون ( المواقع الصحفية الإلكترونية ) مؤشرا ممتازا للحراك السياسي و الإجتماعي و الثقافي في البلاد في هذه المرحلة . 3- يلاحظ أيضا تزايد المواقع الإلكترونية الصحفية الحزبية ، ولهذا عدة دلالات منها : - نشطت أحزاب و حركات المعارضة لنظام صدام منذ وقت مبكر على شبكة الإنترت و إستخدمتها على نطاق واسع للترويج الى خطابها السياسي لرخص تكاليف هذه الوسيلة الإعلامية و لسعتها المتزايدة بإضطراد و لإمكانية الوصول الى الجمهور المستهدف من العراقيين خاصة في خارج العراق بسهولة و يسر رغم إنتشارهم الواسع في مختلف بلدان العالم . - تمتعت أحزاب و حركات المعارضة لنظام صدام بوجود أعداد كبيرة من المثقفين و الإختصاصيين و الإعلاميين الذي غادروا العراق هرباً من الإجراءات القمعية للنظام السابق فعمدوا الى تكريس جهودم في مقارعته بالوسائل الإعلامية المتيسرة و خاصة شبكة الإنترنت لمزايها الأيجابية الكثيرة و لعل أبرزها أنها سهلة التمكن والأستخدام من قبل حتى الناشطين الأفراد . - الدعم المادي الدولي الذي حظيت به بعض فصائل المعارضة للنظام السابق و خاصة من قبل الولايات المتحدة و دول أخرى . - أما بعد الإطاحة بنظام صدام فقد تيسرت لجميع الناشطين العراقيين فرصة إستخدام شبكة الإنترنت لأغراض متعددة و لعل أبرزها النشاط الإعلامي والصحفي ، بما يعبر عن سعة الحراك السياسي و الإجتماعي و حجم الخزين الثقافي في العراق. 4- يلاحظ أن هناك زيادة واضحة في عدد المواقع الصحفية الكردية نسبة الى مواقع القوميات الأخرى المكونة للمجتمع العراقي ، و قد يعود سبب ذلك الى عدة عوامل : - إن منطقة كردستان العراق شهدت إستقراراً سياسياً مبكراً و متنامي بإضطراد نسبة الى مناطق العراق فقد تمكنت أحزابها السياسية من مسك زمام الأمور فيها بعد إنتفاضة العام 1991 بعد أن تخلى الحكم المركزي في بغداد عنها بفعل الضغوط الدولية وعدم سيطرته على المنطقة و تغير الظروف السياسية في غير صالحه . - الشعور القومي الكردي الطاغي على الحركة السياسية وعموم النشاط الإجتماعي لسكان المنطقة على خلفية عقود من الإضطهاد و الحروب التي تعرض لها الشعب الكردي من الحكومات المركزية المتعاقبة. - تعرف سكان المنطقة على شبكة الإنترنت في وقت مبكر نسبة الى بقية سكان العراق الذين كان يُمنع عليهم إستخدام شبكة الإنترنت إلا بشكل محدود جداً و تحت رقابة مشددة . - تتلقى عموم النشاطات الإعلامية و الإجتماعية و السياسية في المنطقة الكردية دعماً متزايداً من قبل جهات متعددة و على المستوى العالمي نصرة للقضية الكردية و بفعل المجهود الناجح الذي بذلته التنظيمات الكردية عبر أقطار العالم و لعقود من السنين. 5 - من جانب آخر يلاحظ زيادة في عدد المواقع السياسية الإسلامية الشيعية نسبة الى غيرها ، وهذا يعود الى : - إدراك أبناء الطائفة الشيعية و لو في وقت متأخر أهمية النشاط الإعلامي في الترويج الى قضيتهم و للتعبير عن طموحاتهم و مصالحهم . - مساحة الحرية الواسعة التي تمتع بها عموم الشعب العراقي بعد الإطاحة بنظام صدام و خاصة أبناء الطائفة الشيعية الذين تيسرت لهم لأول مرة فرصة المشاركة بالحكم على نطاق واسع و بشكل مركزي في العهد الجديد ، فجائت هذه المواقع كغيرها من وسائل الإعلام المتيسرة للتعريف بنشاطهم