Sunday, December 28, 2008

مسرحية ورقة التوت

ورقة التوت


مسرحية في فصل واحد

تأليف

أحمد الصالح

حزيران 1987
بغداد

المسرحية الفائزة بجائزة ( أفضل نص مسرحي ) في مهرجان منتدى المسرح السابع \ بغداد 1991























الشخصيات


د. وائل \أستاذ جامعي في الخامسة و الثلاثين

وداد \ طالبة جامعية في الثانية و العشرين




























" يملك النص الكثير من صنعة المسرحية، فكرة و حواراً ذكيا ًومفارقة و حبكة و نماذج ينهض الحوار المحتدم ببنائها من الداخل، بناء فيه الكثير من المتعة الحسية الذهنية التي يسعى الى تحقيقها المسرح بعامة ، ثم في النص تعرية لوجوه الزيف و الخديعة و الكذب ، تمنح النص قيمة أخلاقية ، تعليمية مطلوبة " .

محمد مبارك
بغداد \ 1991






" ان أحمد الصالح قد أدرك جيدا ً أهمية الصنعة المسرحية في " ورقة التوت " حيث أنشأ مبنى من التساؤلات تتمحور حول الفكرة الأساسية للمسرحية " الخطيئة " فقد أستطاع التعرض لها بجرأة عبر بنية منطقية يقظة ..
فورقة التوت كدالة قابلة للـتأويل اعتمدها المؤلف كرمز أساس منطلقا ً من كونها ستار الخطيئة منذ الرجل الأول والمرأة الأولى حيث سرعان ما يتحول هذا الرمز الى عامل مساعد في الفرشة الدرامية ..
انها لعبة شيطانية حقا ً أدخلنا اليها المؤلف، مثيراً فينا تساؤلا ً كبيرا ًفي ماهية أبعاد هذه الخطيئة ، و هل هناك حدود للخطيئة ؟
لقد حاول الصالح أن يضع سؤالا مستترا ً أستتار الخطيئة ذاتها ، وهو، هل هناك ما يبررالخطيئة؟
ان الولوج الى العوالم السرية يشير الى ان في داخل كل منا انسان وشيطان، وأن كل منهما يجد مبرارته في العوالم السرية للأنسان مهما كان ".

يوسف رشيد
بغداد \ 1991

















( منذ اللحظة الأولى لدخول أول متفرج ، نرى د. وائل في الصالة بوصفه أحد رجال التشريفات .

فهو يستقبل الجمهور و يقودهم الى مقاعدهم، يرحب بهم و يستجيب الى أستفساراتهم دون أية غرابة

في الموضوع ، فهو منهم و ليس من فاصل يفصله عنهم .

الستارة مرفوعة عن صالون بيت يشي بالرفاه و النعمة، توزعت قطع الأثاث على نحو ينم عن ذوق

عصري فهناك عدة لوحات على الجدران و في أحد الجوانب مكتبه مليئة بالكتب و التحف ..

انه بيت د . وائل الأستاذ الجامعي.
و عند أكتمال دخول المتفرجين الى صالة العرض ، ينسحب رجال التشريفات ، عدا وائل )



وائل :أهلا أهلا بكم آنساتي سيداتي سادتي ..

أهلا و مرحبا بكم في بيتي المتواضع هذا ، الذي هو بيتكم ، أشكركم من صميم قلبي لأنكم
كلفتم أنفسكم مشقة القدوم من بيوتكم .. من أحياء المدينة .. و من ضواحيها البعيدة .. لتضيفوا
عندي الليلة في بيتي ..

لا لتشربوا الشاي أو القهوة بالطبع ، فأنكم لا تهتمون بهذه السفاسف و لا ينطلي عليكم هذا
النفاق الأجتماعي ، أنما جئتم لتشاهدوا حكايتي ، و أنا فرح بهذا ، صدقوني .. لست ممن
يخفون الحقائق حتى لو كانت تلك الحقائق أسرار بيوت ، قد يحرص البعض على أخفائها و
كتمانها خشية أن يعرف بها الآخرون، فتسجل نقاط ضعف ضده ، لأنها أسرار !!

أما أنا.. فلا .. لست حريصا على أخفاء أي شيء .. لقد عودت نفسي على العمل بوضوح و
تحت الضوء .. و ..

( يرن جرس الهاتف )

و ربما يخالفني أحدكم الرأي فيما أعتقد .. فله رأيه .. و لي رأييي ..

( يستمر جرس الهاتف بالرنين )

عذراً أصدقائي .. أعتقد أن من الواجب أن أجيب على الهاتف ..

( و بعد أن يرفع سماعة الهاتف )

دكتور وائل.. أهلا ..أهلا ..أهلا سرى ، يعني بعض المشاغل ، لا شيء مهم ..الحمد لله بخير
أشكرك .. آسف جداً يا سرى .. لأني مرتبط بموعد مهم و سأخرج بعد قليل .. صدقيني كنت
على وشك أن أخرج عندما رن جرس الهاتف ..

في وقت لاحق .. أنا سأتصل بك .. شكراً سرى ...

على ماذا ؟!

لأنك أتصلت بي يا سرى ..

مع السلامة حبيبتي.

( يغلق الهاتف .. و يتوجه الى المتفرجين )

انها سرى خطيبتي .. مسكينة .. تُحبني .. تُحبني كثيراً ..

اني أسمع أحدكم يتسائل ، لماذا كذبت عليها أذن و قلت لها أني سأخرج بعد قليل !

ماذا أفعل يا أخي ..

ليس من سبيل للتعامل مع النساء غير الكذب .. ثم أني الآن بانتظار فتاتي !

( يخاطب أحد المتفرجين )

و لماذا أنت منزعج هكذا؟! سرى خطيبتي ، و أنا التي كذبت عليها ، فمالك أنت !!

( يرن جرس الباب فيما وائل مستمر في مخاطبة الشخص المعني في الصالة )

ثم اذا كان هذا الأمر يخدش حياءك .. بأمكانك أن تخرج يا أخي ..

( و لا أحد يجيب طبعا )

لماذا أنت صامت ..؟!

( الجرس مستمر بالرنين )

أوه .. دعك في مكانك .. عن أذنكم ..

( يفتح الباب .. و تدخل وداد، لا يبدو عليها الثراء، لكنها تجيد مواكبة الموضة ليس في زيها

فقط، انما في طريقة كلامها و مشيتها و في كل شيء.. و يصح وصفها بالفتاة المغناجة

اللامبالية لكن هذا الى حين ! )

وائل : أهلا وداد ..

( يحاول اخفاء غضبه الذي قد يفيده لأن يدعي انشغاله بامر هام أمام وداد .. ان هذا جزء

من خطته في أصطياد الفريسة !!)
وداد : أوه .. هلو دكتور .. في الموعد بالضبط .. اكزاكتلي .

وائل : ( بلا مبالاة ) نعم .. هذا شيء حسن .

( من الآن .. قد يغمز وائل الجمهور بشيء ما أو يلمح لهم بأنه يشعر بوجودهم ، لكنه

يبدأ ينسحب عنهم تدريجيا ليعيش حكايته متقمصا دوره بالكامل .. أما وداد فانها لا ترى
الجمهور لكنها تشعر بوجودهم في ضميرها ، في جملة القيم التي يحملها كل منا في
رأسه و التي قد لا تمت لمشاعره بصلة )
وداد : دكتور .. أرجو أن لا أثقل عليك .. الحقيقة دكتور .. اني دائما محرجة بحضورك..

وائل : لا وداد .. لا داعي للحرج .. تفضلي ..

وداد : أوه دكتور .. ثانكيو .. و الله يا دكتور .. لو لم تكن رغبتك في هذه الدعوة ..صدقني لما قدمت

الى بيتك يوما ..

