Tuesday, August 5, 2008

أمتحان " العراقية " في عراقيتها

دراما التلفزيون

أحمد الصالح
( ورد لي - و العهدة على الراوي - أن أحد الفنانين العراقيين المشهورين، كان قد تباهى مرة أمام مثل المصري" فريد شوقي "عند زيارته الى بغداد مطلع الثمانينيات ، بأن " الرئيس صدام " قد أهداه شخصيا ًسيارة، و هذا دليل- برأي الفنان طبعاً - بأن " رئيسه " يرعى الفنانين بوجه خاص !! فرد "فريد شوقي" على صاحبنا المشهور جدا ً، وعلى الفور : " يا أبني أنا بأقدر أشتري خمس سيارات بأجور فلم واحد بس !!

لعل فنانا ذاك أدرك حجم الخديعة التي كان يعيشها هو وزوملاؤه وقتئذ - أو لعلهم لم يدركوا ذاك حتى اليوم - فعمله وجهده الفني المميز قد ييسرله حياة كريمة و رغيدة من كده و انتاجه دون حاجة للتوسل و التملق لهذا أو لذاك ،مثله مثل كل الفنانين على وجه الأرض ..
فلماذا كان الفنان العراقي دون سواه، يعيش عيشة الزهد و الضيق و تدهورت حياته
المعيشية في التسعينيات خاصة أسوة بحياة أغلب العراقيين.. فما عدا زمرة "الرداحين" و"الزاعقين" و"الكاولية" الذين تربطهم برجال النظام وشائج وثيقة و علاقات يومية مستمرة ، كان الجمع الأكبر من الفنانين ( المسرحيين بخاصة ) يعانون أشد المعاناة من القهر والعوز والفاقة ،ولامبالغة في هذا الوصف ، فقد أضطر البعض منهم لممارسة أعمال لم تخطرعلى بال احد أن يمارسها فنانون معرفون.

خدعة التضامن العربي

و مع التردي المستمر للحالة المعيشية للفنان العراقي و حاجته لتوفير لقمة العيش لأسرته ،أطلَّ عليهم " الأشقاء العرب " بخدعة جديدة و تحت لافتة التضامن والأخوّة.. و ما الى ذلك من عبارات كان النظام يروجها و يثقف الناس بها ، لكنها على الدوام كانت على حساب مصالح العراقيين و لحساب غيرهم من العرب.

و أبتدأ " اللعبة " بعض المنتجين الأردنيين- و تبعهم عرب آخرون حتى اليمنيين - و معظمهم من الفنانيين الذين أكثروا من زياراتهم الى بغداد في مطلع التسعينات للمشاركة في الفعاليات التي كان النظام يقيمها لتبييض وجهه وتبرئته من تهمة الدمار الذي أصاب العراقيين في حروبه المستمرة و تبعاتها. ففي الوقت الذي كان فيه ضيوف النظام يذرفون الدموع الكاذبة على أطفال العراق المرضى والجوعى ، لا يتورعون عن النزول في أرقى الفنادق و يتناولون أدّسم الوجبات على حساب جوع العراقيين و أنينهم و وجعهم .

وعلى هذا المنوال المنافق، طُرحت فكرة " كسر الحصار الثقافي " وإتاحة الفرصة للفنان العراقي للأنطلاق الى الساحة العربية و ما الى ذلك من أكاذيب رخيصة ، فالأثنان ،- الضحية و الجلاد- كانا يعلمان أن العملية برمتّها إستغلال حاجة الفنان العراقي و إستثمار "فرق العملة" بعد التدهور المريع الذي شهدته قيمة الدينار العراقي مقابل العملات الأخرى ، فأضحى من اليسير على المنتج الأردني ( مثلا ً) أن يقوم بإنتاج مسلسل تلفزيوني درامي من عشر حلقات بتكلفة 10 آلاف دينار أردني فقط ( ما يقرب من 1300 دولار أمريكي )، و يعلم العاملون في حقل الإنتاج التلفزيوني كم هي تكلفة متدنية ، و من المؤكد أنها تضمن عائدا ربحيا عاليا ً.

