أحمد الصالح
مع إسقاط نظام صدام في التاسع من نيسان عام 2003 إبتدأ عهد جديد للصحافة العراقية شهدت فيها تحولات كبيرة ، ولعل كان أبرزها هو رفع جميع القيود التي كانت مفروضة عليها في ظل النظام السابق ، فظهرت أثر ذلك، العشرات من الصحف و المجلات اليومية و الأسبوعية، كما دخل البلاد، العشرات من المراسلين الأجانب لوكالات الأنباء و التلفزيون و الإذاعة و الصحف، وأصبح العراق ورشة عمل صحفي كبرى يحسب لها حساباً على المستوى العالمي بالنظر لجسامة الأحداث الجارية على ساحته ومدى إهتمام العالم بأجمعه بتلقي أخباره و متابعة تطورات العمليات العسكرية و السياسية الجارية فيه ، خاصة وان سلطات الحاكم المدني لقوات الأئتلاف الدولي في البداية ثم السلطات العراقية الوطنية فيما بعد، قد وفرت أجواء الحرية و فتحت الأبواب واسعة أمام الجميع لممارسة العمل الصحفي و النشر بكافة أشكاله و أنواعه ، إنسجاما مع إلتزامات رجال العهد الجديد بالنهج الديمقراطي وأعترافهم بحق الجمهور بالأتصال و تلقي المعلومات عبر وسائل الأعلام المتعددة، دون قيد أو شرط .
إلغاء وزارة الإعلام وإستحداث الهيئات المتخصصة
بعد ما يقرب من إسبوعين من الإطاحة بنظام صدام ، وفي 23/4/2003 أقدم الحاكم الأمريكي المدني لسلطة الإئتلاف "بول بريمر" على حل وزارة الإعلام العراقية ، والتي كانت جزأ ًمن المشهد السياسي العراقي لما قبل الحرب ، وتم تسريح كل موظفيها إسوة بوزارة الدفاع و المؤسسات القريبة من مركز القرار للنظام السابق، وإثر ذلك القرار تغير المشهد الإعلامي في العراق رأسا ًعلى عقب و قطع صلته بالكامل بما كان عليه قبل سقوط النظام ، فإنتقلت الفعالية الإعلامية من مرحلة الإعلام المُحتكر من قبل سلطة الحاكم المستبد والموجه بإتجاه واحد متمثلاً بعدة صحف وثلاث قنوات محلية وفضائية واحدة، إلى إعلام متحرر من كل القيود وغير منضبط على مستويي الكم والنوع ، فوجدت وسائل الإعلام العراقية نفسها فجأة في مواجهة وضع جديد لم يعشه العراق طيلة الـعقود الماضية كما لاتوجد تجربة مشابهه له من قبل، في الشرق الأوسط أو في العالم العربي . فبعد الرقابة الصارمة التي كان النظام السابق يمارسها في إدارته لمختلف وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة والتي كانت أشبه بنوع من أنواع الدعاية والوصاية، أصبحت الساحة الإعلامية في العراق متاحة لكل مَن يريد أن يصدر جريدة أو يُنشئ إذاعة أو يؤسس قناة تلفزيونية من دون رقيب، وبالتالي أفرزت هذه الأوضاع عددًا من الظواهر تجسدت في البداية بشكل أو بآخر في حالة من الفوضى والإنفلات الإعلامي، و أبرزت عدداً هائلاً من الصحف والمنشورات أول الأمر، كإحدى معالم المشهد الاعلامي العراقي الجديد - لسهولة إنتاجها وتوزيعها- حتى تراوح عددها من 180 إلى 200 صحيفة يومية وأسبوعية، وأخرى نصف أسبوعية وشهرية، وكذلك صحف تصدر بين يوم وآخر، متباينة في التوجهات السياسية والأيديولوجية، والمذهبية و القومية، و كل منها تتبع الجهة الصادرة عنها، لتتوسع الأمور فيما بعد إلى عدد من الإذاعات و القنوات التلفزيونية المحلية العاملة على نطاق البلد أو على نطاق كل محافظة من محافظات البلاد.