أوه .. اني خجولة جدا دكتور .

وائل : رغبتي !!؟

وداد لم تكن رغبتي ..انها رغبتك !

وداد : أوه ما هذا دكتور .. ألم تكن أنت الذي طلب اللقاء .. هل نسيت ما قلته لي البارحة في حديقة

الكلية .. في تلك الزاوية البعيدة عندما أختلينا الى بعضنا !!

وائل : صحيح أنا الذي طلب لقاءك .. لكني قرات الرغبة في عينيك يا وداد ..

لا تحاولي أخفاء الحقيقة .. أنك لأكثر من مرة توحين الي بهذه الفكرة .. و لا أخفي عليك ..

كنت أحذر منك .. أنت بالذات .. و لأكثر من مرة حاولت الهرب من اللقاء بك ..

لكن ثقتي بنفسي و الحاحك الخفي، دفعاني لأستجيب لك وأبادر الى دعوتك على كوب قهوة

في بيتي .

وداد : ما هذا يا دكتور ؟!

كأنك تحملني مسؤولية خطأ ما .. حسن .. ألم يكن بأمكانك دعوتي في مكان عام ؟! مثل تلك

المرة في كازينو ..

وائل : كازينو وداد !!؟

طيب .. فكرّت في ذلك و قلت في نفسي، لتكن الكازينو ملتقانا مرة أخرى .. لكنك لم

تشجعيني على أن أطرح هذه الفكرة ..

صحيح أني لم أفاتحك بذلك .. لكني قرأته في عينيك .. رجل مثلي لا يخطىء في قراءة لغة

العيون ..

على أية حال وداد .. بودي أن تعرفي .. اني رجل مؤمن بحسم قضاياي المعلقة حتى لو جعلني

ذلك في مواجهة الموقف الصعب .. هذه طريقتي في التعامل مع الناس و مع الأشياء .

وداد : هذا واضح دكتور .. لكن صدقني .. لو كانت رغبتي بالفعل .. كنت أنا التي بادرت و ...
وائل : ( يقاطعها ) لا وداد .. أنك لا تصرحين بمثل هذه الأمور .. أنك أمراة ، و الرجل دائما هو

المسؤول عن المبادرة حتى لو كانت بصدد دعوة على كوب قهوة .. أنك تعرفين هذا جيدا ..

على أية حا.......

وداد : ( تقاطعه ) أعرف ؟!!

أنا لا أعرف شيئا دكتور .. صدقّني !

وائل : الله ما أجملك يا قطتي البيضاء .. دعك من هذا الآن ..

تعرفين أولا تعرفين .. ليس هذا بمهم الآن .. كيف تشربين القهوة .. حلوة أم مرة ؟

وداد : حلوة ..

وائل : غريب .. يبدو أننا غير متوافقين بالمرّة .

وداد : أنت تشربها مرّة ؟!

وائل : المرة ألذ ّ .. تعلمين ؟! لو كان لدي حنظل لغليته معها .

وداد : أنك تمزح دكتور !!

وائل : انها الحقيقة .

وداد : ما خاب ظني ..

أنك حقا رجل تعيس يستحق العطف و الحنان ..

تصور ! مع أن هذا لا يبدو عليك ؟!

وائل : ( بنبرة حزينة مدّعية ) ماذا أفعل ؟ هذا قدري و للرب حكمته .. لكني مؤمن بالله .. و لن أشكو

أمري لأحد ..

وداد : حتى لو كنت أنا ؟!

وائل : ( بأبتسامة خبيثة ) قلت لأحد .. و لم أقل لأحداهن !

( ثم يذهب ليجلب كوبي القهوة بينما تنشغل وداد بتملي المكان و التعرف عليه .. هنا نكتشف
أن ما ظهرت به علينا لأول وهلة ليس شخصيتها الحقيقية .. فهي قد لبست شخصية أخرى

للتعامل مع وائل .. فها هي تبدو عميقة التفكير شديدة الأنتباه و جادة في التعامل مع الأشياء ..

تفتح آلة التسجيل فتنبعث منها موسيقى رومانسية تصلح للقاء حُب بين رجل وامرأة .. بعد

فترة يعود وائل و يقدم كوب القهوة لها )

وائل :تفضلي .. القهوة الحلوة .. للحلوة وداد .

وداد : ( تعود الى شخصيتها المزيفة ) أوه .. ثانكيو دكتور .. هذا أطراء جميل منك .

وائل : ماذا ؟! أطراء !؟

هذا ليس أطراء وداد .. أنت حقيقة حلوة .

وداد : ( بعد رشفة من الكوب ) هه .. لم أسمع هذا منك من قبل ..

وائل : لم أكن جريئا بما فيه الكفاية .. و أنت تعرفين جو الكلية و علاقة الأستاذ بالتلميذة لا يسمح

بهذا.

وداد : لكن هذا يخالف الحقيقة !

وائل : أية حقيقة ؟!

وداد : دكتور ما هذا ؟! أنسيت ؟!

وائل : نسيت ماذا ؟!

وداد : أنك دائما تقول لنا ، الصراحة و الصدق أفضل سبيل للتعامل مع الناس و الأشياء و في كل

وقت ..

وائل : ما علاقة هذا بما نحن فيه ؟!

وداد : أنك تعرف اني حلوة .. فينبغي أن تقول لي ، انك حلوة ، حتى لو كان ذلك في الصف و أمام

الطلبة !

وائل : هكذا بهذه البساطة !!

وداد : وكيف لا دكتور ! أنك دائما تقول لنا ان للأنسان وجها ً واحدا ً.. و لسانا ً واحدا ً ..

وائل : ( يقاطعها ) المسألة لا تتحمل هذا التأويل .. أنها بسيطة جداً ، فلا تعقديها ..

وداد : بالعكس دكتور .. أنت تعرف كم أنا عفوية و بسيطة .. أنا الذي في قلبي على لساني ..

وائل : حقا !!

وداد : لا تهزأ بي دكتور ..

كن صريحا معي .

وائل : صريح حول ماذا ؟!

وداد : ألم تقل لي أنني حلوة ؟!

وائل : نعم قلت هذا !

وداد : أذن لماذا لا تصارحني ؟

وداد : ماذا تريدين ان تقولي بحق السماء !

وداد : أريد ان أعرف لماذا تكرهني ؟

وائل : ( مذهولا ) أنا !!

وداد : نعم أنت .. و دائما تهرب مني .. كلما أسالك في الصف أو أفاتحك بموضوع .. تسخر مني ..

ثم تنظر ألي بلا مبالاة مقيته .. مع أنك أحيانا تغمزني بشيء ما ..

و ها أنت اليوم تصرح لي بحبك و تقول لي ، أنك حلوة يا وداد .

وائل : أنا صرحت بحبي !!

وداد : نعم صرحت بحبك .. و الا ما معنى أن تقول لي ، انت حلوة .. و تقولها لي هنا في بيتك و مع

هذه الموسيقى .. و ها نحن الأثنين على أنفراد .. ماذا يريد الحب أكثر من هذا ؟!

وائل : ( مع نفسه ) و الآن ماذا ستقول يا وائل ..!!

( ثم يخاطب وداد بهدوء ) وداد ما هذا الذي تقولين .. أولا ً .. أنا لم أقل أني أحبك .. و ...

وداد : ( تقاطعه ) أذن أنت تكرهني يا وائل ( و تتصنع البكاء ) لماذا تكرهني ؟! ها !! لماذا !!

وائل : و لا أكرهك وداد .. أنا لم أقل شيئا من هذا .. كل ما في الأمر اني لا أنظر للمسألة من نفس

الزاوية التي تنظرين منها .. اني لا أجد حتى الآن علاقة بيننا تستدعي هكذا تعامل ..