السياسي و الإجتماعي والثقافي . - حصول الأحزاب و الحركات السياسية الشيعية على دعم غير محدود من الطائفة الشيعية عبر أقطار العالم المختلفة ، وإن كان بعضه يأتي بشكل غير مباشر، عبر دعم المرجعيات الدينية الشيعية مثلاً أو عبر التبرعات التي تحظى بها المراقد المقدسة المتعددة " لآل البيت " في العراق. - إدراك قطاعات واسعة من أبناء الشيعة في العراق أهمية النشاط الإعلامي للترويج لقضاياهم و للتعبير عن نظرتهم في مختلف القضايا التي تعنيهم و تعني بلادهم . 6- إن الصراع السياسي و طموحات الأحزاب والحركات والناشطين السياسيين هو الطاغي على المواقع الصحفية الإلكترونية أكثر من غيره وان كان يلبس لبوساً طائفياً أو قومياً في أحيان أخرى . 7- قد تعبر بعض المواقع الصحفية عن ترويج طائفي و إتهامات متبادلة بين أطراف النزاع ، بيد أنه من الواضح ان النزاع الطائفي غير متأصل في طبيعة العراقيين بقدر ما هو حث أجنبي و نفوذ مدفوع من قبل دول الجوار تبعاً لأجندتها الوطنية و الأقليمية المختلفة والمتباينة ، فعلى سبيل المثال ، ما زال الصراع " الأيراني \ السعودي- العربي " يترك بصماته الواضحة على الأرض العراقية ليعبر عنه في وسائل الإعلام على أنه صراعا بين مكونات الشعب العراقي و ليس في هذا التعليل الكثير من الحقيقة . 8- لم تشر معظم المواقع الصحفية الإلكترونية العراقية الى تاريخ تأسيسها و ظهورها على الشبكة ليتسنى متابعة مواقفها من مجريات الأحداث و القضايا رجوعاً الى الماضي و بشكل متسلسل. 9- تبقى مصادر تمويل المواقع الإلكترونية مجهولة أو خفية و يحرص القائمون عليها على التمويه على هذه المسألة مما يثير الكثير من الشك و يعيق المصداقية في الخطاب الإعلامي و السياسي لهذه المواقع والأجندة التي تسعى الى تحقيقها . 10 – هناك الكثير من الإرتجال في تأسيس بعض المواقع الإلكترونية الصحفية ، وقد يعود ذلك الى تحاشي دخول مؤسسات و شركات و منظمات أو وكالات محلية جادة هذا الميدان .. فقد يتم إنشاء المواقع الألكترونية بناء على رغبة شخصية و مزاج فردي لا يلبث أن ينطفئ مع مرور الزمن أو عدم الجدوى ، و هوأيضا مغامرات غير محسوبة و غير مهيء لها مهنياً بشكل جيد ... بالإضافة الى ضعف التمويل لهذا الأستثمار ، لحداثة عهد العراقيين بالصحافة الحرة ، و تخوف الرأسمال المحلي من إقتحام هذا الميدان لعدم خبرته به. 11- ما زال الصحفيون العراقيون يعانون من التهديد لحياتهم و مصادر رزقهم. فإذا كان النظام السابق هو مصدر التهديد لهم مما دفع العشرات منهم للهجرة خارج البلاد فان الوضع الأمني المرتبك وعبث الميليشيات و العصابات والأرهابيين و الأحزاب المتطرفة و المتعصبة هي مصدر التهديد الجديد لهم ، فضلاً عن ضعف أجهزة الدولة الأمنية غير القادرة على توفير الحماية للصحفيين و للمواطنين عموماً . 12- معظم المواقع الإكترونية الصحفية العراقية لم تستخدم التقنيات الحديثة في الإخراج الفني و العرض المشوق للمادة الصحفية ، و قد يعود ذلك الى ضعف التمويل المُستثمَر في إنشاء المواقع ، و لقلة خبرة و دراية القائمين على إنشائها و أدارتها بأهمية الأخراج الفني للمواقع الصحفية ، فضلاً عن حداثة العهد بالنسبة لعراقيي الداخل بالعمل الصحفي الحر و النشر الإلكتروني على وجه الخصوص . 