ولتنظيم هذه الحركة الإعلامية أصدر الحاكم المدني السابق للعراق "بول بريمر" قرارين الأول بتاريخ 20/3/2004 ويحمل رقم 65 وهو القرار المؤسس لـ"الهيئة الوطنية العراقية للاتصالات والإعلام"، أما القرار الثاني فهو الأمر رقم (66) بتاريخ 20/3/2004 والذي ينص على تأسيس "الهيئة العراقية العامة لخدمات البث والإرسال". وهذان القراران كانا يهدفان إلى توفير الهيكلية القانونية والإدارية لتفعيل أهداف ووظائف وآليات عمل الإعلام العراقي الجديد . فأصدرت "الهيئة الوطنية للاتصالات والإعلام" فيما بعد مجموعة من التوجيهات العامة حول قواعد ونظم التغطية الإعلامية، كما أصدرت "اللائحة المؤقتة لقواعد البث الإعلامي " بشقيه الحكومي والخاص. أما "الهيئة العراقية العامة لخدمات البث والإرسال" فهي الجهاز الحكومي الوحيد المؤهل لعمليات البث الإذاعي والتلفزيوني في العراق والتي تشرف على "شبكة الإعلام العراقي" التي تُعد اليوم أكبر مؤسسة إعلامية عراقية ممولة من قبل الدولة وتضم عدد من القنوات التلفزيونية و الإذاعية المتخصصة و عدد من الصحف و المجلات و أستقبلت عدد كبيراً من موظفي وزارة الإعلام و مؤسساتها المنحلة السابقة فضلاً عن أشغالها لعدد من مباني و منافع الوزارة المنحلة.وقد ولدت فكرة إنشاء هيئة الإتصالات والإعلام خلال مؤتمر دولي عقد في العاصمة اليونانية أثينا في حزيران 2003، فقد إعتمد ذلك المؤتمر إطاراً وثائقياً لإصلاح الاعلام العراقي عُرف لاحقاً بـ "إطار أثينا" والذي شكل الأساس لقانون إنشاء الهيئة بعد تشاور الحاكم الاميركي المدني " بول بريمر" مع مجلس الحكم العراقي وإختصاصيين عراقيين في قطاعي الإعلام والإتصالات.و أُنيطت بالهيئة الوطنية العراقية للاتصالات والإعلام المهام التالية :- تنظيم البث وشبكة الإتصالات العامة والخدمات، ويشمل التراخيص والتسعير والربط الداخلي. - وتحديد الشروط الأساسية لتوفير الخدمات العامة وخدمات الإتصالات الدولية. - و تخطيط وتنسيق وتوزيع وتحديد إستعمال ذبذبات البث، وتنظيم مضامين الإعلام. - وتطوير آليات الصحافة المطبوعة، ووضع وتطوير وتعزيز قواعد الإعلام الخاص بالإنتخابات، - ودعم وتشجيع التأهيل المهني، وإعتماد توجيهات السلوك المهني على مواضيع الإعلام، - وتطوير ونشر سياسات إتصالاتية وإعلامية، وإقتراح القوانين على الحكومة والجهات المعنية في هذا الشأن.
يتشكل المجتمع الإعلامي العراقي في الوقت الحالي من أكثر من 200 جريدة ومجلة بين يومية وإسبوعية وشهرية وغيرها. وما يقارب 50 قناة تلفزيونية بين فضائية وأرضية وأذاعية ، تتوزع على لغات البلد الرئيسية (العربية، الكردية، التركمانية والسريانية ). مثلما تتوزع على ألوان الطيف العراقي الأثني والديني، كما تتوزع على أراضي محافظاته، حيث توجد قناة تلفزيونية أرضية واحدة على الأقل لكل محافظة. كما لا يمكن أن نتجاهل الإعلام الإلكتروني، حيث توجد مئات المواقع الإعلامية العراقية الشخصية أوالمؤسساتية على شبكة الإنترنت.