وداد : ( وهي تدعي الأنفعال ) لا ترى علاقة ؟!

ما هذا يا دكتور .. لا ترى علاقة و تدعوني الى بيتك .. و تضرب موعد محدد و تؤكد على

أن آتي لوحدي .. هذا ما قلته بالضبط لي ، أمس في تلك الزاوية البعيدة .. أم أنك نسيت ...

و الآن تقول ليس من علاقة ؟! ( و يتضح حبثها )

يا لك من مغفلة يا وداد .. بماذا تبررين وجودك هنا ..

( و تجهش ببكاء خفيف )

وائل : وداد .. لا تحاولي محاصرتي بأمر ، هو في الواقع حصل برغبتك و ليس برغبتي .

وداد : للمرة الثانية ، تناقض كلامك الذي قلته لنا في الصف .

وائل : ماذا ؟! كيف ؟!

وداد : دكتور ألم تدعني الى هنا بنفسك ؟

وائل : نعم ..

وداد : وجئتُ أنا بالموعد ؟

وائل : نعم ؟

وداد : خلص ..

وائل : ما الذي خلص .. أي مأزق هذا يا ألهي .

وداد : ليس لله شأن فيما نحن فيه دكتور ..

ان الذي بيننا يعني شيئا آخر .. شيء غير علاقة الأستاذ بالتلميذة .. أليس كذلك ؟!

وائل : تقصدين ..أن هناك علاقة حب بيننا مثلا ؟!

وداد : ( تغير لهجتها ) هذا من جانبك ..

أما أنا .. فاني لم أفكر بهذا الموضوع أطلاقا .

وائل : وداد لا تلعبي بمشاعري .. ففي كل الأحوال أنا ما زلت أستاذك .

وداد : ( تدعي الغفلة مرة اخرى ) أنا دكتور !!!!

بالعكس أنا الذي في قلبي على لساني .. و أنت تعرف كم أنا عفوية و بسيطة !

وائل : كل هذا .. و .. عفوية و بسيطة .. اني أدرك الآن ما كنت غافلا عنه بالأمس .. لم لم أنتبه لك

طيلة كل تلك الفترة ..

غريب .. مع أن من طبيعتي الأنتباه الى الأذكياء و الأهتمام بهم ..

صحيح كنت أخشاك لهاجس ما في نفسي ، لكني لم أكن أتوقع أنك بهذا المستوى من الفطّنة .

وداد : ها أنت ترى كم ظلمتني يا دكتور .

وائل : ( يجاريها في اللعب ) عسى الله أن يمنحني الفرصة في القريب العاجل لرفع الحيف عنك يا

وداد ..

أني أعاهدك سيكون ذلك في المستقبل القريب ان شاء الله .

وداد : و كيف يا دكتور ؟!

وائل : سوف أهتم بك .. أهتماما خاصا ً.. و ستجدين نفسك تنالين أعلى الدرجات بين زملائك الطلبة .

وداد : ( وهي تعني ما تقول ) مقابل ماذا يا دكتور ؟!

وائل : نعم ؟؟!!

عفوا ً وداد .. أرجو أن لا يصل الأمر الى هذا الحد .. نحن ما زلنا أستاذ و تلميذته ..

أرجوك لا تدفعي الأمور بالأتجاه الذي يعجبك .

وداد : يعجبني دكتور وائل ؟!

وائل : طبعا ..انك تحاولين أن ..

( ثم يغير مجرى الحديث)


وداد .. يبدو أنك قد خبرت الحياة جيدا ً ( وبلغة الأساتذة )

لكن كثيراً من الأمور قد أختلطت عليك ..

انك أحيانا ً لا تعرفين بالضبط في أية مسألة تتكلمين .

وداد : ( بضحكة داعرة ) أهوه ...

لقد سمعت هذا كثيرا ً .. كثيرا ً جدا ً يا دكتور .

( يرن جرس بالهاتف فينهض وائل مسرعاً للخروج من هذا المأزق .. و يجيب على الهاتف و

هو يحاول أن لا تسمعه وداد )

وائل: ( على الهاتف ) نعم .. ( ثم بصوت خفيض ) أهلا سرى .. نعم .. هائنذا على وشك الخروج ..

أمر طاريء .. ما هو ؟!

وجدت قطة صغيرة في غرفة نومي .. كلا تحت السرير .. حتى الآن لم أستطع الأمساك بها ..

سأخرج حال الأمساك بها .. لم يبق الا القليل .. لو تعلمين ؟؟

لقد أخذت تلهث من التعب ..

صوتي خفيض ؟

أتعبتني مطاردة القطة يا عزيزيتي .. حسنا ً.. مع السلامة .

وداد : خطيبتك أليس كذلك ؟
وائل : كيف عرفت ؟!

وداد : لا شيء ..حدسي كان يقول لي ذلك ..ثم أنك كلّمتها بصوت لا أكاد أسمعه ..اذن هي خطيبتك .

وائل : الحقيقة أني في أشد الأسف وداد .

وداد : و لماذا الأسف ؟ هل حصل مكروه ؟

وائل : حصل أمر طاريء .. و ينبغي علي أن أخرج حالا ً .

وداد : مع هذا .. لا داعي للأسف دكتور .. نكمل حديثنا و أنا التي سأذهب ..

وائل : نكمل حديثنا !!؟؟

وداد : نعم حديثنا دكتور .. انك معتاد على حسم قضاياك العالقة !! أم انك نسيت؟! .

وائل : أي حديث وداد ؟!

وداد : الذي من أجله دعوتني الى بيتك .

وائل : وداد .. أنا اشكرك شكرا ً جزيلا ً لأنك لبيت دعوتي و سأكون ممتنا ً لو أتحت لي الفرصة

لزيارتك في بيتك .. مع أني لم أكن أحسب أن زيارتك ستكون على هذا النحو ..

كان بودي أن تتمتعي بوقتك هنا في ضيافتي لوقت أطول .. لكن ماذا أفعل .. أنت ترين الهاتف

.. و خطيبتي ...

وداد : على رسلك دكتور .. لن تنطلي علي هذه الخدعة .

وائل : أرجوك وداد .

وداد : بأي صفة ؟!

وداد : بصفة الحبيبة .. أنكر هذا أيضا ً !

وائل : أسمعيني جيدا ً وداد ..

وداد : نعم حبيبي ..
وائل : بلا حبيبي .. بلا بطيخ .. لقد كنت مخطئا ً عندما دعوتك الى البيت .. كنت أحسب أن

بأستطاعتي ...

وداد : ( تقاطعه ) و هل تظن أن الأمر بهذه السهولة دكتور .

وائل : أكاد أُُجن ..

أي أمر هو الذي بهذه السهولة يا وداد ؟!

وداد : من حقك أن تغضب ...

( الى نفسها ) ما كان عليك أن تكوني قاسية الى هذا الحد يا وداد ..

( بعد فترة)

دكتور تسمح لي بسؤال ..

وائل : ( بعد أن هدأت فورة غضبه ).. تفضلي .

وداد : هل يكفيك مرتبك في الجامعة ؟

وائل : كلا طبعا ً ..

وداد : لديك عملا ً آخر ؟

وائل : لابد من هذا ..

وداد : ماذا تعمل ؟

وائل : ماذا .. هل هو تحقيق ؟

وداد : كلا .. فقط أردت أن أعر ف .. هه .. ماذا تعمل ؟!

وائل : يعني .. أعمال حرة ..

وداد : كعملي مثلا ً ؟!

وائل : ( ساخرا ً فهو يعرف بالضبط ماذا تعمل! ) لم يبق الا هذا !

وائل : دعينا من هذا وداد !!