13- غياب الأخبار المبدعة و الأصيلة عن معظم المواقع الصحفية الإلكترونية العراقية ، و يعود ذلك الى: - إعتمادها على مواقع وكالات الأنباء والأذاعات و الفضائيات و الصحف أستسهالاً . - الوضع الأمني غير المستتب و التهديد المستمر و المتصاعد لحياة المراسلين الصحفيين العاملين في ميدان الأحداث ، مما أعاق عمل الكثير منهم و أدى بذلك الى شحة الأخبار الأصيلة و المبدعة و المنتجة في مكان الحدث . - عدم وجود تشريعات و إجراءات رسمية رادعة تمنع المواقع الإلكترونية من سرقة جهود الغير في النشر الصحفي . - ضعف الإمكانات و القدرات لبعض القائمين على إدارة المواقع الإلكترونية ، و إبتعاد البعض عنهم عن شروط العمل الصحفي و أخلاقيات المهنة . 14- إقتحمت شبكة الإنترنت " الخشية و التوجس " التاريخي للشخصية العراقية و المحرمات التي كان إختراقها الى وقت قريب مؤداه الإعدام في كثير من الأحيان تحت سلطة النظام الدكتاتوري السابق . فجأة وجد العراقي نفسه أمام العالم الواسع الملون الرحيب عبر نافذة الإنترنت ليطل من خلالها وقت ما يشاء و في أي مكان يشاء حتى لوكان مستلقياً على فراش النوم . إن تزايد سعة الإستخدام لشبكة الإنترنت في العراق مع مرور الوقت أتاح للعراقيين فرصة ممتازة لمتابعة الأحداث و القضايا التي تحظى بإهتمامهم ، والتعرف على وجهات النظر المتباينة ، مما سوف ييسر رؤية ناضجة للأشياء ستكون هي الفيصل في إختياراتهم السياسية والحياتية في المستقبل ، خاصة وهم يعيشون حياة ديمقراطية نامية . و لم يكن الإستخدام الحر لشبكة الإنترنت يحمل طابعا إيجابيا فقط ، إنما كانت له تأثيرات سلبية لابد منها في ظل أوضاع سياسية و أمنية قلقة ، خاصة بعد إستخدام الإرهابيين و المتطرفين الواسع و الفعال للشبكة في الترويج و التثقيف لأفكارهم الشاذة و نشر عملياتهم و بياناتهم الأرهابية و ثقافة الكراهية و التطرف التي تبنوها، فكانت الشبكة عبر وسائطها المتعددة مرتعاً مفضلاً لهذه المنظمات ، تبعا لخاصية الهروب و التخفي عن أنظار العدالة، تلك الميزة التي تيسرها الشبكة للمستفيدين من هذه التقنية . 15- يسرت شبكة الإنترنت فرص كبيرة لهواة الكتابة و غيرالمحترفين من الصحفيين لنشر نتاجاتهم الصحفية في المواقع الإلكترونية المنتشرة بأعداد لا تحصى ، كما أن قسم منهم فضل إقامة موقعه الشخصي لعرض آراءه و نتاجاته الأدبية الخاصة . أخيرا يسّر ( البلوغ \ المدونة) فرصة ممتازة للناشطين في ميدان الكتابة الصحفية ، حتى كان لأحد العراقيين قصب السبق في شهرة ( البلوغ ) عالمياً من خلال روايته لمعايشاته اليومية في بغداد أبان الإطاحة بنظام صدام ، مما دعى كبريات الصحف العالمية الى التعاقد معه و نشر قصصه الصحفية . أصبح ( البلوغ \ المدونة ) اليوم ممارسة شهيرة لدى العراقيين لنشر قصصهم الصحفية و باللغتين العربية والإنكليزية مما جعل القراء يهتمون بهذه القصص على نطاق عالمي . 16- يسّرت المواقع الإلكترونية التفاعلية و مع تحسن إستخدامات شبكة الإنترنت مع مرور الزمن فرصاً كبيرة للعراقيين للتواصل و التحاور في شتى المواضيع مما سيتم حصاده في المستقبل وعيا ًو إدراكاً لأهمية الحياة الديمقراطية و تبادل الرأي في حياتهم الجديدة و نبذ العنف و القسر الذي إعتادوا عليه عقود من الزمن تحت حكم الدكتاتورية . 