إتجاهات متنوعة
تنوعت إتجاهات التحرير الصحفي في صحف ومجلات العهد الجديد ، بحيث إتصفت كل صحيفة بخصائص تميزها عن غيرها، فظهرت صحف خبرية وصحف الرأي وصحف الإنترنيت التي تستقي كل مادتها الإخبارية والثقافية من الإنترنيت ماعدا المقال الإفتتاحي، وظهرت صحف تعيش في الماضي بإجترار الذكريات الصحفية والسياسية في القرن العشرين، مع ظهور صحف شبابية وأخرى هزلية وصحف فضائح سياسية وصحف الإعلانات وكان صدورالكثيرمن الصحف متذبذباً، بحيث توقفت الكثير من الصحف عن الصدور بعد فترة زمنية قصيرة . وركزت بعض الصحف على الخدمات البلدية والكهربائية والنفطية والإتصالاتية والمالية التي تقدمها الحكومة للشعب بالنقد ومتابعة آخرالآخبار… وهناك صحف أخرى دخلت في معركة جدل الهويات، وفي مدى أحقية ومظلومية كل حزب أو طائفة أو قومية وطلب التعويض على حساب الفئات الأخرى، مما أدى الى تفتيت الهوية الوطنية وماتبعه من تعدد الولاءات بتعدد الهويات الطائفية والقومية والحزبية. إن هذا الجدل العقيم قد كان سبباً في صراعات وصدامات مسلحة، ذهب ضحيتها آلاف الأبرياء في ظل غياب الولاء الوطني الحقيقي.. ومازالتً التجربة اللبنانية في ثمانينات القرن الماضي ماثلة في أذهان العراقيين، ودور المليشيات في الحرب الأهلية آنذاك، وما رافقها من مآسي والتي إنتهت بالشعب اللبناني الى حـالة اللا دولة و لعله يعاني من نتائج تلك الأحداث الى اليوم ، وعلى الدوام كان العراقيون المعتدلون يذكّرون الفرقاء بمآسي التجربة اللبنانية ، لعلهم يعقلون و يتافدونها في أدائهم السياسي على الساحة العراقية.
وجه آخر
و مع هذا التعدد و التنوع الكبيرين في الصحافة بعد سقوط نظام صدام ، لكن بالمقابل فإن هناك وجه آخر للعمل الصحفي في العراق في العهد الجديد تمثل في التهديدات والتحديات التي واجهها العاملون في هذا الميدان، مما جعل ممارسة العمل الصحفي في العراق من أخطر الأعمال على حياة العاملين في عالم اليوم .