فكيف تم تمرير هذه الخدعة و على حساب من ؟!
إنها على حساب الفنان العراقي بالطبع، و ذلك من خلال الإتفاق معه على أجور محسوبة بالدينار العراقي ( حيث وصلت قيمته في أحد سنوات التسعينات الى ما يعادل 1 \ 4000 من الدينار الأردني ) ..
ثم على حساب تلفزيون الدولة العراقية و الشركات العراقية المالكة للمعدات التي يتم تأجيرها بأبخس الأثمان ، بالإضافة الى فلتان الوضع القانوني في البلاد وضياع الحقوق مما يسّر للمنتج العربي التصوير في أي مكان و في أي زمان مجانا ً أو مقابل رشاوى تافهة لهذا المسؤول الحكومي أو ذاك المسؤول الحزبي .

ترويج بائس

و نشط الأنتاج التلفزيوني على هذا النمط و إستقطب عدداً كبيراً من الفنانين العراقيين الذين تخلى قسم منهم عن الكثيرمن القيم الفنية التي كانوا يتمتعون بها و ينشدونها و شاركوا في مسلسلات أقل ما يقال عنها إنها تافهة شكلا ومضمونا ً ، ومتدنية في الطرح و المعالجة ، و تنطوي على ترويج بائس لقيم البداوة والتخلف و مصنوعة بعجالة " المُستجد " في الإنتاج و الطامح الى الربح السريع على حساب كل شيء .

و رغم المرارة التي حصدها الفنان العراقي من هذا النشاط المخادع و الذي تواطئ على سطحه المنتج العربي وجلاوزة السلطة ،على حساب مصالحه المادية ، فإن طعم المرارة كان أشد عندما تم هدرإعتباره المعنوي أيضا ً.. فما أن تغادر "الأشرطة" الى خارج العراق حتى يتم شطب جميع أسماء العاملين من العراقيين بمن فيهم الممثلون من " تايتل المسلسل " و يتم إستبدالهم باسماء وهمية ، و لسان حال الفنان العراقي يقول:
*( " اللعنة على العوز وعلى كل من كان سبباً في إذلال وهدر كرامة العراقي و هو من أهل غنى"


إن تجارب مرّة من هذا النوع كنا نعتقد أنها ستكون بلا شك دروسا ً ممتازة للعاملين في قطاع التلفزيون في عراق المستقبل ..

العراق الذي كنا ننشده للعراقيين أولاً وأخيراً وما من لغة مع الآخر سوى لغة المصالح التي تضمن حقوق العراقيين قبل الآخرين .!

وها قد سردت عليك يا صاحبي أمنيات كانت تطوف في مخيلتنا و كنا قد نشرناها في الصحف قبل أسقاط نظام صدام يحدونا الأمل أن القادمين الجُدد بما وعدونا به قبل السقوط ، أنهم سيعدّلون "المايلة " وسيعيدون الحق الى نصابه ..

فما الذي حدث؟!

خلال خمس سنوات أُُنفقت من أموال الشعب على " العراقية " عشرات الملايين من الدولارات،..
ترى كم هي المسلسلات الدرامية و البرامج الفنية التي يسرت فرصا ً معقولة للفنانين العراقيين حتى تغنيهم عن التسول في حواري دمشق أو دبي أو القاهرة أوعمّان ؟؟!!

وهل من وسائل عملية و فعلية تم تسييرها للفنانين العراقيين تمنعهم من اللجوء بفعل العوز والحاجة الى الوقوع في شباك " الغير " بدلا ً من أن تكون لهم" الشبكة العراقية" عونا ً و حصنا منيعا ً يحمي مواطنتهم !!؟؟

ومن سيرفع الحيف عن أجيال من الفنانين يُعدّون بالعشرات أولئك الذين أضطروا الى مغادرة بلادهم منذ السبعينيات حتى اليوم ، و ما من وسيلة تعينهم على العيش هم و أُُسرهم في بلاد الغربة، سوى المساعدات التي تتكرم بها دول و مجتمعات أجنبية أنصفتهم بعد أن ظلمتهم دولتهم وجارَعليهم مجتمعهم ؟؟!!

نعم أنا لست من دعاة ولوج الدولة الى ميدان الإنتاج التلفزيوني الفني والإستفراد به حسب مزاج القائمين عليها وهذا حديث آخر سيكون في وقت آخر.. لكن هناك أموال عامة تعود ملكيتها للشعب العراقي قد أُُنفقت فعلا ًعلى مؤسسة تابعة للدولة و قائمة باسم " قناة العراقية "..
و جزء من هذه الأموال كان من المفروض،أن قد تم تخصيصه للأنتاج الدرامي التلفزيوني ..
فما هي عوائد هذا الإنفاق ، و ما حجم إستفادة الفنانين العراقيين منه ؟؟!!

لماذا يعمد الفنان العراقي للعمل في " الشرقية " و " السومرية " و " البغدادية "و " الديار " على سبيل المثال و لماذا يعزف عن العمل في " العراقية " ؟؟!!

تلك الأموال التي تُنفق على رحلات الوفود الأدارية "للشبكة" و"العراقية" الى خارج العراق مع البذخ و الأسراف البائن لأعضاء تلك الوفود و رؤسائها في المطاعم و الفنادق الفخمة
( هناك أشرطة فديو موجودة على موقع (( اليو توب)) لمن يريد الأطلاع على صورة البذخ والأسراف )..

أليس الفنان العراقي أولى بقسم من هذه الأموال، تخصص لأنتاجه الفني بدلا ً من التذرع بضيق اليد و قلة التخصيصات المالية ؟؟!!
أما إذا أدّعت " العراقية " ضرورة المشاركة بوفود في المهرجانات الفنية خارج العراق، فهل المشاركة ،ان توجبت تستدعي هذا العدد الكبير من الإداريين الطفيليين على حساب الفنانين الحقيقيين أصحاب النتاج الفعلي ؟؟!!

و بعد عن ماذا أحدثك أيضا ً ..
عن الأموال المهدورة في شراء الأعمال التلفزيونية المصرية الهابطة و الإصرار على عرضها على شاشة العراقية ؟؟! مسلسلات لا تصلح للعرض في أكثر الفضائيات فقرا ً و سذاجة ..
أما التمشدق بمطلوبية المادة التلفزيونية المصرية على الشاشة العراقية ، فهذه حجة بائسة و مردودة بالمثل البارع الذي قدمته الدراما السورية في السنوات الأخيرة عندما أكتسحت الشاشات العربية و أنهت أسطورة سيادة المادة التلفزيونية المصرية .
و ما حصل هذا الأنجاز الا لأن الأداريين والمنتجين السوريين العاملين في قطاع الإعلام الحكومي و الخاص، أدركوا ولو في وقت متأخر أهمية دعم الإنتاج الفني الوطني و تغليبه على أي نتاج وافد آخر، و بذلك أستطاعوا خلال سنوات قليلة تحقيق هذه القفزة الهائلة في الدراما التلفزيونية و سواها ..

إذن هل تحتاج " قناة العراقية" الى ذكاء خارق للقيام بنفس التجربة وتخصيص هذه الأموال لإنتاج فني عراقي خالص لو كانت حقا ً حريصة على تشجيع الإنتاج الوطني في حقل الدراما التلفزيونية ؟؟!!

قد تتذرع إدارة الشبكة، بأن معظم الفنانين العراقيين قد غادروا البلاد فمن أين ، نأتي بفنانيين عراقيين لينتجوا لنا أعمالا تلفزيونية ..؟!

وإذا تغاضينا عن ، أن للشبكة والقائمين عليها دورا ً ليس بالهين في هجرة الكثيرمن الفنانين الى خارج البلاد بسبب سؤ ادارتها للموارد والمحسوبية والفساد المفزع الذي أبتلت به هذه المؤسسة مثل الكثير من مؤسسات الدولة الأخرى هذه الأيام..
و سوغنا الهجرة لأسباب أخرى، فأن هذه الحجة مردودة على إدارة الشبكة أيضا ، فهي من باب أولى عليها القيام بجهد وطني خالص للسعي الى كسب هؤلاء الفنانين من خلال توفير فرص عمل لهم حتى في المهجر والمنافي و تيسير عودتهم مجددا ً الى بلادهم لتفادي وقوعهم و تسخير جهودهم لصالح أعداء العراق الجديد ، كما تريد منا " العراقية " أن نصدق شعاراتها ..
أليس كذلك ؟؟!!

إن " العراقية " يا صاحبي، كأدارة ترتكب أثما ً بائنا ً بحق الوطن و المواطنين من حيث تدري أو لا تدري ..

لكني أكرر القول بأن في" العراقية " العديد من الشباب الموهوبين قدموا نتاجات فنية بارعة ووطنية مخلصة وفي حقول عديدة ، ولايمكن لمُنصف أن يتغافلهم ويعّز عليهم بكلمة الأشادة بالحق .. لكنهم في جميع الأحوال مواهب و طاقات فردية ليس للأدارة منة عليهم ..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* مقتطف من مقالة لي سبق و أن نشرتها في جريدة المؤتمر- لندن \
بتاريخ 17 \1\2003
أستمر أيها الجنرال

قصة قصيرة\

أحمد الصالح


- هل عرفتني ؟!

- نعم يا سيدي إنك عزرائيل على ما أظن !!

- أتعبتني أيها الجنرال .. يبدو أني لن أرتاح حتى أخطف روحك .

- كما تشاء يا سيدي .. أنا بين يديك .

- مهذب .. عكس ما يشاع عنك !!

- جداًيا سيدي حتى أني لا أرفع صوتي على ضحاياي .. تكفي إشارة من إصبعي .. فتموت الجموع ..

- و لماذا الجموع .. ألا يكفيك واحداً في اليوم .. إثنان .. عشرة ؟!.. لماذا تتعبني ؟!

- ماذا أفعل يا سيدي ؟! هم يريدون الموت !!

- أُقسم لك يا سيدي .. صحيح انني قاتل .. لكني طيب القلب أيضا .. لا أرد طلبا لرعيتي .. إنهم يريدون الجنة يا سيدي .. فهل أبخل عليهم بالخلود و أنا الذي جئت من أجلهم .. هل يعقل هذا ؟؟!!
كلا يا سيدي أرجوك .. لا تشكو من التعب ..
إتعب يا سيدي .. إتعب من أجل هؤلاء المساكين ..
و هل غيرهم أولى بالتعب ؟!!

- حسن .....
استمر أيها الجنرال ...
أستمر .. و أني أستغفر الله من شكواي ..
أستمر أيها الجنرال ....
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشرت في مجلة التضامن – لندن – العدد ( 160 ) في 3\5\1986
جلجلة

من هنا تبدأ الأسئلة
غرفة مقفلة
حائط للسجين
و لك ان تشتهي
طرقا موحلة
أول ينتهي .. بعد كل ذاك الطواف
و آخر لن ينتهي .. مهما أهتديت
أو أرتويت
أو كان ذاك الذي في لحظة قد تغير
قد تحير !!
من هنا تبدأ الجلجلة .


***

سياط الراعي

للراعي الذي أخترته يا خروف أيها الخروف
خمسة سياط
و له خمس أكف
كل كف بخمسة أصابع
أصبع يشير
و أصبع يسعى
و أصبع يهوى
و أصبع يقترف
و أصبع يدين
وأنت رغم كل الذي أعطيته
مديـــــــــــــن !!


أحمد الصالح
1995