17- منذ اليوم الأول لإسقاط النظام السابق ، ظهرت على الساحة الإعلامية في العراق ثلاثة أنواع من الصحف يمكن تصنيفها حسب جههات إصدارها ، وهي: صحف السلطة الجديدة ، و صحف الأحزاب السياسية و منظمات المجتمع المدني ، و الصحف المستقلة . تبنت صحف السلطة في البداية الخطاب السياسي للولايات المتحدة الراعية للعملية السياسية في العراق ، ثم مع تأسيس السلطات العراقية و تعاقب مراحل العملية السياسية الوطنية، تحول خطاب هذه الصحف ليعبر عن سياسة الدولة الجديدة و توجهاتها الديمقراطية ، و رغم الضبابية و المصاعب الكبيرة التي إعترضت عمل هذه الصحف و وسائل الإعلام من حيث كفاءة العاملين فيها أو من حيث الهجمات الإرهابية التي تعرضت لها مقراتها و العاملين فيها ، أو من حيث تيسر الأمكانيات المادية ، فقد حاولت مع مرور الزمن أن تنتهج لها خطاً يسعى لأن يكون مهنياً محترفاً و بعيد الى حد مقبول، عن الصراعات السياسية و الحزبية و تبعاتها . 18- صورة الفوضى التي عاشتها البلاد طيلة الخمس سنوات السابقة منذ إسقاط نظام صدام تكشف عن جزء من الأجابة على السؤال أعلاه .. فلعل الكثير من الوسائل و الصحف التي تثير الفوضى و تشجع على إعاقة العملية السياسية الجارية في البلاد تتلقى تمويلاً من جهات داخلية أو خارجية خفية و غير شرعية ، لا يسرها إقامة العراق الجديد و لأسباب سياسية باتت معروفة . كما أن هناك من الأثرياء الذين سعوا الى إقتحام مجال الإعلام ليس لغرض الأستثمار المشروع ، إنما بقصد الوجاهة والترويج الإعلاني لأغراض سياسية و منفعية خاصة . أسهم هؤلاء للأسف في إعطاء صورة غير حسنة عن الممارسة الإعلامية في البلاد بسبب ضعف قدراتهم و عدم درايتهم بإصول العمل الإعلامي و مقاصده الشريفة . 19- تثار تساؤلات كثيرة عن شرعية التمويل الحزبي للصحف و وسائل الإعلام الناطقه بإسمائها ، كما تثار نفس التسؤلات بخصوص شرعية تمويل بعض الصحف المستقلة . ففي الوقت الذي تعاني منه جميع الصحف و وسائل الإعلام العراقية من ضعف التمويل المتأتي من الإعلانات التجارية أو مبيعات الصحف ، يبقى السؤال العالق .. أذن كيف تستطيع هذه الوسائل و الصحف من الإستمرار في الصدور و العمل في حين توقفت أخرى بسبب إنعدام مصادر التمويل ؟؟!! 20- إتجاهات التحرير الصحفي في المواقع الصحفية العراقية الإلكترونية تنوعت و تعددت ، حسب الفنون الصحفية المعروفة ، فهناك صحف الرأي، و صحف الخبر ، و الصحف التي تستقي مادتها من الإنترنت بالإعتماد على المواقع و الصحف الأخرى ، كما أن هناك مواقع و صحف تجمع كل الفنون الصحفية بما فيها الفديو كليب و الإذاعة . وهناك مواقع أهتمت بعرض وقائع الماضي و الذكريات عبر نشرها للوثائق و الشهادات عن حقبة العهد السابق و الذي قبله ، فالمتصفح ما زال مهتماً بهذا الموروث و متابعة مادته. و هناك أيضا إتجاهات أخرى للتحرير الصحفي لهذه المواقع ، فهناك صحف و مواقع هزلية ، و أخرى شبابية ، و أخرى إختصت بالفضائح السياسية و غيرها . لكن الملاحظ أن الفورة الأولى لظهور أعداد كبيرة من الصحف في البداية لم تستمر طويلا ، فمع مرور الزمن بدأت الكثير من الصحف تتوقف عن الصدور أو مواقع إلكترونية تتوقف عن التحديث. و من حيث التوجه أيضا فقد أهتمت بعض الصحف والمواقع بالمسائل