إذ لم يشهد العالم بأسره وعلى الرغم من كل الحروب والكوارث التي عصفت بالعديد من الدول ما شهده العراق من إستهداف للصحفيين ، يتمثل تارة بالإغتيالات التي تتم بسرعة وعن بعد, وتارة أخرى بالقتل الوحشي الذي ينفذ بعد نصب الكمائن وخطف الضحايا تحت تهديد السلاح. ومما يزيد من فرص الخطورة وتعقيد العمل الصحفي في العراق أيضا ما يتعرض اليه العاملون في الصحافة من ملاحقة وإعتقالات ومقاضاة بدعاوى كيدية وعلى نحو متواتر يثير القلق. الأمرالذي ينعكس سلباً بالتأكيد على حرية الرأي والتعبير وعلى إنسيابية حركة الإعلام والصحافة وبما يجعل حريةالصحافة في العراق تمضي صوب منزلق خطير.(1) تقول نقابة الصحفيين العراقيين، إن أكثر من 270 صحفياً وإعلامياً قد قتلوا في العراق على مدى خمس سنوات منذ سقوط النظام السابق حتى العام 2008.نعم لقد قام العهد الجديد برفع كل القيود التي كانت مفروضة على الصحافة العراقية، لكنه من جانب آخر ترك الباب مفتوحأ ولم يضع ضوابطً أو شروطاً مهنية واضحة المعالم لممارسة العمل الصحفي أو لإصدار الصحف والمجلات أوإقامة محطات تلفزيونية أو إذاعية، الأمر الذي أدى الى فوضى إعلامية كبيرة في العراق أسفرت عن أصدار عشرات الصحف من قبل أشخاص بعيدين كل البعد عن مهنة الصحافة، مما شكل إنتكاسة مهنية في تاريخ الصحافة العراقية .فمن حيث عدد وسائل الإعلام خلال السنوات ما بعد 2003 فان العراق إحتل المركز الأول على المستوى العربي، لكن من حيث المهنية والنوعية فأنه يحتل مركزاً متأخراً لعدم وجود ضوابط، ما دام كل شخص يمتلك المال يستطيع أن يصدر صحيفة.تفتخر القيادة العراقية الجديدة بأنها رفعت القيود عن الصحافة، حيث قال الرئيس العراقي "جلال طالباني" في بيان أصدره بمناسبة الذكرى الخامسة لأسقاط نظام صدام و قيام العراق الجديد: "أُطلقت حريات العمل السياسي والحزبي والنقابي، وشُرعت الأبواب أمام الإعلام الحر فصدرت مئات المطبوعات وتأسست عشرات القنوات التلفزيونية والإذاعية، مما أنهى عهد الرأي الواحد المفروض قسراً".يُذكر أن منظمة مراسلون بلا حدود وضعت العراق فى عام 2007 في الترتيب رقم 157 في التصنيف العالمي لحرية الصحافة الذي تصدره المنظمة كل عام، متراجعاً ثلاث درجات عن العام الذى قبله، ليكون في المرتبة قبل الأخيرة بين الدول العربية، متقدما على فلسطين بدرجة واحدة.وأشارت المنظمة في تقريرها إلى أن الصحفيين في العراق "يخشون بالدرجة الأولى الجماعات المسلحة التي تستهدفهم، في الوقت الذي لم تجد فيه السلطات أي سبيل لوضع حد لحوادث إستهداف الصحفيين". (2)
موجة جديدة من الصحفيين المهاجرين
كما تعرفنا في فصل سابق على ظاهرة هجرة عدد كبير من الصحفيين و المثقفين العراقيين الى خارج البلاد بسبب خشيتهم من ملاحقات و إجراءات النظام السابق القسرية والقمعية، على مدى عقود حكمه الثلاثة و نّيف ، والتي كانت تهدد حياتهم و حياة أُسرهم و مصدر رزقهم ، فلم يهنئ الصحفيون في العهد الجديد طويلاً في العمل الحر في بلادهم ، إذ بعد أن إستبشروا خيراً به خاب أملهم في الإستمرار في العمل داخل البلاد بالنسبة الى كثير منهم إثر تعرضهم لمخاطر عديدة هددت حياتهم و مصادر رزقهم. و إذا كان الصحفيون في السابق يتعرضون الى مخاطر محددة من قبل أجهزة النظام القمعية، فالمخاطر في العهد الجديد متعددة المصادر و مختلفة الأنواع والأشكال، إذ قد تكون تهديداً مباشراً من بعض المتنفذين في العهد الجديد أولئك المتعصبين حزبياً أو مذهبياً ، أو من العصابات و الميليشيات التي وجدت لها مرتعاً خصباً في ظل غياب الدولة القوية و ضعف أجهزتها الأمنية ، أو من خلال المصادمات العسكرية المستمرة ، أو من خلال العمليات الإرهابية التي تستهدف المدنيين مثل التفجيرات و الإختطافات و الإغتيالات التي كان للصحفيين حصة كبيرة منها ..ألخ ،