وداد : لماذا يا وائل !! لماذا !!؟؟

الطريق الذي قادك الى التجارة في السوق السوداء هو نفس الطريق الذي قادني الى التجارة السوداء التي أتعاطاها ..

نحن الأثنين نتعامل في الأسواق الحرام .

نبيع ضمائر و نشتري ذمم .. و نحن نعرف ذلك جيدا..

لماذا لا تعترف أنت بذلك ..

وائل : اني أمارس عملا ً شريفا ..

وداد : أين ؟؟!!

في الكلية أم في السوق السوداء .

وائل : لن يجديك هذا نفعا ً .. لن أبرئك .. و لن يبرئك جميع الناس ..

لماذا جئت الي يا عزيزتي اذا كان شعور التوبة يلح عليك هكذا ؟!

لست انا بالكاهن يا وداد !

وداد : لم تُخطيء .. انك أنت نفسك بحاجة الى كاهن يبرئك من الخطيئة .

وائل : وداد .. انتهى كل شيء .. و أرجوك تفضلي .

وداد : ( تعود الى غفلتها المتصنعة ).

ماهذا يا دكتور .. تزعل مني .. لقد جئت كما طلبت و قد هيأت كل مستلزمات الدعوة .. أنظر

.. ( تفتح حقيبتها و تستل منها كاسيت فديو ).

وائل : ماهذا ؟!

وداد : كاسيت فديو !! ماذا ؟! أول مرة تراه .. مع أن جهاز الفديو هاهو أمامي !!

وائل : أقصد ماذا به .. أي فلم فيه ؟

وداد : أوه دكتور .. لا تتعجل الأمور .. ستعرف كل شيء .. فقط أمنحني فرصة لأكمل كلامي ..

وائل : ( بانزعاج ) تفضلي ..

وداد : اي .. و كم تربح في الشهر ؟

وائل : مرة أخرى !

وائل : و كيف لا دكتور .. اني منذ الآن يجب أن أعرف عنك كل شيء .. دخلك .. مصادره .. لماذا أخترت السوق السوداء دون غيرها من الأسواق ..

وائل : ( لكي ينهي الحديث ) لأن الربح فيها أوفر .. ها ؟ هل أرتحت ألآن ؟!

وداد : و هل يصح ذلك ؟!.. أستاذ جامعي يعمل في السوق السوداء !!!!

وداد : أنا لم أقل عيب .. لكن ما السبب ؟!

وائل : ( بتهكم ) نفس السبب الذي يدعوك الى للعمل يا آنسة وداد .

وداد : عظيم .. هذا ما أردته بالضبط .

وائل : ما العظيم في ما قلته ؟!

وداد : لم يبق الا القليل و تكتمل سهرتنا.. والقليل الذي بقي هو أهم ما في سهرتنا ..عندك مشروب ؟؟

وائل : طبعا ً عندي يا قرين العين ..ماذا تشربين..ويسكي .. شمبانيا .. براندي أم أنك تفضلين البيرة ؟

وداد : لابد من الجرأة في مثل هذه الأمور .

وائل : هه ؟!..

وداد : ماذا تشربين يا وداد .. ماذا تشربين ؟!

( بعد لحظة ) .. عصير .

وائل : عصير ؟؟!!

وداد : أجل عصير ! ألا يوجد عصير ؟!

وائل : لا طبعا ً .. يوجد ..

طيب .. عصير .. عصير .. ( يذهب ليجلب العصير بينما تضع وداد كاسيت الفديو في الجهاز

و تهيئه للتشغيل دون أن تفتح الزر.. و بعد لحظات يعود وائل حاملا كأسي عصير ).

وائل : تفضلي هذا العصير ... لنرَ ماذا بعد ذلك .

ودادا : ها ماذا قلت ؟!

وائل : لاشيء .. لاشيء .

وداد : أنت أيضا ً تشرب العصير .. انك جريء مثلي ..

وائل : ليس من اللياقة أن أشرب شيئا ً آخر و أنت تشربين العصير .

وداد : تتكلم عن اللياقة دكتور .. هذا جميل منك .. الحقيقة أنك دائما تغريني بكلامك .. حتى أنك

تشجعني على قبول الفكرة التي تلحُّ عليّ .

وائل : ماذا تريدين بالضبط ؟!

وداد : أريد حسم القضية المعلقة بيننا .

وائل : ليس هناك من قضية غير تلك التي في دماغك و من صنع خيالك و أواهامك ..

وداد : أوهامي دكتور وائل التي تسخر منها الآن .. أنت مسؤول عنها ..

لم تكن لدي أوهام قبل أن أعرفك .. أنت الذي زرعها في رأسي .. من أحاديثك أنت

..محاضراتك في الشرف و الفضيلة والمثل العليا .. من هذا كله بنيت أوهامي .. بنيتها وهما ً

فوق وهم .. من محاضراتك أنت .. عشت أياما ً بلياليها في صراع مرير مع نفسي .. صراع

أسود .. لم أكن أعرف الحزن .. و لم تتسلل الكآبة يوما الى نفسي ... لكن مذ عرفتك وجدت

نفسي في بحر من الهوس و القلق و الضياع .. فتاة عارية مثل كلبة سائبة في شوارع التيه ..

و كان لابد من التحدي ..كان لابد لي أن اتحدى نفسي.. فأبتدأت بها .. و لأني جُبلت من طين

السواقي النظيفة ،وجدت في نفسي ثمة أملاً للخلاص .. شجرة الأمل هذه أزهرت في روحي
.. كان لابد لي من التشبث بها .. ليس لشيء ..فقط لأعيش .. أليس من حقي أن أعيش ؟!

و أخذت أنتشل خطاياي من قاع روحي .. الواحدة تلو الأخرى ..

كان لابد لي أن أنظف روحي أولا .. فأنا الى يوم قريب كنت أحسب نفسي أني الخاطئة

الوحيدة على وجه الأرض .. أما اليوم ، فلقد تغير الأمر كثيراً يا وائل .. اليوم هدّمت

أوهامي و مسحت عذاباتي .. وجئتك كأمنا حواء .. أمرأة مثل ماء .. هل أنا أمرأة من ماء

؟! ( تنتحب )

وائل : ( يحاول تهدئتها ) وداد .. أرجوك يا وداد .. يا عيني .. الحياة ليست كلاما ً و حسب .. ان ما

أقوله في الصف يا عزيزتي ليس بالضرورة يمثل سلوكي في الحياة ..

وداد : ( بحرقة ) لماذا ؟؟ لماذا ؟؟ ( باكية ).

وائل : لأن ذاك الكلام مكرّس لكم ما دمتم طلبة ..

وداد : ( ساخرة ) و بعد التخرج ؟!

وائل : ستعلمكم الحياة كلاما ً آخر ..

هكذا هي الحياة .. أنا مثلك يا عزيزيتي عندما كنت طالبا ً .. كنت أسمع نفس الكلام الذي

تسمعينه مني الآن ، من أستاذي .. و بعد أن تخرجت و أدرت كرسيي من الجنوب الى الشمال

.. من طالب الى أستاذ .. كان لابد لي من الأستمرار بنفس اللعبة التي لعبها أستاذي من قبل و

لعبها من قبله استاذه .. و ستعلبها بعدنا أجيال و أجيال الى يوم يبعثون .. هكذا هي الحياة يا

آنسة وداد ...

اننا ببساطة حفاة نمشي على هشيم من البلور و الشاطر فينا من لا يجرح قديمه ..