المطلبية للشعب والتي ما زالت الشاغل الأكبر- بعد الأمن - للناس و للصحافة، لعدم وجود أفق قريب لحل هذه المشكلات الموروثة من النظام السابق و التي إزدادت كثيراً بفعل العمليات الإرهابية و الفساد الأداري المستشري في الدولة الجديدة . في حين راحت صحف و مواقع أخرى و هي كثيرة أيضا تهتم بجدل الهويات القومية و الطائفية و الجهوية و عرض المظلوميات على خلفية مجريات الأمور في ظل نظام صدام السابق . و بالتأكيد كان للبعض المتطر ف من وسائل الأعلام و الصحف هذه دوراً مثيراً في الصراع المسلح المؤسف بين بعض المكونات الشعبية العراقية خلال السنين الماضية . 21- كشفت الدراسة عن العدد المريع للصحفيين و الإعلاميين الذي تعرضوا للإغتيال و للعمليات الأرهابية و للإختطاف و للإصابة خلال العمل و للإعتقال ، و ما الى ذلك من مخاطر . ففي كل عام تكشف منظمات معنية بحقوق الصحفيين عن الخطرالأكبرالذي يحيق بالصحفيين العاملين في العراق بما لايوجد له مثيلا في بلدان أخرى أو في مواقع نزاع سابقة. و رغم ذلك تدل هذه الأرقام و الحوادث على أصرار الصحفي العراقي على المواصلة و الإستمرار في أداء مهماته ساعياً الى تطويرها قُدما ، و هذا يُعد مفخرة للعاملين في هذا القطاع و سيحصدون نتائجه الحسنة على المستوى العالمي في المستقبل القريب . 22- من جانب آخر أضحى الصحفيون و العاملون في حقل الأعلام عموما هدفاً سهلاً و محدداً لما يمكن تسميته بالطغيان الطائفي و العرقي المتطرف و قوى التخلف و الجهل التي وجدت لها مساحة واسعة من الحركة في ظل غياب هيبة الدولة و القانون ، فراح عشرات الصحفيين و الإعلاميين ضحية لإصرارهم على الإستمرار في عملهم ، مثلما تعرض زملاؤهم من أجيال سابقة لعنت و ظلم سلطات النظام السابق ، فإضطر عدد غير قليل للهجرة بينما تنحى بعضهم عن مهنة المتاعب و الموت السهل في حين إستمر البعض الآخر باصرار على تأدية واجبه المهني . إن مساحة الحريات المطلقة التي يسّرتها الحياة السياسية في العراق الجديد مهدت لظهور بعض الإعلاميين و الصحفيين ذوي الميول العرقية و الطائفية عملوا على تكريس مصطلحات و مسميات طغت على الخيارات الوطنية ، في حين تخلى العلمانيون و اللبراليون، وغيرهم عن الإعلان عن ميولهم السياسية أو برامجهم الوطنية خشية إتهامهم ( بالكفر والإلحاد ) و ما يتبع هذا الإتهام من عواقب وخيمة . التوصيات في ظل هذا التنافس الشديد و حجم الإستثمار المتزايد و المتنوع في حقل الإعلام على مستوى الوسيلة و التوجه و المضمون ، تصبح مسألة النجاح و التفوق أمرا لابد منه للإستمرار و فيما عدا ذلك فلا بد من التخلي عن ولوج هذا العالم الصعب و التنحي جانبا لإتاحة الفرصة الى من يجيد شروط لعبة النجاح . إن النجاح الأعلامي في عصر العولمة لا يقاس بالقيمة الثقافية و المعرفية و المنفعة الإجتماعية المضافة فقط إنما يقاس بالعائد التجاري قبل كل شيء . فأما أن تستمر في العمل و الإنجاز بتوفر التمويل الكاف أو أنك تخسر كل شيء دفعة واحدة ، و ما من أحد يتبرع لتعويض خسارتك بدون مقابل . مازالت معظم الوسائل الإعلامية تعتمد الى حد كبير على الإعلان كمصدر أساس للتمويل و التشغيل والذي يضمن للوسيلة مستوى كبير من الأستقلالية و إعتماد المعايير المهنية الصحيحة بعيداً عن نفوذ غير