كل هذه العوامل أدت الى هجرة موجة جديدة من الصحفيين الى خارج البلاد للنجاة بحياتهم و بحياة أُسرهم ، أو للبحث عن فرصة للرزق و العيش بأمان في بلدان المنافي و الشتات . أشار تقرير لمنظمة " مراسلون بلا حدود " الى عدد كبير من الصحفيين الذين يعيشون خارج البلاد بقوله: "يعيش هؤلاء الصحفيون في مأمن إثر نجاتهم من الجحيم العراقي لا سيما أن هذه الدولة تعد الأكثر دموية في العالم بالنسبة إلى المحترفين في القطاع الإعلامي ولكن الإبتعاد عن الوطن لا يعني نهاية مشاكلهم، فمعظم هؤلاء عاطلون عن العمل".وأضاف التقرير أن المحترفين يتعرضون في القطاع الإعلامي للإختطاف على يد جماعات تسيرها الأسباب السياسية أو جني الأرباح.وقد أحصت مراسلون بلا حدود 87 عملية إختطاف لصحفيين منذ بداية النزاع في العراق، وفي هذا السياق، لا يزال 15 إعلاميا محتجزين كرهائن في العراق. وأضافت المنظمة في تقريرها، أنه بالرغم من دعوة السلطات العراقية لإحترام حرية الصحافة " فإن التدابيرالأخيرة التي إتخذتها الحكومة تترجم عجزها " مذكرة بأن وزارة الداخلية إقترحت في شباط 2008 " منح الصحافيين تراخيص لحمل أسلحة "، وبحسب المنظمة ومقرها باريس، فقد قتل 210 صحافيين وعاملين في مجال الصحافة منذ اذار/مارس 2003 وخطف 87 آخرين. واذا كان المراسلون الأجانب أول المستهدفين في المرحلة الأولى من الحرب فقد بات الصحافيون العراقيون اليوم هم المستهدفون، وأن في هذه الظروف غالباً ما يختارالصحافيون العراقيون المنفى " حفاظاً على سلامتهم " ويقرر البعض " الرحيل بعد التعرض لمحاولة أغتيال أو خطف " في حين يرحل آخرون " بمجرد تلقي تهديدات " . وبحسب المنظمة فأن " هناك 200 صحافي وموظف في وسائل الاعلام العراقية في الأردن " في حين " يصعب الحصول على أرقام دقيقة " من سوريا. كما لجأ " عشرات " الصحافيين العراقيين الى أوروبا حيث ساعدت المنظمة حوالى ثلاثين صحافياً خصوصاً في فرنسا.
وتشير المنظمة الى أن الصحافيين العراقيين في المنفى غالبا ما يعيشون في ظروف صعبة وأن عدداً منهم أضطر الى التخلي عن مهنة الصحافة. وخلصت الى القول إن عودتهم الى العراق " غير واردة حاليا لأن المجموعات المسلحة لا تزال ناشطة في البلاد " .(3) و لعل حادثة إغتيال نقيب الصحفيين العراقيين " شهاب التميمي " آذار 2008 من قبل أفراد مجهولين ، تؤشر الى حد بعيد حجم الخطر الذي يتهدد الصحفيين في العراق اليوم ، مما دفع السلطات المحلية الى التفكير جدياً للبحث عن وسائل ناجعة لحماية الصحفيين .
فقد قامت وزارة الداخلية، أثر ذلك بفتح 43 ملفاً يتعلق بإستهداف الصحفيين وملاحقة الجماعات التي تستهدف عموم الاعلاميين العراقيين. و مما يشار له في هذا الصدد وعلى سبيل (الكوميديا السوداء) ، أن محافظ النجف " أسعد أبو كلل " قد قرر أنشاء (مقبرة خاصة) للصحفيين في مقبرة وادي السلام في النجف ، مما شكل صدمة كبيرة للصحفيين و الأعلاميين العراقيين ، حيث وصفوا هذا القرار بنذير شؤم لهم ، و أشار بعضهم الى أن بعض القوى السياسية في العراق الجديد تحاول دوما أشاعة ثقافة الموت حتى على سبيل الإحسان !!