وداد : لكن هشيم البلور ذاك .. هو أنسانيتنا ..هو ضميرنا الذي هوينا عليه بفؤوس الرخص و الأنانية

فأحلناه الى هشيما ً .. هو درّة وجودنا و حقيقتنا الخالدة التي نباهي بها الكائنات .. لماذا اذن

بعنا أنفسنا للّذة العابرة ؟؟

لماذا ؟؟ أجبني ؟؟

يا ألهي .. من ذا الذي سيقود قدمي لأدوس بهما هشيم البلورهذا .. فلعلي أطّهر روحي

بنزيف الدم .. مَن ؟؟

وائل : يا لله .. دعك من هذا يا وداد .. دعك من هذا الآن .. خذي الأمور على سجيتها يا وداد .. كوني

سهلة و بسيطة و متسامحة .. أنني أنا أستاذك أسمعي كلامي و خذيه عبرة مني ..

وداد : أي كلام هذا .. كلام الصف أم كلام الحياة ..؟!

وائل : ( ضاحكا ) يا لك من لماحة ذكية .. أختاري أنت ما شئت يا قطتي البيضاء الحزينة .. فقط

دعينا نعيش لحظتنا ..

وداد : تفضل يا دكتور .. تكلم .. أنا منذ زمن أحلم بهذه اللحظة ..

الله . أنا و انت في صالون بيتك الجميل ..

متقابلان هكذا ..مثلما نحن الآن تماما .. نشرب عصير البرتقال رشفة رشفة .. و موسيقى

تنبض من الجدران .. و جو يوحي بالشاعرية .. و كلام مثل العسل .. الله .. الله ..

و الذي بيننا اعظم من ان يقال .. الله ما أجمله .

وائل : وداد .. لا تبتعدي عن الموضوع ..

وداد : أنا فيه يا دكتور .. صدقني و الله أكاد أغرق فيه .. انك لا تتصور كم أنا معجبة بك .. و كم

بنيت أحلاما وردية من أجلك .. حتى أني عندما ألمحك من بعيد .. تكاد الدنيا لا تلّمني ..

فأروح أسبح في عالم الأحلام .. كل يوم تجدني أرسم حلما ً يختلف عن الآخر .. مرة أنا و

أنت في أرض فسيحة خضراء .. و مرة في ساحل البحر عند الغروب .. و مرة في السماء عند

أنبلاج الفجر أنا و أنت نطير مثل حمامتين ..و مرة هنا في صالون بيتك هذا .. مثلما كنت أحلم

تماما .. هل أنا في حلم الآن !!

وائل : يبدو أنك منتبهة جيدا لمحاضراتي !

وداد : تصور ! .. و مع هذا أنال أعلى الدرجات في دروسك .

وائل : ( و قد أدرك ما تعني ) وداد .. تنالين أعلى الدرجات لآن أجوبتك في الأمتحانات صحيحة .

وداد : لا يا وائل أنك تكذب .. ليست هذه الحقيقة .

وائل : ( بتحدي ) و ما هي الحقيقة.. آنسة وداد؟! .

وداد : الحقيقة أنك تستدرجني لمصديتك .. مثلما أستدرجت غيري ..تغريني بالنجاح من جهة و تصد

عني كلما كلمتك من جهة أخرى .. انك باسلوبك هذا يا دكتور تروض أشرس النمور .

وائل : أنت التي جئت بقدميك الى البيت .. كان بامكانك أن ترفضي .

وداد : طبعا .. من السهل جدا أن أرفض .. لكن رفضي سوف لن يغير اتجاه كرسيي من الجنوب الى

الشمال .. ستبقى أنت في كرسي الأستاذ و سأبقى أنا في كرسي التلميذ .. التلميذ الذي عليه

أن يسمع و يسمع فقط .. و الا سوف لن يجد كرسيا على الأطلاق .. كرسي الأستاذية يا

أستاذ .. جبروت .. جبروت لا يقل شأنا عن جبروت المال أو الجاه أو السلطة .. جبروت

مصنوع ببراعة من كلمات منمقة و معارف زاخرة و عوينات و حقيبة و قليل من الخبث

يكفي ..لا تعجب .. هذا بعض من أحاديثك الينا .. أم أنك تريد أن أكمل كل أحاديثك .. حسن

.. بأمكاني أن أجرد لك كم من الفتيات و الفتيان كانوا ضحية كرسي الشمال الذي تربعت

عليه كأنك سلطان زمانك .

وائل : ( غاضباً ) يكفي .. الى هنا يكفي .. و تفضلي .. مع السلامة .

وداد : ( تعود الى لهجتها المتصنعة ) حبيبي وائل .. ما هذا .. تغضب مرة أخرى .. يا عيني عليك

عندما تغضب .. كانك طفل صغير .. يا عيني .. لا تدري كم أحب الرجل عندما يصير طفلاً

.. بخاصة .. عندما يكون الطفل دكتورا ً و أستاذاً جامعياً .

وائل : ( بغضب مكتوم ) وداد .. أرجوك لا تتجاوزي حدودك .. أعتبري كل شيء بيننا قد أنتهى ..

أذهبي ..

وداد : ليس هذا في صالحك .. أما اذا ما عرفت أن حديث البارحة في تلك الزاوية البعيدة .. كله قد تم

تسجيله على هذا الشريط ( تستل شريطا ً صوتيا ً من حقيبتها ) فأنك سوف لن تغضب بعد

الآن ..

( و تستمر وداد بلهجتها الباردة فيما يدهش وائل لما يرى غير مصدق )

أما اذا غلبك انفعالك و بقيت هكذا غاضباً .. فأنك ستضطرني الى أن أسلُم الشريط الى من

يرغب بسماعه .. ها .. دكتور ؟! سكّت !! ليس في صالحك أن أخرج من بيتك و أنا غاضبة

.. أحذر ..

وائل : ( و هو لا يدري ماذا يقول ) وداد أنت لس طبيعية .. لس طبيعية أبدا ً.

وداد : ربما .. و الا ماذا تقول .. لكن بحق السماء يا وائل .. ماهو الطبيعي .. و ما هو اللاطبيعي ..؟!

علماء النفس لم يحسموا هذه المسألة حتى الآن ..( تغير لهجتها و تعود وداد المتصنعة اللعوب)

لكن ألا ترى أن هذا متعب لنا دكتور .. دعنا بالمهم .. أنت دعوتني الى هنا لماذا .؟! ها !؟

وائل : ( مذهولا ً )ها ..!! وداد أعتبري الدعوة منتهية .. و أذا سمحت .. هات الشريط .؟

وداد : دكتور وائل .. دعنا بالمهم أقول لك .. صدقني أنا لا أضمر لك السوء .. بالعكس .. أني أحبك

.. و أريد لك كل الخير .. لكني أجد من الضروري أن نجد حلاً لمشكلتنا ..

وائل : و ماهي المشكلة بنظرك وداد ؟

وداد : المشكلة ببساطة .. أنك أستاذي .. ثري و رجل فاضل .. لكنك ترفل بالخطيئة .. وأنا تلميذتك

الفقيرة البائسة أرفل بالخطيئة أيضا .. , ..

وائل : ( يقاطعها ) كم تطلبين ؟

وداد : المسألة ليست على هذا النحو .. أنا لا أشحذ منك دكتور .. أسمعني جيداً .. لقد جئت الى هنا

لأنقذك من ورطة كبيرة أنت فيها .

وائل : ورطة ؟! أية ورطة ؟!

وداد : أنا يا دكتور .. أنا أكبر ورطة بالنسبة أليك .. يكفي أن تعرف أنك غير مخّير .. أنك الآن في

قبضة يدي ، فكيف ستفلّت منها ..

أسمع يا وائل .. كلانا مخطئان .. و رغم أنك ما زلت فوق .. و أنا مازلت تحت .. لكن

الخطيئة هي أيضا ساحة للقاء .. بل هي أنسب ساحة للقائنا .