مرغوب به أو مضر بأخلاقيات المهنة و أصولها . و رغم الإنفتاح الواسع في العمل الإعلامي و الإعلاني في العراق بعد الإطاحة بالنظام الدكتاتوري السابق ، فإن معظم الصحف و وسائل الأعلام العراقية الأخرى ما زالت تعاني من شحة التمويل عن طريق الإعلانات ، و هذا مرتبط بعدة عوامل ، لعل أبرزها ضعف الحركة الأقتصادية في البلاد بسبب الظروف الأمنية القلقة ، و لجهل المستثمر العراقي بالقيمة الترويجية التسويقية للإعلان ، و لحداثة العراقيين بهذه الوسيلة حيث كان الإعلان التجاري ممنوعاً أو محدوداً بشروط قاسية الى وقت قريب قبل سقوط النظام السابق على خلفية فلسفة النظام في الحكم . الإعلانات الوحيدة التي يمكن إعتبارها مصدر تمويل جيد للصحف هي الإعلانات الحكومية ، التي إستحوذت على معظمها " شبكة الإعلام العراقي " التابعة للدولة و عبر وسائلها الإعلامية التلفزيونية و الإذاعية و الصحفية المتعددة ، مما دعا الصحف و وسائل الإعلام العراقية الأخرى الى الشكوى من هذا الأستحواذ و مطالبة الدولة و في أعلى مستوياتها لاتخاذ إجراءات عادلة في نشر الإعلانات الحكومية . إن انحسار الإعلان التجاري عن الصحف الورقية إنسحب أيضا على المواقع الصحفية الإلكترونية العراقية مما أفقدها مصدراً مهما للتمويل المستقل . إن ضعف التمويل المستقل لوسائل الإعلام العراقية أو إنعدامه كلياً ، حتماً يثير تساؤلا مشروعا ً عن مصادر تمويل هذه الوسائل و الصحف ، و ماهية إستحقاقاته ؟! و تبعاً لذلك يصبح من الطبيعي التساؤل عن الأخلاقية والإستقلالية و المهنية التي تعد شروط مهمة لتنمية و تطوير حقل النشاط الإعلامي العراقي بشكل مستقل ، والذي يعد العلامة الأبرز و الأهم في الحياة الديمقراطية في العراق الجديد . إن مسالة السوق الإعلامية و التنشيط الإعلامي في العراق بحاجة الى معرفة دقيقة بأساليب الترويج و التسويق الإعلامي لشعوب العالم من حيث إستخدام النهج والإسلوب المناسب لمخاطبة شعوب تؤمن بالديمقراطية و تمارسها . إن أقامة صناعة إعلامية وطنية متطورة في العراق سيمكن من تحقيق عوائد مالية كبيرة للبلاد ، حيث ستسهم بالتالي في تعزيز الديمقراطية و تنشيط العمل الإعلامي ذاته ، فضلاً عن الرخاء الذي سيتمتع به العاملين في هذا القطاع . و تاسيسا ً على ذلك كله لابد من هذه التوصيات : 1- العراق منذ عقود من السنين و هو مركز إستقطاب عالمي و محل إهتمام سكان العالم في كل مكان و كان من المفترض أن تنشط فيه حركة الإعلام المحلي و الدولي . ومن الحيف أن لا يلتفت الإعلاميون العراقيون و الجهات المعنية بالتنشيط الإعلامي ، للإستفادة من السوق الدولية النشيطة في هذا الحقل . 2- من المهم جداً سن تشريعات تتعامل مع ظاهرة التمويل الخفي و غير المنظور لوسائل الإعلام العراقية ، و تحديد مصادره ، خاصة تلك الوسائل التي تروج للإرهاب و تهدد السلم الإجتماعي ، و تدعو الى ثقافة الكراهية و التمييز بين أفراد الشعب العراقي . 3- تطوير شبكة الإنترنت و تعزيز بنيتها التحتية و التقنية ، و فسح المجال للقطاع الخاص و تحت تشريعات محددة لولوج هذا الميدان و الأستثمار الفعال في جميع أصعدته إنسجاما مع التوجه الديمقراطي للبلاد . 