و أعتبر البعض الآخر هذا القرار بمثابة " دعوة لموت الصحفيين " !!(4)
تشريعات جديدة للإعلام
يعتبر العراق واحدًا من أفضل دول الشرق الأوسط و الدول العربية في قوانينه الإعلامية التي أطلقت العنان للصحافيين في التعبير عن آرائهم وإنشاء مؤسساتهم الإعلامية المقروءة والمسموعة والمرئية التي كفل الدستور العراقي حريتها في التعبير حيث نصت المادة 36 من الدستور العراقي لسنة 2005 ضمن الفصل الثاني تحت عنوان الحريات على ما يلي:
تكفل الدولة وبما لا يخل بالنظام العام والآداب:
أولا- حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل.
ثانياً- حرية الصحافة والطباعة والإعلان والإعلام والنشر.
ثالثاً- حرية الاجتماع والتظاهرالسلمي وتنظم بقانون. كما نصت المادة (45) من الدستور " لا يكون تقييد ممارسة أي من الحقوق والحريات الواردة في هذا الدستور أو تحديدها إلا بقانون أو بناءاً عليه، على ألا يمس ذلك التحديد والتقييد جوهر الحق أو الحرية.
كما أقدم مجلس النواب العراقي في نيسان من العام 2008 على مناقشة تشريع قانون لحماية الصحفيين العراقيين- لم يصدر حتى اليوم- تأكيداً لأحكام الدستور الخاصة بحرية الصحافة .
ينص مشروع القانون الجديد على أن " أي إعتداء على الصحفي أثناء تأدية مهامه الصحفية بمثابة إعتداء على موظف حكومي أثناء تأديه واجباته الرسمية ويعاقب المعتدي بالعقوبة المقررة قانوناً على الموظف الحكومي ".
ويؤكد مشروع القانون على أنه لا يعتقل الصحفي أو يلقى القبض عليه بسبب عمله الصحفي إلا عن طريق القضاء وبعد إعلام نقابة الصحفيين العراقيين وحضور ممثلها في التحقيق ." و يتيح هذا القانون للصحفي حق الحصول على المعلومات التي تحتفظ بها الدوائر الحكومية والهيئات العامة لنقلها الى الجمهور ولايحق لتلك الجهات رفض طلبات الحصول على المعلومات إلا في حالة كان الإفصاح عنها سيلحق ضرراً كبيراً باحدى المصالح الوطنية بشكل أكبر من الضرر الحاصل في حالة عدم نشر تلك المعلومات وحجبها عن الجمهور ."
و أتاح مشروع القانون " للصحفي الحق في عدم الأفصاح عن مصادر معلوماته مالم يكن ذلك ضروياً لمنع وقوع جريمة أو كشف فاعليها على أن يصدر ذلك بقرار من المحكمة المختصة بالحادث ولايجوز إقامة الدعاوى للمطالبة بالتعويض بعد ثلاثة أشهر من تاريخ النشر ." و شدد مشروع القانون على أنه لايجوز مصادرة أدوات عمل الصحفي إلا بإذن من المحكمة ، وأن يكون ذلك ضروريا لمنع وقوع جريمة او التحقيق فيها . وتتكفل الدولة بإنشاء قوة فعالة لحماية الصحفيين ووسائل الاعلام والتحقيق في الجرائم التي تطالهم و على الأجهزة الأمنية إجراء تحقيقات فورية في حالة تعرض أي صحفي لأي نوع من التهديد أو الأذى وأن تبذل الجهود لمعاقبة الجناة ." و أجاز مشروع القانون للصحفيين أداء عملهم دون تدخل من قبل القوات الأمنية مالم يكن هناك مسوغ شرعي . كما أوجب على الدولة التكفل برعاية عوائل شهداء الصحافة بتخصيص راتب تقاعدي لهم . وتكفل أيضاً بتخصيص راتب للصحفيين الذين يتعرضون الى الإعاقة بسبب عملهم اذا كان العجز أكثر من خمسين بالمائة . و تكفل بالرعاية الصحية للصحفيين وتتكفل بعلاجهم على نفقتها داخل وخارج البلاد اذا كانت الإصابة أو الإعاقة بسبب العمل الصحفي . و يلزم مشروع القانون رؤساء المؤسسات الإعلامية المحلية والأجنبية العاملة في العراق إبرام عقود عمل مع الصحفيين العاملين بتلك المؤسسات وفق نموذج معد من قبل نقابة الصحفيين العراقيين يضمن حقوق المؤسسة والمنتسب فيها ويتم إيداع نسخة من العقد لدى النقابة .
و يؤكد على عدم جواز فصل الصحفي من عمله إلا بعد إخبار نقابة الصحفيين بمبررات الفصل فإذا إستنفذت النقابة مرحلة التوفيق بين الصحفي ومؤسسته تطبق الأحكام الواردة في قانون العمل عند إنتهاء تعاقده .
ويؤكد على حق الصحفي حضور المؤتمرات وكذلك الجلسات والإجتماعات العامة في سبيل تأدية عمله المهني. و يشيرالى أن الصحفيين لاسلطات عليهم في أداء عملهم غير القانون .
من الجدير بالذكر أن مشروع القانون الجديد عرّف الصحفي بأنه: الذي يعمل في الصحافة المقروءة والمسموعة والمرئية ومنتمي الى نقابة الصحفيين العراقيين، كما ألغى هذا المشروع قانون المطبوعات رقم 206 لسنة 1968 بكافة تعديلاته .(5)
و من الإنتقادات التي وجهت لمشروع القانون الجديد أنه عرّف الصحفي بالمنتمي لنقابة الصحفيين العراقيين فقط ، علماً أن هناك تنظيمات نقابية و مهنية عديدة تضم عدداً من الصحفيين غير (نقابة الصحفيين) والتي يتهمها منتقدوها بإن هناك تيار سياسي معين قد سيطر على هيكليتها و فعالياتها تبعاً لظروف البلاد المعروفة.
أكد "هادي جلو مرعي" نائب مدير مرصد الحريات الصحفية في العراق : " إن من صاغوا مشروع القانون يحملون عقليات تفكر بإسلوب النظام السابق، وإنهم لم يستوعبوا عمق التغييرالذي حدث في العراق منذ سنة 2003، حسب تعبيره. ووصف "مرعي" النقابات والإتحادات الصحافية بالقيد الذي يحد من حرية الصحافيين".
و تعالت دعوات في مجلس النواب و من قبل عدد من العاملين في ميدان الإعلام، الى إعادة النظر بمشروع القانون و إجراء التعديلات عليه لكي لا يتأطر بظروف المرحلة الآنية ، بل يسري على السنوات القادمة و يتطلع الى المستقبل.(6)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)التقرير السنوى للجمعية العراقية للدفاع عن حقوق الصحفيين بالتعاون مع برنامج دعم الاعلام العراقي المستقل ( داعم ) عن انتهاكات حرية الصحافة والتعبير في العراق لعام 2007
(2)جريدة الشرق الأوسط\ عن وكالة شينخوا\ 21\3\ 2008 \واقع الصحافة في العراق بعد 5 سنوات على الحرب.
(3)وكالة الصحافة الفرنسية (4)شبكة النبأ للمعلوماتية على النت
(5) المركزالاعلامي للبلاغ \ على النت في 29/04/2008م
(6)راديو سوا
*
Thursday, October 1, 2009
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
No comments:
Post a Comment