وائل : من قال هذا ؟ من قال هذا ؟

وداد : أنت الذي قلته .. ألم تقل أن الفضيلة أنسب ساحة للقاء الأفاضل ..

أعكس المعادلة .. ستجدني غير مخطئة .. ما هذا يا دكتور .. أنت أستاذي .. و ما أنا ألا طفلة

صغيرة في مدرسة الخطيئة التي أنت عميدها ..

( بجد مشوب بالسخرية ) دعني يا أستاذي الجليل .. دعني أنهل من علومك .. و أني أتذرع

الى الشيطان أن يطيل في عمرك ..فماذا عسانا أن نفعل نحن تلامذتك الصغار بدونك .. ماذا

عسانا أن نلقى في دروب الدنيا و متاهاتها دون بركاتك .. انك يا أستاذي العزيز .. شجرة

الخطيئة الوارفة الظلال .. فدعنا نحن الصغار المساكين نتفيأ بظلك .. لكن قل لي .. ما

الخطيئة ؟؟

( و تغير لهجتها الى الجد ) هل الخطيئة أن تنتقل وداد من بيت الى بيت و من رصيف الى

رصيف و من رجل الى رجل .. أم أن ينتقل وائل من أمراة الى أخرى ..؟

هل الخطيئة أن يتاجر أستاذ جامعي في السوق السوداء ..؟!

قل لي .. هل اللذة العابرة خطيئة !؟.. كم كم المتزوجين خاطئين .. و كم من العزاب

خاطئين؟! .. كم من الأساتذة خاطئين .. و كم من الطلبة خاطئين .. كم من الشيوخ .. كم من

الشباب .. من النساء .. كم منهم خاطيء ؟!!.. كم ..؟!

قُل لي ما الخطيئة يا أستاذ .. قُل ؟؟

( و بعد فترة صمت مشحون بالتوتر ) أنت نفسك لا تعرف ما الخطيئة .

وائل : ( بعد تأمل عميق ) نعم أنا نفسي لا أعرف ..

وداد : و أذن .. بأي حق أعتليت كرسي القضاة .. و صرت تتحكم في مصائرنا ؟؟ .. من أباح لك هذا

الحق في أن تكون فيصلاً بين الصح و بين الخطأ ؟؟ ..هل هو تفويض من السماء و حق ألهي

آخر ؟؟

أنك يا سيدي الحكم و اللاعب في ملعب الخطيئة .. و لن أخطيء أن قلت .. أنت الخطيئة بكل

عنفوانها الباذح ..

وائل : اني أجزم .. أنك قد صرعت الكثيرين قبلي .. و ها أنت تحاولين أن تلعبي اللعبة نفسها معي ..

لكن هيهات .. وائل ليس كغيره من الرجال .. قولي لي .. كم رجل وقع في مصيدتك ؟

وداد : كثيرون .. و أني أباهي و أفخر بذلك و أنا في حضرتك أستاذي العزيز .. لكن قل لي .. كم فتاة

أصطدت قبلي ؟؟

وائل : كثيرات أيضا يا وداد .. حسناً .. ها نحن نلعب بالورق المكشوف و لنرَ من سيصل خط النهاية

قبل خصمه .

وداد : في مباراتنا هذه ..أعتقد أن الفوز و الخسارة ستكون من نصيبنا نحن الأثنين معا ً.

وائل : و كيف يكون ذلك .. في كل مباراة هناك فائز و هناك خاسر !!

وداد : الا مباراتنا هذه .. فأما أن نفوز كلينا أو نخسر كلينا .. أم أن الأمر قد صعب تفسيره عليك يا

أستاذ ؟!

وائل : أكاد لا أفهمك .. أنك ذكية الى حد لا أستطيع فيه مجاراة ذكائك أنك تلخصين خبث النساء

جميعهن في هذا الراس .

وداد : و خبث الرجال أيضا دكتور وائل ..

أرجو أن لا تنسى محاضراتك المسهبة لنا نحن طلبتك المغفلين ..

هل تذكر ما قلته عن الذكاء و الخبث .. أنا التي سأذكرك به تفصيلا ..

وائل : أرجوك يا آنسة وداد .. الأمر لا يحتمل هذا التعقيد ..

بودي أن أسالك نحن هنا من أجل ماذا ؟؟!!

وداد : حقا من أجل ماذا ؟؟

طبعا بأمكانك أنت، أن تجيب على ذلك بسهولة فأنت صاحب الدعوة ..( و فيما يمتعض وائل)

و لأقل لك .. نحن الأثنين صاحبا الدعوة .. ها أنت ترى أني تنازلت ، نزولاً عند رغبتك و

توافقا ًمع منطقك في اللعب كي لاأجرح كبريائك .. تفضل بأمكانك أن تُجيب ..

وائل : ( مبتسما ً) وداد .. ألا ترين أن الحياة أبسط بكثير مما نحن فيه .. اني أعترف لك أنك لست

كغيرك من القطط المغمضة اللواتي دعوتهن الى هذا البيت .. لكن صدقيني يا آنسة وداد .. أنا

لم أستعمل القوة أو الأكراه يوماً على أحد .. ما زلت أؤمن أن ما من شيء أناله الا ذاك الذي

أستحقه فعلاً ، و هو يأتيني في العادة على صدق نيتي و حسن سجيتي .

وداد : حتى و أن كنت أنا .. هذا الشيء ؟!

وائل : أنت .. أنت ما زلت حتى اللحظة لغز محير لي .. ربما أستحقك و ربما لا ..

وداد : وائل .. أنا أحدى ضحاياك .. أنا أحدى قططك المغمضة لكن هناك فارقاً واحداً بيني و بين

سواي .. هو أني قد فتحت عيني أخيرا ..و رغم ذلك .. ما زلت قطة تموء عند قدميك ..

وائل : على فكرة .. أجمل لك أن تبقي مسدلة الجفنين .

وداد : ( تغمض عينيها ) هكذا ؟!

وائل : و الله .. اني أراك أجمل هكذا .

وداد : ( وهي ما زالت مغمضة العينين ) ها أنت تعزف لحنك المغري على أضعف وتر لدى النساء

.. الجمال ...

وائل : و هل هناك أحلى من أنغام هذا الوتر يا قطتي البيضاء .

وداد : ( تفتح عينيها و هي لم تزل في خدرها اللذيذ ) غاب عن ذهنك يا أستاذي العزيز .. مُذ خلقت

أمنا حواء من ضلع آدم .. كان الجمال سلاحاً قاهرا ًبيد المرأة لو أحسنت أستخدامه ..

وائل : و هل أحسنتِ أستخدامه أنتِ ؟

وداد : بالطبع .. والا كيف أوقعت فرائسي في المصيدة .. أني لا أملك غيره .. ليس لدي المال أو
الجاه أو المنصب أو النسب .. و لا حتى كرسي الأستاذ ..

ها .. ما الذي تبقى لك الآن ؟!

وائل : لا يا وداد .. ما زال الكثير .. الكثير لدي .. لكني و بالحق أقسم .. أني قد أعجبت بمنطقك و

حلاوة لسانك .. أنك تتمتعين بذهن متقد و ببصيرة ثاقبة .

وداد : و ماذا بعد ؟

وائل : و بجمال أخاذ ..

وداد : لا يا وائل .. ورقة الجمال أحترقت .. أنظر ها هي .. ورقة فاسدة لا روح فيها ..

وائل : و ما وراء الجمال و ما بعده .. هل فسد هو أيضاً .!؟

وداد : ماذا تريد أن تقول يا وائل ..؟!

وائل : الذي تريدين أن تقوليه أنت .. الذي نريد أن نقوله .. نحن الأثنين معا ً.. الذي منذ ساعة ندور

حوله ..

نحن يا وداد مثلما العطاشى .. ندور حول نبع الماء ، لكننا نخشى أن نروي ظمأنا منه خشية

أن نتسمم .. و لماذا نتسمم ؟! نحن لا ندري ان كان نبع مسموماً أم لا .. فقط لأن أحدهم

أخبرنا .. أن هذا النبع مسموم..

ربما أخطأ هذا الأحدهم .. ربما هو عاجز حتى أن يتشهى

الماء !!

وداد : ( وهي لم تزل في خدرها و أئتلاق شهوتها ) و هل تتشهى الماء أنت كما أنا .؟!

وائل: بودي لو أغرق فيه .. الماء يتدفق زلالاً من نبعك. . يا أثرى نبع ..

وداد : ما زال النصر بعيدا عنك يا آدم .. فهناك في يد حواء تفاحات أخر ..

وائل : عن أي تفاح تتكلمين يا وداد و من وجنتيك يفوح أزكى عطر .. و أشهى تفاح ..

وداد : هل حقا ما تقول ؟

وائل : قسما بآدم و حواء .

وداد : وائل !!!...

وائل : عيون وائل ..

وداد : و لكن ليس الآن .

وائل : ولماذا يا معبودتي .. الآن أجمل .

وداد : ليس قبل أن تقسم لي .

وائل : سأقسم لك بشفتي ..

وداد : أريده بقلبك و لسانك .. هل صحيح ما قلته الآن ؟

وائل : طبعا ً صحيح يا حلوتي .. صحيح مئة بالمئة .

وداد : ( بفرح ) صحيح وائل ..

و متى سيكون الزفاف ؟؟

وائل : ( مصعوقا ً) عن أي زفاف تتكلمين ؟

وداد : ( مندهشة ) زفافي أليك !!

وائل : يا الله .. ها نحن نعود الى الحديث السقيم !

وداد : ( ببرود ) هل رأيت .. هذه ورقة أخرى تحترق ..

وائل : ( غاضبا ً) أوراق .. أوراق .. أوراق ..

وداد ماذا دهاك .. هل انت أمراة .. من أين طينة جُبلتِ .. ألست أنثى .. أم أن ثقافتك قد

أطفأت فيك جمرة الأنثى .. وداد لم تطفيء فيّ ثقافتي جمرة الرجل .. فما عساك أنت ؟!

أنت رغم حسن مظهرك و لباقتك .. أجزم .. أنك لست بأنثى .. اني أُحادث رجلا ً منذ ساعة

.. لا ليس برجل .. أنما أحادث عجوزا ً خرقاء لا حياة فيها ..

أسمعي وداد ..أذا بقيت على ما أنت عليه .. فأنا على يقين أنك سوف لن تجدي أسمك على

لسان رجل أبدا ً..

وداد : ( تبكي بأنفعال ) كفى .. كفى .. كفى .. ما الذي تريده مني .. ما الذي تريده أكثر من هذا .. و

ماذا اعطيت أنت .. أنك رجل أناني غشاش .. أنك ..

لا استطيع .. لا استطيع .. ( تقوم لتغادر .. لكنها تتوقف و تعود ثانية )

لكن لا لن أغادر .. يكفي ان أكون هنا بحضور خطيبتك .. أم أنك تجدني مغفلة ..

لا.. لا.. ان احترقت فسوف أحرق العالم معي .. أنا أيضا لي الحق في الحياة ..

وائل : ( ضاحكا ً بتشفي ) يا لبؤسك و شقائك .. أنظروا هاهي حواء ايها السادة .. جاءت اليوم لتثأر

لبنات جنسها من آدم .. ( ساخرا ً) لكني لست آدم !! أنا وائل .. أنا وائل يا وداد .. و هذه

الحلبة ما زالت أمامك .. ربما تخسرين جولة .. لكن النزال ما زال مستمرا ً .. و أنا رجل

شريف ، سوف لن أسمح لأحد المشاهدين أن يتدخل .. و لذا أود أن أطمئنك ، أن خطيبتي

سوف لن تأتي اليوم .

وداد : لم تجافِ الحقيقة يا دكتور .. النزال مازال مستمرا ً.. لكن المشاهدين سيتدخلون هذه المرة ..

وائل : و كيف يكون ذلك و أنا أراهم و اجمين ..صاغرين و قد شنّفوا أسماعهم ..

هناك أحدهم في تلك الزاوية يضحك !! لا أدري لماذا !!

أنظري عيونهم .. أنها تحدق فيك .. أنهم ينتظرون سقوط الضحية .. كي يصفقوا للجلاد ..

وداد : خطيبتك ستأتي يا دكتور .. و ستشهد مهزلة آدم التي ستكون مأساة كبرى لوائل .

وائل : ( ضاحكا ) ها .. ها .. ها .. من حقك أن تقولي هذا .. يا لغفلتك .. أنك لم تسمعي ما جرى

بيني و بينها على الهاتف .

وداد : كنت قد سمعته منذ البارحة .

وائل : ماذا تقولين ؟!

وداد : طبعا .. و كيف لم أسمعه و أنا التي قلته .. ( وائل مندهشا ً )

نعم دكتور وائل .. أنا التي أبلغت خطيبتك بكل شيء .. و هي لم تتصل بك الا بطلب مني ..

لا تعجب .. ما زال النزال مستمرا ً .

وائل : يا الهي .. يا الهي .. ماذا أفعل .. أسمعي .. ان لم تخرجي الآن فسأتصل بالشرطة و سيكون

يومك أسودا ً.

وداد : مهلا دكتور وائل .. ليس من الحكمة أن تستدعي الشرطة لأمراة ضعيفة .. مسكينة مثلي ..

ماذا ستقول لندمائك على طاولتك المسائية .. هه ؟!

أستدعيت لها الشرطة حتى خرجت من البيت .. يا لطفلي المسكين الضعيف .. هل أعيّتك

الحيلة يا وائل .. كيف .. و أنت دون جوان عصرك .. و فحل زمانك .. كيف.. كيف يكون

ذلك ..

وائل : أسكتي .. اسكتي .. شيطان .. أنت شيطان .. أنت لست عجوزا خرقاء فقط .. أنت شيطان

أيضا ً.

وداد : نحن في عصر الكومبيوتر دكتور وائل .. ما هذا التخريف ..؟!

وائل : أسكتي .. ( يهجم عليها لكنها تفلت منه بلباقة و هي تشهر بوجهه الشريط الصوتي مهددة به )

وداد : لن تمسني ..

ليست هذه النسحة الوحيدة منه .. هناك نسختان في البريد .. واحدة لخطيبتك و أخرى لعمادة

الجامعة .. ستصل في الوقت المناسب و هناك من يوصلها ان لم أعد خلال ساعات .. سأجعلك

ترفل بالفضيحة .

وائل : ( واجما ً مندهشا ً .. تمور في داخله أعاصير من الغضب .. لكنه و لكم حاول أن ينطق و لو

بكلمة .. فلم يفلح .. ثم يدفن وجهه في راحتي كفيه و يروح باكيا ً)

وداد : يا عيني .. تبكي .. يا طفلي الصغير المدلل .. يكفي .. يكفي هذا ..

و الآن قل لي .. هل تحبها الى هذا الحد يا أستاذي العزيز ؟

وائل : أجل ..

وداد : و هل تخاف أن تفقدها .. لماذا يكون الخوف قرينا ً للحب ؟!

أجبني يا وائل ؟

أذكر أني قد سألتك ذات السؤال يوما في الصف .. و لكنك سخرت مني .. هل تذكر .. تذكر ما

قلته لي ، لقد قلت لي ساخرا ً: بامكان جميع الناس أن يحبوا.. لكن الخوف حصة الخائفين فقط

يا وداد .. و كأنك تقول لي : أنا اشجع من عنترة يا وداد ..

وائل : كفى .. كفى يا وداد .. كفى برك .. أنا لا أطيقك .. أني اكرهك .. أكرهك .

وداد : لكني أحبك .. أحبك يا وائل .. و سوف لن أتنازل عن حبي لك قدر ما حييت .

وائل : أنك لا تُحبيني أنا .. لا تُحبيني أنا .. أنك تحبين في الدكتور .. الأستاذ الجامعي .. تُحبين في

المنصب و المركز الأجتماعي و الثراء .. تُحبين فيَّ كل ما يغري حواء في هذا الزمان ..

السيارة و الجاه و البيت الفخم ..

لقد سال لعابك كما يسيل لعابكّن في كل زمان ..

و ماذا بعد .. لا شيء .. لا شيء .

وداد : وأنت ماذا تريد من خطيبتك .. الفضيلة و المثل العليا و النبل و النقاء !!!!؟؟

لم تعد تغريني هذه الكلمات الجوفاء الرنانة .. كلمات تصبها في آذاننا كالرصاص المذاب كل

صباح ..

أنك لا تدري كم كان أحساسي رهيبا ً عندما وضعت يدي على حقيقتك .. يوم أكتشفت زيفك و

ريائك .. يومها يا وائل .. و يومها فقط منيت نفسي بالأمل .. و قلت لعل الرب يغفر لي

خطاياي .. و أخذت أبصر بوضوح .. أنا التي كنت أخال نفسي الخاطئة الوحيدة في هذا الكون

.. و كنت أحسبك المثال المنزّل من السماء .. و شوكة الشرف التي طالما و خزت ضميري ..

هل تعلم ماذا أصابني يومها ..

لم تصبني الدهشة كما الناس العاديين .. لا .. لقد أرتجفت و أهتزت جميع أوصالي .. و

تملكتني رعشة كتلك التي تتملك الأنبياء ..

في تلك اللحظة .. غاب الوعي عني .. و أخذتني سنة من النوم .. و لكني لأول مرة لم أحلم

في المنام ..

( ثم في أنتقالة من الجد الى الهزل )

دكتور ما تفسير هذا ؟؟!!

وائل : يا الهي .. أرجوك وداد ( فيما وداد ضاحكة ) ..أرجوك قولي لي ماذا تريدين مني .. هل دفعك

أحدهم الي .. ماذا تريدين مني ؟؟!!

وداد : قل ماذا تريد أنت من خطيبتك .. هل الزواج فقط ؟

أم انك تريد أن تتزوج أملاك ابيها .. مع أني أرجح الأحتمال الثاني .

وائل : لا هذا و لا ذاك .. هل علي أن أتزوج من فتاة فقيرة كي أرضيك .؟!

وداد : و من أنا حتى ترضيني .. أنا فقط أردت أن أتاكد ..

وائل : ( بتصميم ) وداد .. أني أحب خطيبتي و أريد الزواج منها .. و أذا كانت أبنة رجل ثري فليس

في الأمر عيب أو خطأ ..

وداد : ( هازئة ) أبدا ً دكتور وائل .. ما من خطأ في ذلك .. ( و بجد ) لكن العيب فيه عندما تكتشف

أن خطيبتك شريكتي في غزواتي الرجالية ..

وائل : وداد !!

وداد : أجل يا وائل .. ماذا كنت تظن أذن !

ثم أليس من العيب أن تريد هذا الأمر لنفسك بل و تفخر به كل مساء أمام أصحابك .. و تجده

من الكبائر على خطيبتك .. لماذا يا وائل .. ما هذه الأنانية يا عزيزي .

وائل : وداد .. هل صحيح ما تقولين ؟!

وداد : و لدي الدليل القاطع ..

ثم لماذا تندهش .. هذا أمر بديهي .. أنك دائما كنت تقول لنا .. المال مفسد للمدركين .. فكيف

اذا كان بيد المغفلين .. و أعتقد أن خطيبتك مغفلة .. هذا باعترافك أنت .. ألم تقل أنها فاضلة و

نقية و نبيلة .. أليست هذه صفات المغفلين دكتور وائل .. أم أني على خطأ ؟!
انك بالطبع لا تستطيع نكران ذلك .. هذا ما قلته لنا في الصف .. و لا أخفيك سرا ً أن قلت

لك .. أني قد أخذت قولك هذا رأس مالا ً لي في جميع غزواتي ..لا لشيء .. فقط لكي أثبت

لنفسي أني مدركة و ذكية .. و لست مغفلة .

وائل : و بهذه الطريقة تبررين خطيئتك .

وداد : طيب .. أنا بهذا أبرر خطيئتي .. وأنت بماذا تبررها أستاذ ؟؟

وائل : وداد .. كفي عن مناوراتك السخيفة هذه .. أنك تقولين هذا بدافع الغيرة .

وداد : حسنا ..( تستل صورة فوتغرافية من حقيبتها )

صورة واحدة تكفي .. ( الصورة تؤكد كلامها عن خطيبة وائل الذي فتح فاهه مندهشا لما يرى

في الصورة )

وائل : ( مذهولا ً) ما هذا بحق الشيطان !! دائرة تحقيقات أنت أم ماذا ؟!

وداد : ما هذا الأطراء دكتور وائل .. أمر بسيط جداً .. أنها عدّة الشغل .. ألم تستخدم الصور مرة في

غزواتك ..

لا تخفي علي نباهتك .. فأنت أستاذي في جميع الأحوال .

وائل : ( بعد فترة صمت و ذهول يكون للموسيقى أثر بالغ فيها )

وداد .... هل هناك ورقة لم تحترق حتى الآن .. ؟

وداد : لم تبق سوى ورقة التوت يا وائل .. و سنخط على سطورها أنا و أنت ...

نحن الأثنين خاطئين يا وائل .. و نستحق الرجم بالحجارة .. لا المجد كما أردت أن توحي لنا

بمحاضراتك السقيمة ..

لكننا على ما يبدو نستحق الحياة .. أليس كذلك .

وائل : حسنا ماذا تطلبين ؟

وداد : هل هدأت فعلا ؟!
ان هذه المسالة بحاجة الى الهدوء و التروي باتخاذ القرار .

وائل :( غاضبا ً) قولي ماذا عندك ؟!

وداد : أوي .. ما هذا ؟! لقد أفزعتني .. ( ضاحكة .. ثم بجد ) حسنا ً ..

وائل ليس أمامك سوى خيارين لا ثالث لهما .

وائل : ( مستسلما ً) ما هما ؟

وداد : أما أن تطرد من الجامعة .. و تضيع في دروب الندم .. أو ...

تتزوجني ...

وائل : ( لم يفاجئ .. أنما هو مجبر على الخيار الثاني )

أتزوجك .

وداد : ( تهتف ) طوبى للخطيئة .. طوبى لنا .

( يرن جرس الباب )

وداد : خطيبتك .

وائل : التي كانت ...

وداد : و الآن حان وقت الفديو ..

( و بين ترقب و ائل و الجمهور لما سوف يطلع عليهم على شاشة التلفزيون ، وداد تضغط

على زر التشغيل في جهاز الفديو ...

وأذا به فلم كارتون توم و جيري .. يفضل أن تعرض مشاهد ضاحكة من مقالب الفأرة للقط

.. يضحكان بفعل المفاجأة و تضمحل الأضاءة مع ضحكهما المتصاعد فيما يستمر التلفزيون

بالعرض الى حين ......و ينتهي العرض )

- أظلام -
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أحمد الصالح \ بغداد حزيران 1987

ahmad_alsaleh58@yahoo.com