4- مساهمة الدولة و تشجيع القطاع الخاص عبر تشريعات معينة على الولوج و الأستثمار بفعالية في عالم البرمجيات و تقنياتها و صناعة أجهزة الكومبيوتر ، و السعي الى تيسيرها بأسعار متهاودة في الأسواق ، خاصة و أن المواد الأولية و الطاقات البشرية و الأموال متوفرة في العراق للبدء في إنشاء و تطوير هذه الصناعة . 5- إلزام نقابة الصحفيين و الجهات المعنية بالنشر و الإعلام في البلا د، بتبني تشريعات يتم بموجبها أعداد كشوف و بيانات بوسائل الأعلام المختلفة جميعها ، و التعريف بالقائمين عليها و المشرفين على أدارتها من حيث الآهلية و الإنتساب للعمل الصحفي من عدمه ، لغرض تعريف المتلقي و القارئ و حماية ذوي المهنة من المتطفلين عليها . 6- إعادة النظر بتشريعات الوسائل الإعلامية الممولة من قبل الدولة و المال العام حالياً ، خاصة فيما يتعلق بممتلكاتها و جدارة منتسبيها و كفائتهم و طبيعة توجهاتهم ، خاصة وأن ناشطي النظام السابق إستطاعوا أن ينظمّوا صفوفهم و يعودون الى الساحة الإعلامية بقوة للتبشير بعودة الدكتاتورية و النظام الشمولي مرة أخرى وفق أية تسمية كانت ... أو أي صبغة شمولية أخرى . على المشّرع العراقي أن يولي إهتماما خاصا لمتابعة المال العام المصروف على وسائل إعلام الدولة ، و تبيان مجالات صرفه و جدواه ، و بيان ذلك الى الشعب . إن إعتماد الكفاءات الإعلامية العراقية المشهود لها بالتاريخ المهني المحترف و النزاهة و الجدارة أمر لا يمكن التغاضي عنه في تعيين و إدارة وسائل الإعلام العائدة للدولة ، و لا يتأتى ذلك إلا بنبذ المحسوبية و الولاء الحزبي و إقصاء التحاصص الطائفي عن هذا القطاع ، و ما عدا ذلك فمن الأجدر بالدولة أن تتخلى عن دعم ( إعلام رسمي ) و عليها أن تتبنى مفهوم الإعلام الحر الممول من قبل القطاع الخاص ، لتدرء عن نفسها تهمة الفساد في المال العام . 7- تفعيل قانون مكافحة الترويج للإرهاب و ما يهدد السلم الأجتماعي و عدم التساهل مع أية وسيلة أعلامية و صحيفة تتبنى هذا الخطاب الخطير و أن تغلف بدعوات تبدو للظاهر دعوات سياسية مشروعة ، فعلى القضاء و الجهات المعنية بالترويج الإعلامي أن تولي هذا الأمر أهمية خاصة في ظل الظروف القلقة و الصعبة التي يعيشها العراق اليوم ، كما يجب إعتماد العدل في المراقبة و المحاسبة ، و نبذ سياسة الكيد و الكيل بمكيالين . 8- ضرورة الإهتمام بكليات و معاهد الإعلام في البلاد والبحث عن مصادر تمويل أخرى لتطويرها و تحسين أداءها التعليمي بما يتناسب مع حجم الثورة التقنية و الإعلامية الكبرى التي يعيشها العالم في عصر العولمة ، يأتي ذلك من خلال مفاتحة و تعزيز العلاقات مع وسائل الإعلام الدولية التي لها الريادة في إعانة الإعلام النامي و مساعدته على النهوض . إن تجربة وكالة رويترز بالتعاون مع مظمة اليونسكو في تأسيس وكالة ( أ صوات العراق ) ينبغي الأخذ بها و تعميمها من قبل المعنيين بوسائل الإعلام في عموم العراق . 9- لا بد من إتباع شروط مهنية- يجب أن تكون شروط غير سياسية - صارمة في منح الهوية الصحفية في نقابة الصحفيين ، كما يجب إتباع نفس الشروط المهنية الصارمة بمنح رخص العمل لوسائل الإعلام من قبل الجهات المعنية بمنح الرخص، لغرض حماية مهنة العمل الصحفي من المتطفلين و ذوي الأغراض الخاصة التي لا تنسجم مع أصول هذا النشاط . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ *